باكستان: لا حق في الانتقاد إلا لمن هو مستعد للمساعدة!

16-12-2010 تحقيقات

من الشاق على الكتاب وصف اتساع الفيضانات الموسمية في باكستان وأثرها, وقد أخفقت صفات من مثل "الكارثية" أو"المدمرة" في التعبير عن الواقع كما كان عليه, فقُورنت الفيضانات بالتسونامي الذي ضرب آسيا في العام 2004 وبالزلزال الذي ضرب كشمير في العام 2005. ولا نجد مبالغة في مثل هذه المقارنات إذا نظرنا, على الأقل, إلى أعداد الناس الذين تضرروا من تلك الفيضانات ومدى الدمار الذي تسببت به.

مقدمة

     

©CICR/ v-p-pk-e-00966      
   
جمعية الهلال الأحمر الباكستاني واللجنة الدولية تعملان معا لتقييم حاجات الأشخاص المتضررين من الفيضانات في شيكاربور وجكوب آباد, السند.      
         

وكان أثر هذه الفيضانات هائلاً إلى حد أنه لم يتوقع من أي بلد كان أن يتمكن من مواجهة عواقبها بمفرده. وفيما يبقى من المؤسف أن عدداً كبيراً من الناجين يتلقون على الأرجح مساعدات هزيلة أو لا يتلقونها البتة, لا بد من الإشارة أيضاً إلى أن ملايين من الناجين من الفيضانات يتلقون المساعدات اللازمة وأحياناً ما هو ضروري لإنقاذ حياتهم.

وسوف يسجل التاريخ فضل الذين عملوا فعلاً بسرعة وفعالية من أجل التخفيف من معاناة ملايين المتضررين من الفيضانات, ولكن هناك مجموعة واحدة قامت بعمل يقتدى به ولم تقابل بأي تقدير أو بالقليل فقط منه, وهي تستحق اليوم, بمناسبة اليوم الدولي للمتطوعين, أن نذكرها ونشكرها. 

إن " الخدمة التطوعية " هي أحد المبادئ الأساسية السبعة للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر. وقد اندفع, من مختلف أرجاء باكستان, أكثر من 100000 شخص من المتطوعين المتفانين, وغير المدفوعين بالرغبة في تحقيق مكاسب شخصية, يعملون في 96 فرعا من فروع المديريات والولايات والأقاليم و161 مرفقا صحيا تابعا لجمعية الهلال الأحمر الباكستاني ليساعدوا الناجين من الفيضانات وضحايا القتال, وبالكاد حظوا بكلمة تقدير في وسائل الإعلام الوطنية والدولية.

وفي المراحل الأولية للفيضانات, اتصل آلاف الأخصائيين الطبيين وغيرهم من الأخصائيين باللجنة الدولية للصليب الأحمر, أو الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر, أو جمعية الهلال الأحمر الباكستاني لتقديم خدماتهم مجاناً من أجل مساعدة زملائهم من مواطني البلد في وقت الشدة. واندفع آلاف الآخرون من أعضاء الحركة الدولية في عشرات الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر التي لا تعمل عادة في باكستان , فانتشروا هنا للمشاركة في عمليات الطوارئ للاتحاد الدولي الرامية إلى مواجهة الفيضانات وإعانة المتضررين منها, أو جمعوا مبالغ كبيرة من المال في بلدانهم بهدف مساعدة الباكستانيين على العودة إلى حياتهم الطبيعية.

وعندما تقع الكارثة وتكون أجزاء واسعة من البلد متضررة من القتال أو الفيضانات , يشكل عمل المتطوعين بريق أمل للمحتاجين. وتكشف هذه القصص عن الدوافع والأعمال والأفكار لعدد صغير من الأشخاص الذين ساهموا في التخفيف من معاناة أفراد آخرين قبل هذه الفترة وبعدها. ويمثل هؤلاء المتطوعون قرابة 100 مليون شخص معظمهم من المتطوعين الأعضاء في الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر من مختلف أنحاء العالم, والذين برهنوا عن الروح " الإنسانية " الحقيقية في عالم غالباً ما تسوده الاضطرابات.

للانضمام إلى هذه العائلة العالمية, يرجى الاتصال على الموقع التالي: www.prcs.org.pk .

التخفيف من المعاناة: متطوع في "بالوشستان"

     

©CICR/      
   
في معظم المناطق المتضررة من الفيضانات, كانت المياه الملوثة أهم مصدر مسبب للإسهال, لذلك عمل متطوعو جمعية الهلال الأحمر الباكستاني ليلا نهارا لضمان حصول الناس على مياه شرب نظيفة.      
         

تطوع " رشيد مينهاس " في الهلال الأحمر الباكستاني في فرع " سيبي " , " بالوشستان " , في أيار/مايو 2010 حين أقنعه قريبه, وهو أمين سر الفرع, بقضاء بعض وقته في مساعدة أشخاص أقل حظاً منه في الحياة.

حدثت فيضانات شهر تموز/يوليو في أعقاب عدد من الكوارث الطبيعية الأخرى ضربت إقليم " بالوشستان " في العام 2010. ويشرح " رشيد " قائلا: " تركت الفيضانات في مديريتنا الكثير من الناس بلا مأوى لا سيما في مناطق " تالي " و " حجي شير " و " نوتال " . وبقيت مجتمعات محلية بكاملها بلا غذاء في المراحل الأولى. وكان الأهل عاجزين عن إعالة أطفالهم الذين كانوا يبكون من شدة الجوع, ولم يكن بوسعهم إلا محاولة مواساة أطفالهم " .

ويتذكر " رشيد " قائلا: " بدأنا بإجراء تقييم لعملية الإغاثة في أكثر المناطق تضررا في المديرية ثم أخذنا نوزع الأغذية التي قدمتها اللجنة الدولية إلى جمعية الهلال الأحمر الباكستاني. وكان الدمار الهائل والعدد الكبير من المحتاجين إلى المساعدة في المنطقة دافعاً لحث أفراد كثر للتسجيل كمتطوعين. وأدرك هؤلاء الأشخاص, كما أدركته أنا, أهمية العمل مع الهلال الأحمر الباكستاني لمساعدة المحتاجين " .

ويتابع " رشيد " قائلا: " لن أنسى التجربة التي عشتها خلال فترة الفيضانات. وكان فظيعا رؤية امرأة خائرة القوى وطاعنة في السن تحمل دلواً وتبحث عن ماء للشرب تحت الشمس الحارقة بينما يلحق بها طفلان متجهّمي الوجه, وهي تأمل في أننا سنطعمهما ونخفف بذلك من آلامهما. وأحزنتني رؤية كل هذا البؤس الذي يعانيه شعبي. وإننا لمسرورين حقاً جميعا لأننا تمكنا من التخفيف من معاناة ضحايا الفيضانات في المنطقة " . 



إعادة الروابط العائلية في مناطق "خيبر باختناخوا" المتضررة من القتال والفيضانات

     

©CICR/ v-p-pk-e-00968      
   
متطوع في الهلال الأحمر الباكستاني يوزع المواد الغذائية ومستلزمات النظافة على عائلات متضررة من الفيضانات في جومو اغام, مديرية لاركانه, إقليم السند.  
         

تسببت الأمطار الموسمية بفيضانات لا مثيل لها في مقاطعة " خيبر باختناخوا " في أواخر تموز/يوليو, الأمر الذي أدى إلى إلحاق أضرار هائلة بالمجتمعات المحلية والبنية التحتية. وفقد الكثير من العائلات الاتصال بالأقارب نتيجة لتضرر الطرقات وتهدّم الجسور. ودُمرت خطوط الاتصالات في مختلف أرجاء المقاطعة وعزلت المناطق النائية تماما.

وبات يتعذر الوصول برا إلى " قندية " , وهي إحدى القرى الأكثر تضررا من الفيضانات في " كوهستان " , وانقطع الاتصال بها. وقُتل الكثير من السكان ودُمرت منازل بكاملها أو انهارت بسبب ضغط مياه الفيضانات. وفيما كان الناجون بأمس الحاجة إلى الغذاء والمياه والمأوى, كان معظمهم أكثر توقاً لمعرفة مصير أقربائهم.

ورغم الصعوبة الكبيرة التي واجهها العاملون في المجال الإنساني للوصول إلى الذين كانوا بحاجة للمساعدة, كان " محمد سليم " و " عصمة الله عفريدي " المتطوعان في الهلال الأحمر الباكستاني مصممين على الوصول إلى القرى الأكثر نأيا في " كوهستان " , مثل " قندية " , من أجل مساعدة ضحايا الفيضانات على الاتصال بعائلاتهم. وأبلغت جمعية الهلال الأحمر الباكستاني المتطوعين عن طريق ممكنة للوصول إلى " قندية " , فاستقلا السيارة وتقدما بها لساعة من الزمن حتى بلغا طريقا مسدودا. ثم أكملا الطريق مشياً على الأقدام قرابة اليومين بمساعدة دليل محلي, وكانا صائمين إذ كان شهر رمضان الكريم, قبل الوصول إلى مقصدهما.

ويشرح " محمد سليم " قائلا: " كنت خائفا جدا فيما كنت أعبر أحد الجسور المصنوعة يدويا. فلو قمت بخطوة خاطئة واحدة فقط, كنت سأقع في النهر الهائج تحت قدمي. وأغرتني للحظات فكرة العودة... ولكن فكرت بعدها بكل هؤلاء الناس الذين كانوا ينتظرون مساعدتي. وصليت طالبا القوة, وتابعت سيري بين القضبان الخشبية المربوطة على نحو غير محكم. وعندما رأيت البؤس في الجانب المقابل, اقتنعت أنني خاطرت بحياتي من أجل قضية تستحق العناء. وما زلت مستعدا للقيام بمجازفات مماثلة في المستقبل " .

وعندما وصل المتطوعان إلى " قندية " , سرعان ما تجمّع أهل القرية حولهما. وشكلت الهواتف الساتلية التي وفرتها اللجنة الدولية فرصة ثمينة لأبناء القرية لإعادة الاتصال بأفراد من عائلاتهم انفصلوا عنهم بسبب الفيضانات. وشعت وجوههم ابتهاجاً وتأثراً بعد إجراء الاتصالات الهاتفية وتبادل الأخبار العائلية المهمة.

ويقول " عصمة الله عفريدي " : " ما زلت أتذكر الوقت الذي وفرت فيه اتصالات هاتفية مجانية بفضل اللجنة الدولية وجمعية الهلال الأحمر الباكستاني خلال " عملية باجور " في العام 2008. وكان الكثير من الناس حينها مقطوعين عن أقربائهم بسبب القتال وكان الجميع يريدون إعادة الاتصال ببعضهم البعض. وعندما أساعد الناس بهذه الطريقة, أشعر بالرضى التام عن عملي " .

وبنفس الطريقة التي أعادت خدمة الهواتف الساتلية التواصل العائلي بين الذين نزحوا بسبب القتال, قُدمت الخدمة في المناطق الأكثر نأيا وتلك المتعذر الوصول إليها في " خيبر باختناخوا " عقب الفيضانات. وتشكل هذه الخدمة أمرا مهما جدا ومحل تقدير كبير بالنسبة إلى العائلات المنفصلة عن أقربائها.

ويوجز " محمد سليم " قائلا: " مضت سنتان منذ أن بدأت بالتطوع في جمعية الهلال الأحمر الباكستاني. لقد عملت في حالات من العنف المسلح وأثناء الفيضانات في " خيبر باختناخوا " . واليوم, عندما أنظر إلى الوراء, أظن أنني حققت الكثير رغم أنني لا أملك وظيفة مناسبة لمساندة عائلتي. ورغم ذلك, لن أتوقف أبدا عن التطوع فسوف أواصل مساعدة المحتاجين " .



إرشادات للنظافة في القرى النائية - التطوع في إقليم كشمير الخاضع للإدارة الباكستانية

     

©الهلال الأحمر الباكستاني      
   
أنجوم, المتطوعة في جمعية الهلال الأحمر الباكستاني في إقليم كشمير الخاضع للإدارة الباكستانية, خلال تقديمها إرشادات للنظافة. 
         

تعمل " آنجوم عوان " كمتطوعة في جمعية الهلال الأحمر الباكستاني في إقليم كشمير الخاضع للإدارة الباكستانية منذ أكثر من أربع سنوات. وقدمت " آنجوم " الرعاية الصحية إلى نساء وأطفال مقيمين في مخيمات عقب الزلزال الذي ضرب كشمير في العام 2005 بعدما حضرت دورة لتصبح مساعدة طبية. وعملت أيضا في القرى النائية في مديرية " مظفر آباد " في أعقاب الزلزال وكانت تجمع المعلومات عن الأشخاص المعوقين.

وتشرح قائلة: " ليس شائعا أو سهلا أن تذهب امرأة للعمل في القرى النائية. فعندما نخرج من منازلنا كل صباح, نحمل شرف كل العشيرة على أكتافنا ويضع هذا الأمر ضغطا هائلا على كاهلنا. غير أن هذا العمل مهم جدا للخير الذي يجلبه إلى مجتمعاتنا " . 

ومنذ زلزال العام 2005, عملت أيضاً " آنجوم " مع المتطوعين لنشر إرشادات تتعلق بالنظافة الصحية في القرى النائية من مقاطعة مظفر آباد . وتقول " آنجوم " : " لقد واجهنا عدداً كبيراً من المشاكل والأمراض الناجمة عن استخدام المياه الوسخة وعن ممارسات غير ملائمة في الحفاظ على النظافة في المنزل. فمن الشائع جداً أن تجد الجرَب أو الإسهال منتشرين في المناطق الأقل تنمية من إقليم كشمير الخاضع للإدارة الباكستانية, وكان هدفنا كمتطوعين من أجل نشر التوعية بالنظافة الصحية, أن نسعى إلى التعليم وتغيير تصرفات الناس في هذا المجال " .

وتشرح قائلة: " تمكنا, من خلال برنامج يدوم سنتين, من خفض عدد الأمراض الممكن الوقاية منها والناجمة عن سوء النظافة بحوالي 50 بالمائة. وشمل ذلك التدخلات المتكررة, والمناقشات الطويلة, والدورات الإعلامية, وتوزيع الكتيبات الإعلامية والصابون " .

وتتابع " آنجوم " قائلة: " أنا فخورة بعملي كمتطوعة في جمعية الهلال الأحمر الباكستاني, حيث نحاول أن نعالج, في مجتمعنا المحلي, حاجات كثيرة في مجالات مختلفة. وتقوم بيئة العمل في جمعية الهلال الأحمر الباكستاني على القيم الإنسانية واحترام الجميع. ويسرني العمل في هذا الجو من الثقة والاحترام. فالعمل كمتطوعين لمساعدة الآخرين يمنحنا السعادة ورضا النفس " .