تقدمة لرئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر

30-09-2001 مقال، المجلة الدولية للصليب الأحمر، العدد843، بقلمجاكوب كيلينبرغر

  جاكوب كيلينبرغر   , رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر  

 

من النادر في مجال الأعمال الإنسانية أن يحتفل بذكراها. ومع ذلك فبعض الإنجازات على مر التاريخ يصعب ألا يتم تذكرها والاستلهام منها. ويعد اعتماد الاتفاقية الخاصة بأوضاع اللاجئين لعام 1951, والتي تظل الصك الرئيسي لحماية اللاجئين, أحد تلك الإنجازات. وبمناسبة الذكرى الخمسين لإصدارها, أود أن أكرر الدعم القوى للجنة الدولية للصليب الأحمر لاتفاقية 1951 والمبادئ المنصوص عليها فيها. وأود أيضاً أن أغتنم الفرصة لامتداح الدور الحيوي الذي تؤديه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تقديم المساعدة للاجئين في كثير من الأماكن حول العالم.

 

لقد اشترك مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين واللجنة الدولية للصليب الأحمر طويلاً في علاقة وثيقة بهدف المحافظة على معايير الحماية والمبادئ العملياتية. إن الصلة بين المنظمتين ثابتة الجذور تاريخياً وقانونياً ومن ناحية التطلعات العملياتية.

 

لقد واجهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من اللحظة الأولى لتواجدها الألم والشعور بالخسارة اللذين يشعر بهما الأفراد الذين هربوا من ديارهم وأراضيهم وبلادهم. وداخل إطار مؤتمر خاص باللاجئين عقد عام 1921 تحت رعاية اللجنة الدولية ورابطة جمعيات الصليب الأحمر, اقترح رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر, غوستاف آدور, تعيين مفوض للاجئين الروس. وبعد أشهر قليلة, في 23 أغسطس/آب 1921, عينت عصبة الأمم الدكتور فريدجوف نانسن مفوضاً سامياً نيابة عن العصبة فيما يختص بمشاكل اللاجئين الروس في أوروبا.

 

وقد كانت الحرب العالمية الثانية أكبر برهان درامي على المعاناة الهائلة التي يتحملها اللاجئون. وفي رسالة موجهة إلى الحكومات في مايو/أيار 1950, قدمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر نظرة عامة عما قدمته من مساعدة للاجئين , بالرغم من الفراغ القانوني في ذلك الوقت: وقد تنوعت أنشطتها ما بين إصدار وثائق السفر وإصدار شهادات الأسر والبحث عن المفقودين. وهذا التقرير يبدأ بتذكرة شديدة الوضوح. " دوناً عن ضحايا كل الحروب الحديثة, لم يتحمل أحد منذ الهدنة مصاعب أكبر من اللاجئين, ولم تتم معاملة أحد بقسوة أكبر من تلك التي عوملوا بها. لقد كانوا حتى الوقت الحاضر لا يتمتعون, مثل المدنين عموماً, بحماية أية اتفاقية دولية ... " [1 ] . لقد كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تدعو إلى وضع قواعد قانونية وتكوين هيئة قادرة على العمل نيابة عن الأشخاص أصحاب الحاجة.

 

ياتي بي هذا إلى النقطة الثانية, والصلة غير البسيطة بين اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين, أي القانون الدولي. لقد أعد قانون اللاجئين في أعقاب الحرب العالمية الثانية, بينما خطا القانون الدولي الإنساني إحدى خطواته البارزة إلى الأمام عام 1949 باعتماد اتفاقيات جنيف الأربع. ومثل القانون الدولي الإنساني, يضم قانون اللاجئين قواعد عالمية ومكملة وضعت لحماية كرامة الفرد. لذلك ففي حالات النزاع المسلح, يتم حماية كل من اللاجئين والأشخاص النازحين داخل بلادهم كمدنيين. إضافة إلى هذا, فإن عدداً من مبادئ الحماية التى تضمنتها اتفاقية1951, مثل حظر الطرد, وردت في اتفاقيات1949 أيضاً.

 

ومع ذلك, فاليوم تقوم كل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أكثر وأكثر بتوجيه الانتباه إلى المستوى المنخفض لاحترام وتطبيق القانون. فبالنسبة للمنظمتين اللتين كلفهما مجتمع الدول بتوفير الحماية, هذا التناقض يبعث على الخوف. لذلك ففي ذكرى إقرار اتفاقية اللاجئين لعام 1951, أود تذكير كل المعنيين بأن سوء تطبيق القانون الحالي لا يتماشى تماماً مع مدى وفعالية التطور الحالي والمستقبلي لصكوك قانونية دولية. إن الدول مسؤولة أساساً عن إيجاد حل لهذه المشكلة.

 

ومع ذلك, لا ينبغي للروابط القانونية والتاريخية بين المنظمتين أن تحجب حقيقة هامة, وهي أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هما الكيانان الأولان المتقدمان اللذان يعملان على توفير المساعدة والحماية لعدد لا حصر له من الأشخاص المتأثرين في مناطق النزاعات وفيما حولها. فكل منهما يواجه عدداً من التحديات العم لياتية المتشابهة فيما يختص بهذا الشأن.

 

بداية, فكلتاهما تواجه بيئة دولية معقدة ومتغيرة, حيث تندلع الحروب أساساً نتيجة لدوافع مثل الهوية أو العرق أو الحصول على الموارد. وهي بيئة يتوافر فيها السلاح بسهولة وكثيراً ما لا يتضح فيها التسلسل القيادي.

 

ونتيجة لهذا, على كلتا المنظمتين مواجهة مآزق خطيرة مثل كيفية العمل في سياق يتم فيه تطبيق سياسات التطهير العرقي بشكل وحشي أو حينما تشتد أعمال الإبادة الجماعية. وما الذي يمكن وينبغي على الوكالات الإنسانية عمله حينما يصبح المدنيون الهدف الأول للأعمال العدائية ولا يعد النزوح أثراً جانبياً بسيطاً للقتال, ولكن أداة مفضلة للحرب؟

 

وهناك أيضا صلة وثيقة بين اهتمام المنظمتين بسلامة الأفراد. فقد ذكرتنا السنوات الأخيرة بقسوة بالمخاطر التي تكتنف سياق عمليات معينة: فقد فقدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أربعة من الزملاء في تيمور الغربية وجمهورية غينيا خلال عام 2000, وفقدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر سبعة من الزملاء في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان خلال عام 2001.

 

ومن المظاهر الغالبة أيضاً للبيئة الإنسانية المعاصرة, ارتفاع عدد الوكالات. وقد أدى ذلك إلى نمو مطرد في الحاجة للتنسيق بين المنظمات المختلفة. وفي رأيي, فإن المنافسة شيء إيجابي فيما يختص بتعزيز تلبية حاجات الرجال والنساء والأطفال الذين يتأثرون بالنزاعات. هذا وإلا, فالمنافسة سلبية. وبالرغم من التقدم الذي تحقق بالفعل, فما زال هناك مجال للتحسين.

 

ومما يسهل من فعالية التعاون والتنسيق رغبة المنظمات الإنسانية في تحديد أهدافها في مجال محدد بناء على كفاءاتها الأساسية ونشاطاتها الفعلية وخبراتها في مقابل تطلعاتها. فبينما ليس هناك شك في أن هذا سيساعد في إيضاح تقسيم العمل, لا بد من إدراك أنه في ظل تعقيد المواقف اليوم, ستكون دائماً هناك مناطق متداخلة, حيث يكون التنسيق الخاص مطلوباً, خاصة على المستوى الميداني. ولا بد أن يكون الغرض من كل تلك الجهود نية صادقة لاستغلال كل السبل المكملة المتاحة لمصلحة الضحايا. وهذه هي الروح التي غلبت عليّ وعلى المفوض السامي  رود لوبرز عند لقائنا في الاجتماع السنوي, الرفيع المستوى, للجنة الدولية للصليب الأحمر ومفوضية الأمم المت حدة لشؤون اللاجئين في يونيه/حزيران الماضي.

 

و تتوقع الدول المانحة – عن حق – أن تقوم المنظمات الإنسانية بتنسيق نشاطاتها بأقصى قدر ممكن من الكفاءة لتجنب الازدواجية المكلفة والمواقف التي يترك فيها الأشخاص أصحاب الحاجة دون حماية أو مساعدة. ويمكن لتلك الدول الإسهام في نجاح التنسيق إذا أخذت في رسائلها إلى المنظمات الإنسانية اختصاصات ونشاطات وخبرات كل منظمة في الحسبان.

 

وكتعليق ختامي, أود الإشارة إلى أن النشاطات الإنسانية اليوم هي مهام معقدة بالمفهوم العريض. فهي تتطلب الجمع بين المشاركين لمواجهة الاحتياجات الكثيرة التي تنتج عن النزاعات. لهذا فإن التنسيق المستمر هو مطلب أساسي. إن المنظمات ذات الهوية القوية والمحددة جيداً هي في وضع يسمح لها بالعمل معاً بطريقة يمكن التنبؤ بها. إن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واللجنة الدولية للصليب الأحمر هما منظمتان من تلك المنظمات.

 

  الهوامش  

1-  " اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومشكلة اللاجئين " , المجلة الدولية للصليب الأحمر, [باللغة الإنكليزية ] الملحق, المجلد الثالث, 1950, ص. 114.