اللجنة الدولية للصليب الأحمر ترد على تقرير فريق شليزينغر عن عمليات الاعتقال التي تقودها وزارة الدفاع

08-09-2004

إن تقرير فريق "شليزينغر" هو وثيقة مهمة ومثال مرحب به للمراجعة الذاتية في مواجهة حالات عسيرة. فهو يستخلص دروسا قيمة من خلال ذكر الانتهاكات وإسناد المسؤولية وتقديم التوصيات من أجل تفادي تكرار تلك الانتهاكات. وفي الوقت نفسه يحتوي تقرير الفريق على عدد من الآراء الخاطئة والاستنتاجات والتوصيات بشأن المواقف القانونية التي اتخذتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر وبشأن دورها, وكذلك بشأن قوانين النزاع المسلح. وفي ما يلي ردود اللجنة الدولية:

  1 . عن دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر  

     

  أ. صفحة 87 : " من وجهة نظر اللجنة الدولية للصليب الأحمر, تحرم فئة " المقاتلون غير الشرعيين" المعتقلون من حقوق إنسانية معينة. وتجادل بأن نقص المعلومات المتعلقة بأسباب الاعتقال وشروط إطلاق السراح هي المصادر الرئيسية للضغط الذي يعانيه المعتقلون."  

     

يسيء التقرير توضيح العلاقة بين نداءات اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أجل تحسين أوضاع المعتقلين ومعاملتهم, و الجدل القانوني حول القانون الدولي الإنساني والوضع القانوني للمعتقلين. إن العلاقة التي تقيمها اللجنة الدولية للصليب الأحمر بين أوضاع المعتقلين النفسية ووضعهم القانوني, بمعنى الأساس القانوني لاعتقال شخص ما, تستند إلى عقود من التجربة في مجال زيارة أماكن الاعتقال في إطار بيئة كثيرة التنوع, سريعة التغير. وأياًّ ما يكن مكان الاعتقال فإن منع الاعتباط والتعسف لا يمكن أن يتم إلا بتحديد إطار قانوني راسخ بوضوح والاقتناع بهذا الإطار.

     

  ب. "لابد أن تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر كمؤشر إنذار مبكر عند احتمال وقوع تعسف"  

هذا صحيح لكنه ليس واضحا كما يبدو للوهلة الأولى. لقد منح المجتمع الدولي اللجنة الدولية للصليب الأحمر تفويضا فعليا لمراقبة مدى اضطلاع الدول بمسؤوليتها في احترام القانون الدولي الإنساني. ولم يكن هذا دورا سهلا أبدا, خاصة في مجال الاعتقال. ولم يكن ذلك الدور مريحا أبدا للسلطة التي هي موضع مراقبة. لكنه دور أخذت ه اللجنة الدولية على محمل الجد.

وهذا ما يفسر قيام اللجنة الدولية بتوثيق أوضاع الاعتقال ومعاملة المعتقلين توثيقاً شاملاً ورفع التقارير الصريحة إلى السلطات المعنية والتي تتضمن الملاحظات والتوصيات الملائمة.

و تؤمن اللجنة الدولية بأهمية بناء الثقة والحوار مع السلطات وبعملها طبقا لمبادئ وإجراءات راسخة. وتعد إجراءات العمل على أساس السرية عنصرا أساسيا من عناصر طريقة العمل هذه.

 وفي مقابل ذلك, تنتظر اللجنة الدولية نتائج ملموسة. وعلى كل مستويات سلسلة القيادة, تنتظر اللجنة الدولية إجابات عما عبرت عنه من اهتمامات, سواء شفويا أو كتابيا, على أن تحمل تلك الإجابات تغييرات ملموسة في أماكن الاعتقال التي تزورها اللجنة الدولية. وفي الحالات التي تخلص بشأنها اللجنة الدولية إلى نتيجة مفادها أن توصياتها لم تُعر اهتماماً بصورة متكررة, وأن الأوضاع والمعاملة لم تتحسن رغم تقاريرها, فإنها تحتفظ بحقها, كملاذ أخير, في شجب انتهاكات الأحكام القانونية ذات الصلة من طرف السلطات المعنية شجباً علنياً.

2. عن المواقف القانونية للجنة الدولية

     

  أ. صفحة:85 "إذا تقيدنا بتفسيرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر, فإن عمليات الاستجواب لن تكون مسموحة".   

لم تقل اللجنة الدولية أبدا إن استجواب أي معتقل ممنوع ولم توح بذلك ولم تلمح إليه ولم تلمح إلى أن التحقيق مع أي معتقل ممنوع, بغض النظر عن وضع المعتقل أو عدم وجود وضع له بمقتضى اتفاقيات جنيف. لقد اعترفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر دوما بحق الدول في اتخاذ ما تراه من إجراءات مناسبة لمعالجة همومها الأمنية. و لم تشكك أبدا في حق الولايات المتحدة في جمع المعلومات السرية والقيام بعمليات الاستجواب وفق مصالحها الأمنية. و ليس في اتفاقيات جنيف ولا القانون الإنساني العرفي ما يمنع القيام بجمع المعلومات أو الاستجواب. إلا أن تلك الاتفاقيات وذلك القانون تقتضي معاملة المعتقلين معاملة إنسانية, و حماية كرامتهم بصفتهم بشراً. وعلى وجه الخصوص تمنع اتفاقيات جنيف و القانون الإنساني العرفي واتفاقية مناهضة التعذيب استخدام التعذيب والأشكال الأخرى من المعاملة القاسية وغي ر الإنسانية أو المهينة. وانعكس هذا المنع المطلق أيضاً في مواثيق قانونية دولية أخرى وفي أغلب القوانين الوطنية.

     

  ب. صفحة 86: "إن هذا [أي قبول الولايات المتحدة لمعايير الاعتقال القانونية الواردة في البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية], قد يضمن حماية قانونية للإرهابيين  تعادل تلك التي تكفلها اتفاقيات جنيف لعام 1949 لأسرى الحرب بالرغم من حقيقة أن الإرهابيين لا يرتدون الأزياء العسكرية ولا يمكن تمييزهم عن المقاتلين بشكل آخر".  

     

إن أحكام البروتوكول الإضافي الأول التي ترجع إليها اللجنة الدولية للصليب الأحمر هي الضمانات الأساسية بمقتضى المادة 75 منه. وقد قبلت الولايات المتحدة بوضوح تلك الأحكام كقانون دولي عرفي ملزم (انظر: موقف الولايات المتحدة حول العلاقة بين القانون الدولي العرفي وبروتوكولي عام 1977 الإضافيين إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949,   " Michael J. Matheson, 2Am. U.J.Int'l L. & Pol. " Y 419-31 (1987)).

     

  ج. صفحة 86ـ7: "تدعي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة تخصان فقط فئتين من المعتقلين: )1 (المعتقلين المدنيين الذين لابد من توجيه  تهمة لهم بارتكاب جريمة ومحاكمتهم و)2( المقاتلين الأعداء الذين يجب إطلاق سراحهم عند وقف العمليات الحربية".  

     

إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لا تذهب إلى مثل هذا التأكيد,  إذ أن قراءتها لهذه المسألة تستند ببساطة إلى الاتفاقيات نفسها.   

أ) يمكن بالفعل اعتقال المدنيين الذين يشكلون خطراً كبيراً على الأمن وذلك بدون اتهامهم بارتكاب أي جريمة في حالة النزاع المسلح الدولي, كما يجب مراجعة ظروف اعتقالهم مرتين في السنة, إلا أنه يمكن تمديد مد ة الاعتقال طالما استمرت العمليات الحربية وظلوا يشكلون خطراً كبيراً على الأمن. ويجب إطلاق سراحهم في أسرع وقت ممكن بعد انتهاء العمليات الحربية ما لم يكونوا قيد المحاكمة أو في حال تنفيذهم لعقوبة صادرة ضدهم.

ب) يمكن اعتقال جميع المقاتلين الأعداء إلى ما بعد النزاع وذلك في حال اعتقالهم إذا كانوا قيد المحاكمة أو كانوا ينفذون عقوبة صادرة ضدهم (سواء كان لهم الحق في صفة أسير الحرب أو في معاملة طبقاً لاتفاقية جنيف الثالثة أو كانوا مشمولين باتفاقية جنيف الرابعة أو بالأحكام العرفية بمقتضى المادة 75 من البروتوكول الأول).

     

  د) - صفحة87 " إذا لم يستوف المعتقلون الشروط الخاصة للحصول على وضع قانوني مميز ( بموجب اتفاقيات جنيف) فإنه من الواضح أن تكون هناك فئة يندرج تحتها الأشخاص الذين يفتقرون إلى هذه الامتيازات.  واللجنة الدولية للصليب الأحمر لا تعترف بفئة تسمى "بالمحاربين غير المميزين" وتجادل بأن ذلك لا يوافق تفسيرها لاتفاقيات جنيف".  

بالرغم من اعتراف الفريق بوجود اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين فإنه يفترض أنه في حالة عدم استيفاء شخص لشروط صفة أسير الحرب بموجب اتفاقية جنيف الثالثة فإن ذلك الشخص يكون حتماً خارج نطاق الاتفاقيات تماماً. ويعكس هذا إخفاقاً في الاعتراف بأن أشخاصاً كهؤلاء يحق لهم التمتع بحماية اتفاقية جنيف الرابعة إذا ما استوفوا المعايير المتعلقة بالجنسية المنصوص عليها في المادة الرابعة من هذه الاتفاقية.  إن اللجنة الدولية ترفض مفهوم وضع خارج عن إطار النزاع المسلح ويتعلق بأشخاص لهم الحق فعلا في الحماية إما بموجب اتفاقية جنيف الثالثة أو اتفاقية جنيف الرابعة أو بموجب الأحكام العرفية المنصوص عليها في المادة 75 من البروتوكول الأول. ويتوافق هذا الموقف مع النصوص الصريحة لكل من الاتفاقيتين وكذلك مع موقف الولايات المتحدة من المادة 75 من البروتوكول المذكور.

  3- حول قوانين النزاع المسلح  

     

  أ‌- صفحة81 : "يوافق الفريق على الاقتراح القائل بعدم أحقية هؤلاء الإرهابيين في التمتع بحماية اتفاقية جنيف الثالثة كمقاتلين.علاوة على ذلك, فإن الفريق يقبل الاستنتاج الذي مفاده أن اتفاقية جنيف الرابعة وأحكام القانون الجنائي الوطني ليست صلبة وليست ملائمة بما فيه الكفاية لتشمل الاعتقال المناسب للإرهابيين الذين تم إلقاء القبض عليهم".  

     

1- تدعو اتفاقية جنيف الثالثة ولوائح الجيش الأمريكي ذات الصلة إلى بت مسألة الأوضاع القانونية من طرف " محكمة مختصة " بغية تحديد مدى استيفاء شخص قام بعمل حربي ووقع في قبضة العدو في إطار نزاع مسلح دولي, لمعايير وضع أسير الحرب. وهكذا لا يمكن لأحد أن يخلص إلى أن معتقلاً لا يحق له التمتع بحماية اتفاقية جنيف الثالثة دون اتباع الإجراءات التي نصت عليها الاتفاقية أولا قبل الوصول إلى التحديد المذكور. أنظر أيضاً الفقرة 2 من النقطة د أعلاه.

2- تعرب اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن قلقها إزاء الطرح القائل بإمكانية تجاهل اتفاقية جنيف الرابعة بسبب " عدم صلابتها بما فيه الكفاية " . إن اتفاقية جنيف الرابعة تعترف صراحة بوجود حالات قد يحرم فيها أشخاص مشمولون بأحكامها من حريتهم.ويمكن اعتقال هؤلاء الأشخاص لأسباب أمنية قصوى طالما ظلت هذه الأسباب قائمة. ويمكن اتهامهم بارتكاب سلوك إجرامي ومحاكمتهم وإدانتهم وإصدار أحكام ضدهم (تمتد فترتها إلى ما بعد النزاع وربما الحكم عليهم بالإعدام تحت شروط معينة). كما يجب محاكمتهم بتهمة ارتكاب جرائم الحرب, أي الانتهاكات الخطرة لقوانين الحرب وأعرافها.  ويمكن أيضا محاكمتهم بسبب مشاركتهم غير المشروعة في العمليات الحربية (ومن هنا جاءت تسمية " المقاتلين غير الشرعيين " رغم أن هذا الاصطلاح غير مستعمل في القانون الدولي الإنساني). إلا أن مثل تلك المحاكمة لا تخول إقصاءهم من الحماية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة. علما بأن الاتفاقية لا تحتوى على أي حظر للاستجواب. علاوة على ذلك, فإن ما ذهب إليه الفريق استناداً إلى القول بأن الاتفاقية الرابعة " ليست صلبة بما فيه الكفاية " مما قد يمكن دولة ما من الدول الأطراف من تجاوز هذه الاتفاقية. إن قبول هذه الحجة قد يعني إيجاد استثناء من شأنه إضعاف جميع أنواع الحماية الإنسانية التي يكفلها القانون.

     

  ب- صفحة82 "توجد منطقيا فئة من الأشخاص الذين لا يستوفون الشروط المعينة ويقعون بالتالي خارج فئة الأشخاص الذين لهم صفة أسرى حرب أعداء.  ورغم عدم وجود مسمى خاص بهذه الفئة في اتفاقيات قانون الحرب فإن مفهوم " المقاتل غير الشرعي" أو "المحارب غير المميز" يـُعد جزءاً من قانون الحرب".  

إن هذا الزعم يؤيد الحجة القائلة بأن الأشخاص الذين لا يستوفون شروط أسير الحرب وفق اتفاقية جنيف الثالثة يقعون قطعياً خارج الحماية التي تكفلها اتفاقيات جنيف.  ومع ذلك, فإن المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الرابعة تقضي بمنح الحماية للأشخاص " الذين يجدون أنفسهم ... تحت سلطة طرف في النزاع " إلا إذا لم يستوفوا المعايير المتعلقة بالجنسية أو الذين تحميهم اتفاقيات جنيف الأخرى.  فالأشخاص المعتقلون الذين لا تحميهم الاتفاقيات الأخرى والذين استوفوا المعايير المتعلقة بالجنسية للتمتع بالحماية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لديهم بالفعل " مسمى في الاتفاقيات الخاصة بقانون الحرب " , وهذا المسمى هو " مدني " أو " شخص محمي " بموجب اتفاقية جنيف الرابعة حتى في حال الاشتباه بشكل مؤكد في تورطه في نشاط معادٍ لأمن الدولة الحاجزة أو كونه من فئة " المقاتلين غير الشرعيين " . والأشخاص الذين لا تتوفر فيهم معايير الجنسية محميون بالمادة 75 من البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف. وتشكل هذه المادة جزءاً من القانون الدولي العرفي.

  4- عن التوصيات  

     

  أ- "تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة تحديد موقفها من القانون الدولي الإنساني العرفي والاتفاقي الذي يجب أن يتلاءم وواقع نزاعات القرن الـواحد والعشرين.  وبقيامها بذلك يجب على الولايات المتحدة أن تشدد على معيار المعاملة بالمثل. ويعتقد الفريق أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لا تقل احتياجاً عن وزارة الدفاع  لمواكبة حقائق النزاع وهي مختلفة كثيراً عن بيئة أوروبا الغربية التي استمدت منها اللجنة الدولية للصليب الأحمر تفسيـرها لاتفاقيات جنيف"( التوصيتان9 و 10) .  

إن أهداف القانون الإنساني ومبادءه أهداف ذات جذور عالمية. وهذا هو الأساس المتين الذي تقوم عليه رؤية اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي عملت ومازالت تعمل في جميع أنحاء العالم منذ مائة وأربعين عاماً.  وقد دونت اتفاقيات جنيف المبادئ العالمية, وهذه الاتفاقيات هي أوسع المعاهدات الدولية تصديقاً في العالم. وبالإضافة إلى هذا لا شك أن نزاعات اليوم تختلف بوضوح عن تلك النزاعات التي أفضت إلى إبرام اتفاقيات جنيف لعام 1949, وتواصل اللجنة الدولية القيام بمبادرات ترمي إلى بحث أفضل السبل الكفيلة بتطبيق اتفاقيات جنيف في حالات النزاع المسلح المعاصرة أو المشاركة في مثل تلك المبادرات.

ومع تأكيد ما تقدم يجب ألا يستهان بقرار أحادي هدفه تجاوز هذه المعايير المستقرة عالمياً. وليس هنالك ما يدل حتى اليوم على أن  تطبيق القانون الساري بأمانة يحول دون ملاحقة أولئك الذين ينتهكون هذا القانون.

علاوة على ذلك فإن معيار المعاملة بالمثل لا يمكن تطبيقه على الضمانات الأساسية مثل منع التعذيب وإلا آل الأمر ليس فقط إلى المجازفة بقبول تدمير مبدأ القانون ذاته وإنما إلى تدمير القيم التي  بُني عليها بعينها.

 

pdf file      
تقرير فريق شليزينغر عن عمليات الاعتقال التي تقودها وزارة الدفاع الأمريكية المنشور على موقع وزارة الدفاع الأمريكية فى شكل PDF بالإنجليزية

تعليمات حول PDF
عندما تستخدم النسخ PDF تساعدنا على الاحتفاظ بالنسخ الورقية لتوزيعها على الذين لا يملكون نفاذاً إلى الأنساق الإلكترونية    
   

للمزيد من المعلومات أنظر اتفاقيات جنيف والبروتوكولان الإضافيان إليها