حماية المحتجزين وتحسين حياتهم المعيشية- مجلس حقوق الإنسان

04-03-2014 تصريح

كلمة رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر السيد "بيتر ماورير" أمام الدورة الخامسة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان، نقاش على مستوىٍ رفيع- جنيف.

سيدي الرئيس، سيدتي المفوضة السامية لحقوق الإنسان، أصحاب السعادة، السيدات والسادة ممثلو الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدني،

 

بيتر ماورير رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر 

بيتر ماورير -رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر
© ICRC

يسعدني أن أشارك مرة أخرى في أعمال مجلس حقوق الإنسان. ويجب علينا ونحن نعمل في ظروف وحالات مشتركة ونهتم بالمواضيع نفسها، أن نستفيد من التكامل بين المهام الموكولة إلى مؤسستينا من أجل ضمان توفير الحماية والمساعدة على نحو مستمر لجميع ضحايا النزاعات المسلحة أو حالات العنف الأخرى.


وإنني مقتنع تمام الاقتناع أن التكامل بين النُهُج التي تتبعها الجهات الفاعلة المختلفة العاملة في مجال حقوق الإنسان والقانون الإنساني يمثل قيمة مضافة ينبغي من ثم التمسك بتنميتها. وتسترشد اللجنة الدولية في هذا المسعى بشاغلها الرئيسي وهو الاحتفاظ بثقة الأطراف المنخرطة في النزاع، عن طريق الدخول في حوار خاص وسري معها. ويعتمد تعامل اللجنة الدولية عن كثب مع الضحايا على هذا الحوار.


وأنا مقتنع من ثم بوجوب تشجيع عملية تبادل الخبرات حول مواضيع ومحاور معينة، حيث يمثل المجلس في هذا الصدد منتدىٍ متميزاً بالنسبة للدول والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني. ولهذا السبب فإن اللجنة الدولية على استعداد اليوم لتبادل خلاصة الواقع الذي تشهده في مجال الاحتجاز. وسوف أبرز أيضاً من خلال ذلك أسلوب العمل الذي يميز جميع أنشطة اللجنة الدولية والذي يرتكز على فهم السياقات والعمل عن كثب مع الضحايا والبحث عن أفضل استجابة تتناسب مع احتياجاتهم.

من الواضح أن عمل منظمة واحدة لا يمكن أن يكون كافياً في حد ذاته لتحسين الاستجابة الشاملة لكافة احتياجات الحماية والمساعدة.

وقد انصب اهتمام اللجنة الدولية بعد فترة وجيزة للغاية من تأسيسها على مصير الأشخاص المحرومين من حريتهم، حيث أسست ممارستها العملية داخل معسكرات أسرى الحرب والمحتجزين المدنيين في إطار النزاعات المسلحة الدولية. وقامت اللجنة الدولية عقب ذلك بتوسيع نطاق أنشطتها في مجال الاحتجاز بالتدريج ليشمل فئات جديدة من الأشخاص المحرومين من حريتهم، مثل المحتجزين لأسباب أمنية، والمحتجزين تحت طائلة القانون العام، والمهاجرين المحرومين من الحرية، بغض النظر عن مكان احتجازهم، وذلك بغية تلبية أفضل للاحتياجات الملحة للفئات الأشد ضعفاً مع الحفاظ على مدخلها الأصلي. ولا يشمل عمل اللجنة الدولية في الوقت الراهن، الذي هو مرهون بحصولها على موافقة صريحة من السلطات المختصة، حالات النزاع المسلح فحسب، بل ويمتد أيضاً إلى حالات أخرى تتطلب فيها ظروف احتجاز الأشخاص المحرومين من حريتهم استجابة إنسانية، ويتعرض فيها المحتجزون لمخاطر حقيقية من سوء المعاملة أو الاختفاء. وقد اضطلعت اللجنة الدولية في عام 2012 بأنشطة في مجال الاحتجاز شملت أكثر من 97 سياقاً ميدانياً، وأجرت خلال العام نفسه ما يربو على 4900 زيارة إلى 1700 مكان للاحتجاز ضمت أكثر من 540000 شخص.

الوضع الراهن. تُعتبر حالة الاستضعاف التي يكابدها الأشخاص المحرومون من حريتهم واحدة من الأسباب الرئيسية التي تحدو باللجنة الدولية للاهتمام بتلك الفئة الخاصة من الأشخاص.

وتسود للأسف في كثير من البلدان حالة تجاهل عميق بل وبالأحرى عدم اكتراث بالقضايا ذات الصلة بالاحتجاز. بيد أن أكثر من 11 مليون شخص يعيشون داخل السجون، وزهاء 30 مليون شخص يدخلون السجون ويخرجون منها كل عام. وتشير معدلات الاحتجاز حسب كل بلد إلى اتجاه متزايد نحو الإيداع في السجون، كما يسجل اللجوء إلى العقوبات طويلة الأمد أو الاحتجاز التحفظي ارتفاعاً ملحوظاً. ولايزال نزلاء السجون من الذكور يشكلون الأغلبية، إلا أننا نصادف مزيداً من النساء والأطفال في أماكن الاحتجاز دون أن يواكب هذا التزايد إدخال التعديلات اللازمة على البنية التحتية. ويشكل الأجانب في بعض الحالات أكثر من نصف عدد الأشخاص المحتجزين. بيد أن ارتفاع عدد نزلاء السجون لا يصاحبه دائماً زيادة في الموارد القضائية اللازمة أو في عدد المؤسسات العقابية. ويؤثر نقص الموارد من ثم على المنظومة برمتها وينجم عنه ضغط متزايد على إدارة وموظفي السجون والمؤسسات العقابية التي تفتقر إلى المعدات الضرورية ولا تتلقى تدريباً كافياً. ويُلقى هذا الوضع بظلاله أيضاً على التأخُّر المفرط في المحاكمات، وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الغذائية أو الصحية، ويفضي إلى عدم كفاية البنية الأساسية البالية أو غير المؤهلة.


وقد شهدت اللجنة الدولية عن كثب في سياقات احتجاز متباينة للغاية وعلى مدار عقود عدة، ظاهرة الاكتظاظ وتبعاتها على المحتجزين وعائلاتهم. ونحن هنا بصدد مشكلة إنسانية خطيرة تفضي إلى تردٍ في الظروف المعيشية داخل أماكن الاحتجاز، إلى حد يصل إلى مرحلة اللاإنسانية في بعض الأحيان. ويضطر عشرات الآلاف من المحتجزين للعيش لفترات طويلة في زنازين مكتظة لا توجد بها مساحة كافية للتحرك أو الجلوس أو النوم. وعندما يجد المرء نفسه رهين محبس شديد الضآلة، وقيد ظروف صحية مزرية ودون أدنى درجات الخصوصية، يصير الحرمان من الحرية آنذاك – وهو وضع جائر في حد ذاته – أشد محنة. وتتقوض كرامة المحتجز وتتأثر صحته العقلية والجسدية على نحو خطير تبعاً لذلك. وتتفاقم التوترات بين المحتجزين والقائمين على أماكن الاحتجاز وبين المحتجزين بعضهم بعضاً، مما يضاعف بشكل ملحوظ من مخاطر العنف البدني والنفسي، بما في ذلك العنف الجنسي.

وتولي المجتمعات في معظم البلدان قدراً زهيداً من الاهتمام للأشخاص المحتجزين بل وتنزع عنهم الصفة الإنسانية. وينعكس ذلك على الترتيب الذي تحظى به أماكن الاحتجاز على قائمة أولويات ميزانية تلك البلدان والوسائل المتاحة لإدارة تلك الأماكن. وتلاحظ اللجنة الدولية أن أوجه القصور العامة في النظام العقابي تؤثر بشكل كبير على الرعاية الصحية في أماكن الاحتجاز في العديد من السياقات. بيد أن المشاكل الصحية الناجمة عن انتشار الأمراض المعدية (مثل الدرن أو فيروس نقص المناعة البشرية، الإيدز)، أو نتيجة إدمان المخدرات أو زيادة انتشار الأمراض العقلية باتت أكثر إلحاحا الآن أكثر من أي وقت مضى.


وأدركت اللجنة الدولية من دون شك وعي السلطات أيضاً ورغبتها في التقليل من الآثار السلبية للاحتجاز. وتعتمد تلك السلطات من ثم تدابيراً بغية تمكين الأشخاص المحرومين من حريتهم من البقاء على اتصال مع العالم الخارجي  وحصول المحتجزين القُصَّر على قدر من التعليم. وتجري مناقشات وتُثار أفكار في مجال العدالة الجنائية حول الدعم الأُسري للمحتجزين أثناء تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم، أو بخصوص بدائل للسجن. وتتضمن برامج التعاون الدولي المتعلقة بسيادة القانون أو إصلاح المنظومة القضائية في بعض الحالات عنصراً من عناصر النظام العقابي.

سيدي الرئيس،

اللجنة الدولية تدعوكم  إلى مضاعفة الجهود من أجل تحسين الحالة العامة لممارسات الاحتجاز واستثمار الموارد والكفاءات في هذا المجال، في وقت السلم كما في وقت النزاع المسلح وحالات العنف الأخرى.

أما آن الأوان أن ندرك أن الشخص المحتجز يشكل جزءاً لا يتجزأ من المجتمع؟ ألا يعكس أسلوب تعاملنا مع المحتجزين الاعتبار الذي نُكنّه لاحترام كرامة الإنسان التي هي بمثابة حجر الزاوية الذي ترتكز عليه حقوق الإنسان؟ إن ضمان ظروف احتجاز لائقة وإنسانية هو جانب أساسي من الحق في العدالة. وألا ينبغي أيضاً التحلي بالشجاعة لإثارة هذه القضايا إذا كنا نرغب في ألا تصبح أماكن الاحتجاز مساحات خارج نطاق المجتمع ينعدم فيها القانون، أو مدارس لتعليم صنوف العنف. إن المهمة المطلوبة شاقة وعسيرة، ولكنها ليست بعيدة المنال.

وأود في هذه المرحلة أن أذكّر ببعض مسارات العمل والتدابير التي من الممكن أن تؤثر إيجاباً على الوضع.
ضمان الحماية للمحتجزين. تعتمد معاملة المحتجزين في المقام الأول على سلطة الاحتجاز التي يقع على عاتقها تلبية احتياجاتهم في امتثال كامل للمعايير المنطبقة في هذا الصدد. وقد قلنا مراراً وتكراراً أن أماكن الاحتجاز هي مرآة عاكسة للمجتمع وللقيم التي يعززها في إطار الاحتجاز الجزائي. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن المجتمع نفسه يصبح عنصراً تنظيمياً مهماً يمكن أن يؤثر إيجاباً على السلطات من خلال وسائل الإعلام أو المجتمع المدني أو عن طريق التنظيم الملائم للاتصالات بين المحتجزين والعالم الخارجي. واستناداً إلى هذا المنظور، يصبح اللجوء إلى ممارسات تتعارض مع قيم هذا المجتمع ومعتقداته أكثر ندرة لأنها تكون ضد طبيعته. وفضلاً عن ذلك، فإن شرعية وشفافية إجراءات وآليات الوقاية الوطنية والدولية، وأمناء المظالم أو اللجان الوطنية لحقوق الإنسان هي جميعها عناصر منظِّمة تساعد على منع التجاوزات والإفلات من العقاب.

وتهدف زيارات اللجنة الدولية إلى أماكن الاحتجاز إلى ضمان تلقي كافة المحتجزين – بغض النظر عن أسباب توقيفهم واحتجازهم - معاملة كريمة وإنسانية وفقاً للقواعد والمعايير الدولية. وتشكل احتياجات الشخص المحروم من الحرية نقطة الانطلاق بالنسبة لعمل اللجنة الدولية في مجال الاحتجاز، حيث تستند أنشطتها في هذا الصدد إلى تقييم شامل ومتعمق للوضع داخل أماكن الاحتجاز وخارجها على حد سواء، وفق طرائق عمل وشروط محددة بعناية. وتمنح عملية تحليل المعلومات التي يجري جمعها فرصة للجنة الدولية لوضع يدها على المشكلات الرئيسية التي يواجهها المحتجزون وسبر غور عوامل أخرى تؤثر على وضعهم، مثل الصعوبات التي تصادفها سلطات الاحتجاز في معالجة المشكلات ذات الطابع الإنساني، بما في ذلك الضمانات القضائية. ويفسح هذا التحليل المجال أيضاً لاقتراح حلول ملموسة تتداخل فيها عدة تخصصات بغية منع المعاملة السيئة وتحسين ظروف الاحتجاز، كي تحظى حياة وكرامة الأشخاص المحرومين من حريتهم باحترام أفضل. ويمكن أن تتضمن أنشطة اللجنة الدولية  من ثم تدابير للحماية القانونية، وتدابير أخرى ذات صلة بمرافق أو مؤسسات الاحتجاز أو الإطار القانوني الذي يحكمها، أو توفير الدعم المادي أو التقني من أجل تعزيز القدرة على الاستجابة للاحتياجات الإنسانية، في حين تظل زياراتها للمحتجزين والحفاظ على اتصال معهم عنصراً أساسياً في تلك الأنشطة.  

وبعيداً عن ادعاء احتكارها لهذا المجال، ترغب اللجنة الدولية في أن تأخذ بعين الاعتبار الإجراءات الفعالة التي تضطلع بها منظمات أخرى تعمل بنشاط في مجال الاحتجاز ومواقف تلك المنظمات. وهي تشارك في التنسيق الميداني اللازم لتسهيل عمل كل منها وضمان أكبر قدر ممكن من التكامل في الأنشطة المنفَّذة، في حين تسهر على الاحتفاظ بثقة سلطات الاحتجاز والمحتجزين فضلاً عن عائلاتهم في حيادها واستقلاليتها.

تعزيز الأطر القانونية المرجعية. يستند أي نشاط يرمي إلى تحسين ظروف احتجاز الأشخاص المحرومين من حريتهم، وأي نشاط للحماية بشكل عام، إلى سيادة القانون. وإن الإشارة إلى الالتزامات القانونية ومعرفة الإطار القانوني، لا سيما حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني – حيثما كان منطبقاً، والقانون الوطني، هي أدوات لا غنىٍ عنها لضمان الشروط الدنيا للاحتجاز. ويجب علينا أن نشجع على نحو استباقي الانضمام إلى المعاهدات الدولية ذات الصلة واعتماد قوانين وطنية وإنشاء مؤسسات وطنية جديرة بالثقة، وإرساء تدابير رقابية داخلية والتدريب على المعايير القانونية الملزمة والممارسات المحظورة وزيادة الوعي بها، وتنفيذ العقوبات في حالات التجاوز، وأخيراً اعتماد التدابير اللازمة لمساعدة الضحايا والانتصاف لهم.

ولا يخلو هذا المجال من المرجعيات التي تتطور على نحو مستمر. ويُنظَر إلى بعض النصوص على نحو متزايد باعتبارها قواعد قانونية دولية وثيقة الصلة بهذا المجال، كما هو الحال بالنسبة للقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء أو مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل أي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن. وقد اعتُمدَت أيضاً معاهداتٌ إقليمية، ووضعت بعض الجمعيات المهنية مدونات لقواعد السلوك ذات الصلة. وتجدر الإشارة داخل هذا المجلس الموقَّر إلى أنشطة الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي فضلاً عن الأنشطة التي سوف تُباشَر قريباً بشأن حقوق الإنسان للأشخاص المحرومين من حريتهم، و التي من المقرر أن تتضمن حلقة نقاش سوف تخرج بالتأكيد بتوصيات ثرية للغاية.

ويركز النقاش الجاري حالياً بشأن إعادة النظر في القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء المعتمدة في عام 1957  على وجه التحديد على القضايا الجوهرية التي تشكِّل أساس المعضلات الإنسانية في أماكن الاحتجاز في الوقت الراهن، من قبيل العزلة أو عدم احترام آداب مهنة الطب، وهي مشكلات تتسبب في الأصل في معاناة كبرى يكابدها المحتجزون وأسرهم والموظفون العاملون في أماكن الاحتجاز؛ كما أن لها تأثير سلبي على المجتمع المحلي بأسره. وتُبرز هاهنا بالنسبة للجنة الدولية أهمية مراعاة العمل الجاري لتلك القضايا على النحو الواجب وتقديم إجابات شافية للأسئلة المطروحة في هذا الصدد.

وتهتم اللجنة الدولية بصفة خاصة بالاحتجاز في إطار النزاعات المسلحة غير الدولية، سواء كانت السلطات الحاجزة تابعة للدولة أو لطرف من غير الدول. ونظراً للمشكلات الإنسانية المعترف بها في هذه الحالات وبسبب ثغرات القانون الدولي الإنساني في هذا الصدد، دعا المؤتمر الدولي الحادي والثلاثون للصليب الأحمر والهلال الأحمر المنعقد في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 اللجنة الدولية إلى مواصلة أبحاثها ومشاوراتها ومناقشاتها مع الدول والهيئات الأخرى المعنية، وإلى اقتراح سبل لضمان احتفاظ القانون الدولي الإنساني  بأهميته العملية من أجل حماية الأشخاص المحتجزين في إطار نزاع مسلح غير دولي.

وينبغي أن نثني على كافة الجهود المبذولة لضمان تحديث القواعد الخاصة بحماية الأشخاص المحرومين من الحرية المعترف بها دولياً ومساهمتها المستمرة في جميع الأحوال في ترسيخ الاحترام الواجب لكرامة المحتجزين وقيمتهم الأصيلة كبشر. وتتجاوز احتياجات هؤلاء المحتجزين التفاعل المتشابك بين حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والمهمة الموكلة لكل جهة من الجهات الفاعلة المختلفة. وعلى أية حال، عندما يتعلق الأمر بالحماية من التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو من الإعدام بإجراءات موجزة والاختفاء القسري، تلتقي حقوق الإنسان مع القانون الدولي الإنساني في تآلف تام، حيث يحظر كل منهما تلك الممارسات بشكل مطلق في جميع الظروف. وستواصل اللجنة الدولية مشاركتها في تدعيم وتعزيز هذه القواعد القانونية ذات الصلة بحماية الأشخاص المحرومين من الحرية. وسوف تستمر أيضاً في تبادل خبرتها، لا سيما من خلال إصدار كتيبات وأدلة في المجالات التي تدخل في نطاق اختصاصها. وقد أصدرت في عام 2013 بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة دليلاً حول استراتيجيات الحد من الاكتظاظ في أماكن الاحتجاز.

التفكير في ما وراء حالات الطوارئ. يتطلب الاضطلاع بالمسؤوليات الواجبة  بالنسبة للاحتجاز إرادة سياسية معززة والتزاماً طويل الأجل. وينبغي أن يسبق أي مبادرة في هذا المجال تحليل دقيق وعميق للاحتياجات الخاصة بكل سياق. وينبغي التشجيع على تبادل الخبرات بغية تحديد أفضل الاستجابات وأنسبها. واللجنة الدولية تدعوكم إلى مضاعفة الجهود من أجل تحسين الحالة العامة لممارسات الاحتجاز واستثمار الموارد والكفاءات في هذا المجال، في وقت السلم كما في وقت النزاع المسلح وحالات العنف الأخرى. ونحن مقتنعون في واقع الأمر بإمكانية اتخاذ عدد كبير من التدابير إبان الأزمات للتخفيف من وطأة العواقب الإنسانية التي يولدها العنف، ومن ثم تجنُّب الانتكاسات الكبرى عندما تضع الحرب أوزارها. ونحن نحثكم على خلق صلات بين حالات الطوارئ والتنمية على مستوى المفاهيم والممارسة العملية. وإذا نظرنا إلى التكامل بين المجالين الإنساني والتنموي من هذه الزاوية فسنتمكن من رؤية أبعاده بصورة أوضح. ويبدو لي أن هذه الاعتبارات ينبغي أن تؤخذ في الحسبان أثناء المناقشات الرامية إلى صياغة الأهداف الإنمائية بعد عام 2015، إذا كانت هناك رغبة حقيقة في إدماج حقوق الإنسان في تلك الأهداف.
تعزيز آليات الرقابة. يحدث للأسف في كثير من الأحيان أن الظروف المزرية التي يتعين على المحتجزين مواجهتها، وانتهاكات القانون بصفة عامة تنجم عن أفعال متعمدة ومقصودة. ويخلق عدم الرغبة في احترام القانون وكفالة احترامه والإفلات من العقاب وغياب التدابير الرقابية بيئة مواتية للانتهاكات، كما أنه يشكّل عقبة كؤود تحول دون توفير الحماية الفعالة للأشخاص. ويصاحب هذا الوضع في النزاعات المسلحة عواقب إنسانية مأساوية كما يتضح من في الوقت الراهن من ارتفاع عدد المدنيين الذين يتعرضون للقتل أو الإصابة، وضحايا الاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة، والأشخاص النازحين أو الذين انفصلوا عن أسرهم أو المفقودين.
ومن الأهمية بمكان إذاً وضع وسائل فعالة موضع التنفيذ لضمان امتثال أفضل للقانون. ويكمن التحدي الرئيسي الذي ينبغي مواجهته من أجل حماية الضحايا في هذه الحالات في إقناع الأطراف المعنية باحترام القواعد التي تلتزم بها.

وتشارك اللجنة الدولية من خلال الزيارات التي تجريها والمساعي التي تقوم بها في الجهود المبذولة لتعزيز احترام القانون (كزيارة أماكن الاحتجاز وحماية السكان المدنيين وبذل مساعٍ سرية في حالة وقوع انتهاكات للقانون الإنساني، الخ). بيد أن دور اللجنة الدولية له حدود ترتبط ارتباطاً أصيلاً بمهمتها وأساليب عملها والحالات التي تعمل بها. وهي بالتالي تفضل أسلوب الحوار الثنائي السري مع كل طرف من أطراف النزاع، طالما أن هذا الحوار ممكن وأن الأطراف المعنية تبذل جهوداً مخلصة في هذا الصدد. وتهدف تلك المساعي السرية إلى إقناع الأطراف المسؤولة عن الانتهاكات بتغيير أنماط سلوكها والوفاء بالتزاماتها.

وتجري داخل الأمم المتحدة، ولا سيما هذا المجلس، عمليات تأخذ أشكالاً مختلفة، من قرارات ذات صلة بمواضيع أو سياقات معينة، أو إجراءات خاصة أو بعثات للمراقبة أو تقصٍ للحقائق أو تحقيقات أو حتى إدانة للانتهاكات. وتقر اللجنة الدولية بضرورة المحاكاة المعقولة بين الأقران من أجل تعزيز تغيير أنماط السلوك. فهل من الضروري التذكير بأن الدول ملزمة بموجب القانون الدولي الإنساني ليس فقط باحترام هذا القانون ولكن أيضاً بكفالة احترامه؟

ولا ينبغي في هذا الصدد إغفال المساهمة الكبيرة للاستعراض الدوري الشامل. فالمناقشات التي يثيرها والالتزامات التي تتعهد الدول بتنفيذها بعد ذلك كجزء من خططها الوطنية، تساهم كلها في بناء نظام مكرّس لضمان قدر أكبر من الاحترام لمنظومة حقوق الإنسان، وللقانون الدولي الإنساني حيثما كان منطبقاً.

وهناك مبادرات أخرى في طور الإعداد. فقد أطلقت الحكومة السويسرية واللجنة الدولية في عام 2012 بناءً على طلب من المؤتمر الدولي الحادي والثلاثين للصليب الأحمر والهلال الأحمر، مبادرة مشتركة تهدف إلى التشاور مع الدول ومع جهات فاعلة أخرى معنية حول إيجاد سبل ملموسة لتعزيز احترام القانون الدولي الإنساني وتعضيد الحوار بين الدول بشأن المسائل ذات الاهتمام المشترك في هذا المجال. ونظمت الحكومة السويسرية بالتعاون مع اللجنة الدولية اجتماعات مختلفة في إطار هذه المبادرة، أعربت فيها الدول عن تأييدها القوي لإقامة منتدىٍ للحوار المنتظم حول القانون الدولي الإنساني وعن رغبتها في متابعة النقاش الخاص بالأدوار التي يمكن أن تُعزى إلى هذا المنتدى.

إن التحديات كثيرة. ومهما كانت المبادرات التي سيجري تنفيذها، فإن نجاحها سيكون مرهوناً بقدرتنا على الاستفادة من تنوعها، مع اعتبارها في الوقت ذاته جزءاً لا يتجزأ من الجهود الجماعية الرامية إلى تعزيز المنظومة بأكملها.

سيدي الرئيس،
شرعت اللجنة الدولية في عام 2013 في حوار بناء مع المجلس. وسمحت لنا مناقشة مسألة الاحتجاز بتوضيح المنهجية التي تميز جميع أنشطة اللجنة الدولية لصالح الأشخاص المستضعفين في النزاعات المسلحة وحالات العنف الأخرى. ولكن من الواضح أن عمل منظمة واحدة لا يمكن أن يكون كافياً في حد ذاته لتحسين الاستجابة الشاملة لكافة احتياجات الحماية والمساعدة. وهنا يكتسي التكامل بين الجهات الفاعلة والنُهُج المختلفة أهمية بالغة. فهذا التكامل يدعم التعددية ومواءمة الاستجابات، وتنفيذ برامج عمل في خلال مدة مناسبة وبيئة مواتية لاحترام أفضل للقانون.

أشكركم على اهتمامكم وحسن متابعتكم، وأتمنى كل التوفيق والنجاح لأعمال الدورة الخامسة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان.