المعتقلون في هايتي: ضحايا الأزمة الإنسانية المنسيون

25-06-2010 مقابلة

بعد مرور خمسة أشهر على زلزال كانون الثاني/يناير يعيش مئات الآلاف من سكان هايتي في ظروف غير مستقرة ويتحملون وزر العواقب الإنسانية للكارثة. والمحرومون من حيرتهم هم من ضمن الأشخاص الأكثر استضعافاً لأنهم يوجدون في عالم معزول لا يراه إلا القليلون. وفي ما يلي حديث مع السيدة "ساندرا ديسيمو", نائبة رئيس بعثة اللجنة الدولية في "بور أوبرنس", تشرح فيه الصعوبات التي يواجهها المعتقلون يومياً والعمل الذي تقوم به اللجنة الدولية من أجل مساعدتهم.

     
©CICR/O. Miltcheva      
   
زادت الأوضاع المعيشية للمسجونين في هايتي صعوبة بسبب آثار الزلزال. 
       
       
©CICR/O. Miltcheva      
   
أحد المعتقلين في السجن المدني في "بور أوبرنس" الذي قامت اللجنة الدولية بإعادة ترميم شبكة المياه فيه على عجل بعد الأضرار التي أصابتها جراء الزلزال.      
       
       
©CICR/O. Miltcheva      
   
    مندوبة من اللجنة الدولية تتحدث إلى أحد المسجونين. قامت اللجنة الدولية منذ كانون الثاني/يناير 2010 بثمان وخمسين زيارة إلى 29 مكاناً للاعتقال في هايتي, كي تتأكد من أن الأشخاص المسجونين فيها, والبالغ عددهم 5000, يعاملون بإنسانية.       
           
     
 
   
ساندرا ديسيمو 
         

  كيف أثر الزلزال على المعتقلين في هايتي؟   

     

كان الوضع الإنساني داخل مراكز الاحتجاز صعباً للغاية قبل الزلزال أصلاً, والسبب في ذلك هو الاكتظاظ الشديد الذي يتجاوز الطاقة الإيوائية الرسمية لبعض المؤسسات بستة أضعاف. بالإضافة إلى هذا, لم يكن الاتصال بين المعتقلين وعائلاتهم منتظماً على الإطلاق, بالرغم من أن دور العائلات أساسي في هايتي وفي أماكن أخرى. فالعائلات ليست فقط هي مصدر الدعم المادي للمعتقلين, كالمواد الغذائية ولوازم النظافة, وإنما أيضاً تجسِّد دعماً معنويا مهماً. وقد زاد الوضع تفاقماً بسبب الصعوبات في تلقي العلاج الطبي وطول مدة التوقيف الاحتياطي بالنسبة لعدد كبير من الموقوفين. 

وفي خضم الفوضى التي عمَّت في أعقاب الزلزال فرَّ أكثر من نصف عدد الموقوفين من سجون عديدة في البلاد, بعدما أصاب أغلبيتها الإتلاف أو النهب أو الدمار نتيجة إضرام النيران فيها, وبالتالي أصبحت غير قابلة للاستعمال. كما ضاعت العديد من الملفات القانونية في الأنقاض, مما أدى إلى تفاقم التوقيف الاحتياطي المطوَّل وشدة الاكتظاظ. ولا يفوتنا القول إن سلطات السجون والسلطات القضائية تضررت أيضاً على غرار باقي السكان وأن أقارب بعض ممثلي هذه السلطات لقوا حتفهم أو أصيبوا بجراح أثناء الكارثة. 

  كيف هو الوضع داخل السجن المدني في "بور أوبرنس"؟  

السجن المدني في " بور أوبرنس " هو أكبر السجون في هايتي. وفي عشية الزلزال كان هذا السجن يضم ما يقارب نصف عدد المسجونين في البلاد, أي ما يزيد على 4000 سجين. فروا جميعاً تحت جنح الكارثة ولحقت المؤسسة أضرار مادية جسيمة. وفي شباط/فبراير تم تصليح جزء من السجن فقط لاستقبال المعتقلين من العاصمة " بور أوبرنس " . أما في أيار/مايو فارتفع عدد المسجونين في هذه المؤسسة إلى قرابة الألف.

وقد أضحى من الضروري أن تعجِّل السلطات بإنجاز أشغال ترميم مساحات جديدة حتى يتسنى للمسجونين الخروج إلى الهواء الطلق, وهو ما يساعد بالتالي في تخفيف التوترات بينهم. ويعيش المعتقلون حالياً في ظروف غير لائقة, إذ يضطر معظمهم إلى النوم جالسين أو واقفين في فضاءات ضيقة للغاية, مما يسبب الضرر لحالتهم الصحية على المدى البعيد. ويحد الاكتظاظ وإدارة الأمن داخل المؤسسات بشدة من إمكانيات الخروج إلى الهواء الطلق ومن ثم التعويض عن الظروف الصعبة التي يعيشون فيها داخل الزنزانات.

  كيف تتصدى سلطات السجون لهذه المشكلات؟  

تواجه السلطات تحديات شبه دائمة في بلد شهد أزمات عديدة وكوارث متتالية. وتدرك السلطات الصعوبات وعدم كفاية البنية التحتية والخدمات الأساسية المتاحة للمعتقلين. وتحاول بدعم دولي إيجاد حلول ملموسة كما تعمل على تطوير كفاءات موظفي إدارة السجون.

أما اللجنة الدولية فظلت تقدم منذ عام 1994 دعما منتظما للسلطات بغية تمكينها من اتخاذ بعض التدابير الهادفة إلى تحسين أحوال المعتقلين. علاوة على هذا تلقى مندوبو اللجنة الدولية في جميع الأوقات وعوداً بمقابلة الأشخاص المحرومين من حريتهم مباشرة داخل زنزاناتهم. وت كتسي مساعدات اللجنة الدولية أشكالاً مختلفة وذلك بحسب الاحتياجات التي يجري رصدها. فعلى سبيل المثال, وعقب الزلزال قدمنا مساعدات للطوارىء شملت 40 طنا من المواد الغذائية والأدوية ولوازم النظافة للمسجونين. كذلك قمنا بإعادة تأهيل جناح الحبس الوحيد الصالح للاستعمال داخل السجن المدني في " بور أوبرنس " , لضمان توفير الماء فيه وأدنى شروط النظافة. كما أننا ندعم التسيير الإداري لخدمات الصحة. وبهذا تأمل اللجنة الدولية أن تساهم توفير ظروف لائقة للأشخاص المعتقلين في هايتي الذين يواجهون صعوبات جمة اليوم.

  تعمل في السجون منظمات دولية وهايتية أخرى. فما هي القيمة المضافة للجنة الدولية؟   

هناك العديد من المنظمات العاملة في أماكن الاحتجاز أو في مجال العدل. ونظراً إلى الاحتياجات الإنسانية القائمة, ينبغي التنسيق بين جهود كل هذه الهيئات بغية تحسين الوضع فعلاً. أما اللجنة الدولية, وبحكم خبرتها وتواصلها مع المسجونين, فمن الواضح أن لها قيمة مضافة ودور مهم تؤديه. وخلال الزيارات المنتظمة إلى أماكن الاحتجاز الرئيسية يستطيع مندوبوها التحدث إلى المعتقلين وجها لوجه وبطريقة سرية. وهذا ما يمكنهم من الاطلاع جيداً على المشاكل ويجعلهم موضع ثقة ليس لدى السلطات فحسب وإنما أيضا لدى المسجونين.

إن المشاكل داخل السجون مترابطة. وعلى سبيل المثال, هناك علاقة مباشرة بين النظافة والخروج إلى الهواء الطلق. ولتقييم الاحتياجات على نحو أفضل يتعاون مندوبو اللجنة الدولية مع زملائهم المتخصصين في مجالات الصحة والماء والصرف الصحي. وهذه الطريقة المتعددة التخصصات تساعد في الاطلاع على المشاكل بصورة أفضل وتقديم النصح للسلطات وتنفيذ مشاريع متنوعة من أجل هدف واحد دائماً, ألا وهو تحسين الأوضاع المعيشية للمعتقلين.

  ما هي أولويات اللجنة الدولية حالياً في مجال الاعتقال في هايتي؟   

استأنفنا عملية تنفيذ المشاريع المحددة قبل الزلزال. ونعمل خاصة في السجن المدني في " بور أوبرنس " من أجل تحسين الخدمات الاجتماعية والقانونية والطبية التي تُقدَّم للمسجونين, وفي الوقت ذاته نقدم المساعدة في مجال الماء وا لصرف الصحي والبنية التحتية. كما يجري العمل على تنفيذ مشاريع مختلفة في بعض سجون البلاد الأخرى. كذلك نواصل دعم الخدمات الطبية من أجل المساهمة في تحسين توفير العلاج للمسجونين خارج " بور أوبرنس " . وتقف فرقنا على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدة في حال واجه المعتقلون وإدارة السجون وضعاً طارئاً جديداً.