صفحة من الأرشيف: قد تحتوي على معلومات قديمة

"جاكوب كالينبرغر", شخصية الشهر : الخبير في إدارة الأزمات

15-01-2005 مقال، مجلة بيلانز

في ما يلي نص مترجم اقتبس من مقالة كتبها السيد "توماس نيلولف" عن رد اللجنة الدولية المباشر على كارثة "تسونامي" التي وقعت في آسيا. ونشرت المقالة للمرة الأولى في مجلة "بيلانز" السويسرية الصادرة باللغة الألمانية في يناير/كانون الثاني 2005. وقد وضعت على هذا الموقع هنا بتصريح من المجلة. والآراء الواردة في المقالة لا تعكس بالضرورة وجهة نظر اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

إن إدارة الأزمات هي جزء من مهمة رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر السيد " جاكوب كالينبرغر " شأنه في ذلك شأن الأمين العام للأمم المتحدة السيد " كوفي أنان " . فقد تطلب مد " تسونامي " الذي وقع في المحيط الهندي حشداً عاماً للجنة الدولية. وفي ما يلي عرض لمجريات الأحداث في مقرها بجنيف.

نسخة من القرآن الكريم ونسخة من جريدة " فاينشيل تايمز " على طاولة مكتب الرئاسة المشرق بضوء النهار. " جاكوب كالينبرغر " يحدق بنظرة شزراء تحت تأثير أشعة الشمس. في عام 2000 تقلد هذا الرجل البالغ ستين عاماً من العمر, وهو من كانتون " أبنزل " , منصب الرئاسة الواقع في شارع " لابيه " رقم 19 بجنيف. اعتلى منصب رئاسة اللجنة الدولية في فترة صعبة للغاية وربما الأصعب منذ الحرب العالمية الثانية, إذ خضعت اللجنة الدولية في الواقع لضغط شديد منذ أن اتخذ الوضع في العالم منحىً جديداً وتفاقم في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.

يقول السيد " كالينبرغر " : " هناك اليوم نزعة إلى النظر إلى العالم نظرة تبسيطية تقوم على عبارات مطقطقة المقصود منها إثارة الاهتمام, مثل " المواجهة الشاملة " و " صراع الحضارات " و " حرب الثقافات " . فالأفكار غير المتكلفة وإصدار الأحكام دون تروٍّ والتفاهة الجوفاء ليست أسلوبه. والأهم في نظر السيد " كالينبرغر " هو  تكوين صورة واضحة عن الأوضاع قبل البدء بتفسيرها. حصل على الدكتوراه في اللغات الرومانسية ومازال يهتم بتاريخ الفلسفة اليوم. يختار كلماته بعناية وبذلك يكاد يكون خجولا في طباعه. وهو واع أيضا بأنه أصبح من الأصعب على اللجنة الدولية في القرن الواحد والعشرين الذي لا يمكن التنبؤ فيه بالأحداث أن تؤدي مهمتها لحماية ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة. فالإرهابيون لا يحترمون القانون الدولي الإنساني, وحتى حكومة الولايات المتحدة لا تشعر أنها ملزمة به عندما تتردى الأوضاع.

وقد زاد الضغط على اللجنة الدولية أكثر في عام 2004. فواجهت المنظمة انتقادات لاذعة في كل من أوروبا والعالم العربي بسبب عدم الإفصاح للإعلام عن تقاريرها عن المظالم التي ارتكبها الجيش الأمريكي في حق المعتقلين في سجن أبو غريب في العراق. هنا, وكما هو الشأن في حالات سوء المعاملة التي تحدث في سجون أخرى تزورها, كانت اللجنة الدولية تظن أنها سوف تحقق ما هو أفضل لمصلحة السجناء على الأمد البعيد من خلال المساعي الدبلوماسية السرية المباشرة لدى من لهم زمام السلطة وليس من خلال الشجب العلني الصاخب.

وعلى العكس من ذلك ارتفعت أصوات في واشنطن تتهم المنظمة التي تتخذ من جنيف مقراً لها بالحكم بقسوة على أماكن الاحتجاز التابعة للولايات المتحدة مثل ذلك الذي يوجد في خليج غوانتانامو. وهذه اللوائم من الولايات المتحدة الأمريكية مصحوبة حتماً بالتهديد بقطع المساهمات المالية, مما قد يترتب عليه أثر مدمِّر.

إذ تقدر حصص الولايات المتحدة السنوية بأكثر من ربع المساهمات في ميزانية اللجنة الدولية. وتنفق هذه المنظمة قرابة مليار فرنك سويسري على بعثاتها ووفودها في 79 بلداً. وتعكس قائمة العمليات الأكبر جيداً مدى ضخامة نشاط اللجنة الدولية: السودان والعراق وإسرائيل والأراضي المحتلة وأفغانستان. وهذا مؤشرقوي على أن عام 2005 لن يكون سهلاً.

يخطط " جاكوب كالينبرغر " لقضاء الأسبوع في الفترة بين أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة في مكتبه كما يتطلع إلى نهاية هادئة للعام 2004. وفي الجزء الآخر من الكرة الأرضية في العاصمة الإندونيسية جاكارتا سجل معهد الأرصاد الجوية وفيزياء الأرض زلزالاً بحرياً بلغت درجته 6,4 على سلم " ريختر " , بينما تحدثت مصادر أخرى عن 8,9 درجة. الساعة الواحدة وتسع وخمسون دقيقة بتوقيت أوروبا الوسطى من يوم 26 ديسمبر/كانون الأول. أصيب جهاز القياس بالخلل. وبعد ذلك ببضع ساعات دخل الخبير في إدارة الأزمات السيد " جاكوب كالينبرغر " واللجنة الدولية في جنيف في معمعمان معركة لمواجهة الطوفان المروع. فانطلقت عملية مُحكمة التنسيق.

 
 

  الأحد 26 ديسمبر/كانون الأول  

موظفون قلائل حاضرون في مقر اللجنة الدولية يوم 26 ديسمبر/كانون الأول. كلهم, شأنهم في ذلك شأن رئيسهم, يقضون عطلة أعياد الميلاد مع علائلاتهم في جنيف وضواحيها. والبعض منهم راح إلى جبال الألب القريبة, وبالإمكان الاتصال بهم جميعاً بواسطة الهاتف على مدار الساعة فيعودون إلى مكاتبهم خلال ساعة من الزمن إذا تطلب الأمر ذلك.

وهذا السيد " والتر فولمان " الحاصل على شهادة عليا في الاقتصاد من المعهد العالي بجامعة " سان غالن " , هو نائب مدير العمليات باللجنة الدولية, كان في طريقه إلى منزله من الكنيسة فسمع هيئة الإذاعة البريطانية تعلن من خلال إذاعة جنيف العالمية نبأ وقوع كارثة طبيعية في المحيط الهندي أدت إلى مقتل مئات الأشخاص أو ربما ألف شخص . ولم يخطر على باله أن ذلك من شأنه أن يغير مسار احتفالاته بعيد الميلاد مع أفراد عائلته. عمل هذا الرجل, وهو من كانتون " تورغاو " مع اللجنة الدولية منذ عام 1989, هذه المنظمة التي تهتم في المقام الأول بضحايا الحرب وليس بضحايا الكوارث الطبيعة.

 
اتصل بالسيد "إتيان" المندوبون المسؤولون عن آسيا يستفسرون عن نوع إمدادات الإغاثة المتوفرة فوراً, فرد قائلاً إن اللجنة الدولية مستعدة لما هو أسوأ.  
أما السيد " إيف إتيان " رئيس شعبة المساعدة باللجنة الدولية الذي هو تحت إمرة  " فولمان " فسمع في الوقت نفسه نبأ الزلزال الذي ضرب في عرض جزيرة سومطرة الإندونيسية. السيد " إيتيان " اختصاصي بعلم طبقات الأرض عمل فترة لحساب اللجنة الدولية في إندونيسيا, ويخشى أن يكون حجم الكارثة أكبر بكثير. يجري اتصالا مع أحد زملائه الأخصائيين في علم الزلازل بجنيف الذي أكد له ذلك. وقد اتصل بالسيد " إتيان " المندوبون المسؤولون عن آسيا يستفسرون عن نوع إمدادات الإغاثة المتوفرة فوراً, فرد قائلاً إن اللجنة الدولية مستعدة لما هو أسوأ.

اللجنة الدولية ممثلة بمندوبين في المناطق الثلاث المتضررة من " تسونامي " . ولكنه يتعذر عليها اللحظة الاتصال بمكاتبها في " آتشيه " وميانمار, أي بورما سابقاً. الاتصالات الهاتفية مع سريلانكا مقطوعة أيضاً. تملك اللجنة الدولية في هذا البلد تسعة مكاتب وهي تساهم بمهمتها الإنسانية في احترام وقف إطلاق النار. ساد في النمقر الرئيسي بجنيف قلق شديد إزاء مصير الموظفين العاملين في المناطق المذكورة.

وتجلَّى لاحقاً أن موظفي اللجنة في سريلانكا البالغ عددهم حوالي 350, منهم 42 مندوباً أجنبياً موفدون للعمل خارج بلدانهم الأصلية, بدأوا يقدمون الإسعافات الأولية للمنكوبين بالتعاون مع موظفي الجمعية الوطنية للصليب الأحمر ومتطوعيها.

حتى وإن كانت المعلومات متضاربة حول حجم الكارثة, قرر السيد " إتيان " وزملاؤه المكلفون بالمهمة إرسال شحنات الإسعفات الأولية إلى آسيا بعد تحليل للمعلومات المؤكدة. ففي العاصمة الكينية نيروبي يوجد أكبر مستودع للجنة الدولية في العالم. تنقل المساعدات الإنسانية عادة منه إلى مواقع الأزمات في أفريقيا مثل دارفور. المستودع مليء بمواد الإغاثة الضرورية كالبطانيات والأدوية. السيد " والتر فولمان " يرخص بصرف مليون فرنك سويسري يُنفق على نقلها جواً من أفريقيا إلى آسيا.

وفي اليوم التالي تم استدعاء جميع الموظفين الاحتياطيين الذين لم يتصلوا بعد بزملائهم تلقائياً. هذا ما يمكن فعله اليوم, لا غير, الوضع يكتنفه الغموض التام. فقد أسدل الليل ستاره على المناطق المنكوبة ولن يبدأ السباق مع الزمن في جنيف إلا في صباح اليوم التالي.

 




 

  الإثنين 27 ديسمبر/كانون الأول  

     

الساعة الثامنة والنصف صباحاً في مقر اللجنة الدولية. حضر اجتماع فريق العمليات الخاص خمسة عشر موظفاً. ومنذ هذه اللحظة سوف يهتم نصف عددهم بإندونيسيا فيما يهتم النصف الآخر بسريلانكا. فظل هذا الفريق من الموظفين يعمل خلال الأسبوعين اللاحقين دون انقطاع ولا يغادر الموظفون مكاتبهم إلا للنوم. لا توجد قواعد خاصة بحالات الكوارث ولا خطة ع مل نموذجية محددة لحالات الطوارىء, لكن كل موظف يعرف ما ينبغي فعله. فموظفو المقر الرئيسي هم مندوبون سابقون لهم كلهم تقريباً خبرة ميدانية. أدوا جميعاً خمس أو ست مهمات ميدانية أو أكثر, ويعرفون الأزمات. يعملون بسرعة ودون بيروقراطية. وهذا ما يعرف باسم " الثقافة الميدانية " , كما يقال في لغة العمل الإنساني.

مازالت المعلومات متضاربة حول الوضع في المناطق المنكوبة. والشيء الوحيد المؤكد هو أن عدد القتلى تجاوز بكثير العشرة آلاف قتيل التي أعلنت عنها الصحف. والأولية بالنسبة للجنة الدولية هي تحديد الاحتياجات في الميدان.

تبين أن لأمور سهلة نسبيا في ما يخص سريلانكا لأن الاتصالات مع جميع المكاتب في الجزيرة بدأت تعود إلى ما كانت عليه شيئاً فشيئاً. واتضح بسرعة أن البنية التحتية الواقعة بعيداً عن البحر لم تتضرر. وتأكد للجنة الدولية بعد بضعة أيام أن جميع موظفيها العاملين في سريلانكا نجوا من الكارثة.

أما في إندونيسيا فالأمور أكثر تعقيداً. أجريت اتصالات بسرعة مع المندوبين العاملين خارج " آتشيه " وعُلِم أن غالبية المندوبين الأجانب, وعددهم 22 مندوباً, والموظفين المحليين المائة سالمون. لكن لم ترد أنباء عن الفريق العامل في العاصمة الإقليمية " باندا آتشيه " , وحتى بعثة جاكارتا تجهل مصيره. في هذه المنطقة التي أنهكتها الحرب الأهلية لم يسمح للجنة الدولية بالحفاظ سوى على مكتب صغير, يعمل فيه مندوبان اثنان تعين عليهما إبلاغ السلطات الإندونيسية بكل تحركاتهما. وتوحي الصور التي تنقلها قنوات التلفزيون بأن مصيرهما قد يكون أسوأ. " باندا آتشيه " في حالة من الدمار الشديد.

وفي المقر يستعلم " جاكوب كالينبرغر " باستمرار عن مصير موظفيه وسير عمليات الإغاثة. فلا داعي لأن يتدخل في هذه اللحظة. 

مئات الآلاف من الأشخاص يبحثون عن أقاربهم في المناطق المنكوبة. السيد " ماركو كيرشباوم " , المسؤول عن قسم حماية المحتجزين والمدنيين في آسيا بمقر اللجنة الدولية في جنيف, يتلقى مكالمات من جميع بقاع العالم من موظفي الصليب الأحمر المتخصصين في الاتصالات العائلية أثناء الأزمات. أوفد ستة منهم إلى سريلانكا ومعهم معدات الطوارىء التي تشمل أيضاً مجموعة من الهواتف الساتيلية.

في الميدان لم ينتظر الخبراء المحليون كثيراً, فقاموا بتجهيز الهواتف الساتيلية في أماكن الإقامة المؤقتة كالمعابد والمدارس.

 
اللجنة الدولية على اتصال دائم مع الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمرالذي يتخذ من جنيف مقراً له أيضاً, وكذلك على اتصال مع منظمة الأمم المتحدة, بهدف الاستخدام السليم للموارد المتاحة وتغطية كل المناطق المنكوبة وتفادي بذل جهود مزدوجة. 
جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر تقترح تقديم المساعدة, واللجنة الدولية على اتصال دائم مع الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمرالذي يتخذ من جنيف مقراً له أيضاً, وكذلك على اتصال مع منظمة الأمم المتحدة, بهدف الاستخدام السليم للموارد المتاحة وتغطية كل المناطق المنكوبة وتفادي بذل جهود مزدوجة. في ذلك الأثناء ينظم السيد " إيف إتيان " وزملاؤه إرسال شحنات أخرى من المعونة تشمل القماش المقوَّى وأكياس الجثث وأقراص الكلور لتنظيف المياه أو اللقاحات من آسيا وأوروبا وأفريقيا إلى منطقة الكارثة. توجه مندوبو اللجنة الدولية إلى المنطقة فوراً على حساب مهمات أخرى أو على حساب عُطلهم.

أما في موقع الكارثة فعمليات المساعدة تسير بسرعة فائقة. تقوم اللجنة الدولية في العاصمة السريلانكية كولومبو بجمع إمدادات الإغاثة في مدرسة قريبة من بعثتها التي يأتي إليها السكان المحليون والسائحون بالملابس أو الأغذية أو مستلزمات النظافة التي يتم رزمها ونقلها إلى المناطق المتضررة.

ومع ارتفاع عدد الأشخاص المفقودين من المؤكد أن تجدد اللجنة الدولية نشاط موقعها على الإنترنيت المتعلق " بالاتصالات العائلية " . وهذه قاعدة بيانات توجد على موقع اللجنة الدولية على الإنترنيت للمساعدة على العثور على الأقارب والأصدقاء. خدمة أثبتت فعاليتها أثناء الفيضانات التي ضربت هايتي في سبتمبر/أيلول 2004 وأيضاً أثناء الحرب في العراق.

يجتمع الفريق الخاص بالعمليات مرة أخرى في الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر, في حين لم تتوفر أية معلومات عن مكتب " آتشيه " بعد.

 


 

  الثلاثاء 28 ديسمبر/كانون الأول  

بدأ الغموض يتبدى شيئاً فشيئاً والمعلومات حول خطورة الوضع تؤكد أسوأ المخاوف. السيد " جون دانييل توكس " , رئيس شعبة الموارد الخارجية يحرر نداءً طلباً للمساعدات المالية من الدول المانحة. إن اللجنة الدولية لا تكدس الاعتمادات مسبقاً ولكنها تطالب بها دائماً لتمويل أنشطة واقعية. تجربة السيد " توكس " هذه, وهو من منطقة سويسرا الناطقة بالفرنسية, اليوم تجربة لم يمر بها طوال السنوات الخمس والعشرين التي أمضاها مع اللجنة الدولية. وحتى قبل توجيه نداء عام وردت تبرعات هائلة في وقت وجيز, بما في ذلك مليون فرنك سويسري من مصدر مجهول.

إمدادات الإغاثة في موقع الكارثة غير كافية والاحتياجات ضخمة, فما العمل وحجم الكارثة ضخم؟ أقلعت طائرة من طراز " أنتونوف " تابعة للجيش الأحمر سابقاً من نيروبي إلى كولومبو تنقل 110 أطنان من المعونة, تشمل معدات لبناء المأوى المؤقت والأدوية اللازمة لحوالي 30 ألف فرد. كما أقلعت طائرة ثانية من طراز " أنتونوف " من جنيف حيث يوجد مخزن ضخم للجنة الدولية وكانت محملة بعشرة أطنان من مواد الإغاثة كمستلزمات النظافة والأدوية واللقاحات.

أخصائي في الإمداد بالماء والصرف الصحي يسافر من جنيف إلى كولومبو كما ينطلق مهندس آخر من بانكوك إلى إندونيسيا. ويغادر مندوبون آخرون متخصصون في البحث عن المفقودين بلدانهم الأصلية إلى المناطق المنكوبة. وفي وقت وجيز شُكلت تسع فرق يحمل كل واحد منها هاتفين ساتيليين لمساعدة الكبار والصغار التائهين وسط الأنقاض قدر الإمكان على إجراء اتصالات مع أقاربهم.

 
بعد يوم من وقوع كارثة "تسونامي" تصفح الصفحة الأولى من موقع "الاتصالات العائلية" على الإنترنيت 650 ألف شخص, فعدد الطلبات الضخم أقعد محرك البحث. ووضع أخصائيو الحاسب الإلكتروني في مقر اللجنة الدولية ومستشارون خارجيون محركاً آخر تحت التصرف لحل المشكلة.  
وبعد يوم من وقوع كارثة " تسونامي " تصفح الصفحة الأولى من موقع " الاتصالات العائلية " على الإنترنيت 650 ألف شخص, فعدد الطلبات الضخم أقعد محرك البحث. ووضع أخصائيو الحاسب الإلكتروني في مقر اللجنة الدولية ومستشارون خارجيون محركاً آخر تحت التصرف لحل المشكلة.

شاع في المقر الرئيسي خبر سار مفاده أن المندوبين الاثنين العاملين في " آتشيه " وعددا من الموظفين الإندونيسيين نجوا من كارثة " تسونامي " ويوجدون في جزيرة قريبة من سومطرة. لكن عندما عاد المندوبان إلى " باندا آتشيه " وجدا منزلهما في حالة من الخراب. ولو كانا فيه أثناء الكارثة للقيا حتفهما دون شك. لم يتضرر مكتب " آتشيه " , لكن المستودع دُمِّر في ثلث جزئه. ورغم محدودية هذه البنية التحتية بإمكان اللجنة الدولية أن تتحرك بسرعة في هذا الإقليم الذي تدور فيه حرب أهلية وتمنع السلطات فيه وصول المساعدات الدولية.

هذا ولم يُعثر بعد على أثر لخمسة موظفين محليين يعملون في " آتشيه " .

 


 

  الأربعاء 29 ديسمبر/كانون الأول  

حطَّت طائرتان من طراز " أنتونوف " قدمتا من نيروبي وجنيف في كولومبو في آن واحد, وتأخر تفريغ مواد الإغاثة في المطار بسبب الطائرات العديدة التي هبطت فيه.

وفي مقر اللجنة الدولية بدأت عملية من نوع جديد مألوفة في وقت الأزمات. فالفارق الزمني الفاصل بين جنيف ومنطقة الكارثة يحتم على الموظفين الوصول إلى مكاتبهم في الصباح الباكر. يقيمون اتصالات مع الميدان ويجمعون المعلومات وينظمون ما ينبغي تنظيمه. يعقد فريق العمليات الميدانية الخاص بالكارثة اجتماعاته أثناء فترة الغذاء.

خلال فترة الأعياد لا يتجاوز عدد الموظفين الحاضرين في المقر الرئيسي عشرين موظفاً من أصل 800 موظف. تتم إدارة الأزمات في اللجنة الدولية بلامركزية ويُوفد المندوبون إلى حيثما تكون الحاجة إليهم أكثر. ومع بداية شهر يناير/كانون الثاني ارتفع عدد موظفي بعثة سريلانكا إلى خمسين بدلاً من اثنين وعشرين, بينما ارتفع عددهم في إندون يسيا من 42 إلى 70, في حين فاق عدد الموظفين المحليين والمتطوعين ذالك بالمئات.

الأضواء منطفئة في المكاتب بالمقر الرئيسي ما عدا في بعض المكاتب. الجو مشحون ولكن روح أعياد الميلاد مازالت سائدة. الكعكة في هذا المكتب والقهوة في المكتب الآخر. الموظفون يعرفون بعضهم البعض من ميدان العمليات فيجمعهم التآزر الذي يدركون أهميته في مثل هذه اللحظات العصيبة, لاسيما بالنسبة للذين لديهم معارف في المناطق المعنية, وهم الغالبية.

 
"...جميع موظفينا تدربوا على التعاطي مع أوقات الشدة, ولكن حتى الذين لديهم خبرة سنوات عديدة يصعب عليهم رؤية مئات الجثث." 
الدكتورة " ميشال جوترون " التابعة لوحدة الأمن والشدة بالمقر الرئيسي للجنة الدولية تحرر رسالة إلى العاملين حالياً في المناطق المنكوبة لتذكِّرهم ببعض القواعد الأساسية: النوم وقتاً كافياً والأكل جيداً والاهتمام بالنظافة لأن عملهم قد يطول أياماً أو أسابيع أو حتى أشهراً. يجب تفادي الأرق والأمراض والصدمات النفسية. ويشرح السيد " والتر فولمان " , نائب مدير العمليات قائلاً: " جميع موظفينا تدربوا على التعاطي مع أوقات الشدة, ولكن حتى الذين لديهم خبرة سنوات عديدة يصعب عليهم رؤية مئات الجثث. "

الحكومة الإندونيسية التي كانت ترفض المساعدات الدولية أصبحت الآن تسمح للمنظمات الدولية بتقديم المعونة في " آتشيه " في أقصى الشمال من جزيرة سومطرة المتضررة بسبب الحرب الأهلية. فقد ظلت هذه المنظمات تطالب بذلك منذ أيام عديدة. إن الحصول على إذن بوصول موظفيه إلى مناطق الكارثة هو واحد من المهمات الرئيسية للسيد " جاكوب كالينبرغر " . وفي مارس/آذار الماضي أجرى مفاوضات ناجحة مع الحكومة السودانية للسماح ببدء العمليات في دارفور, وفي عام 2000 تفاوض مع الرئيس الروسي " فلاديمير بوتين " للسماح باستئناف زيارات السجناء في الشيشان (تلك الزيارات التي كانت معلقة آنذاك).

وفي أعقاب كارثة " تسونامي " لا داعي للسيد " كالينبرغر " أن يتدخل على أعلى مستوى أو يذهب فوراً إلى موقع الكارثة, لأن الحكومة الإندونيسية لم تتأخر في قبول المعونة الضرورية والعمل لمصلحة الضحايا يجري بتقدم. ويوضح " كالينبرغر " قائلاً: " لا أذهب إلا إلى الأماكن التي يكون لحضوري فيها قيمة مضافة. " وهذا مبدأ غالي عليه. فهو لا يرى سوى قيمة مضافة ضئيلة في الأماكن التي تنتشر فيها عدسات الكاميرات. ويجد قيمة مضافة أكثر في المباحثات الواضحة والمباشرة مع كبار المسؤولين إذا لم ينجح في مباحثاته على المستويات الدنيا من القيادة. وهو ما فعله هذا الدبلوماسي الرفيع المستوى حينما كان نائباً لوزير الخارجية السويسرية أثناء التفاوض بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق الثنائي مع الاتحاد الأوروبي. والرجل لا يحبذ الرحلات التي يغطيها الإعلام, كرحلة وزيرة الخارجية السويسرية السيدة " ميشلين كالمي راي " , التي سافرت إلى آسيا مباشرة بعد وقوع الكارثة. لكن السيد " كالينبرغر " المتواضع يضيف أنه لا يحب أن يُقَارَن بالآخرين.

السيد " ماركو كيرشباوم " , الذي يعمل في خدمات البحث عن المفقودين, يتلقى مكالمات هاتفية من أشخاص يبحثون عن ذويهم. ويقول: " إن كل ما بوسعنا أن نقول لمن يكلموننا هاتفيا هو أننا نبذل كل ما في وسعنا. ولكن إذا مضت أيام عديدة على الكارثة ولم نعثر على الشخص المفقود في المستشفيات, إذ ذاك يتجلى لنا ولعائلته أنه ربما واحد من الضحايا. " يجيش " كيرشباوم " بالبكاء تحت وطأة التأثر.

في " آتشيه " لم يتأخر أطباء اللجنة الدولية في القيام بجولة على كل المستشفيات لتقييم الوضع فيها, بينما يوزع الصليب الأحمر الإندونيسي 1000 قطعة من القماش المقوى لبناء مخيمات مؤقتة كما يوزع 1800 طرد عائلي. وفي " باندا آتشيه " وحدها بلغ عدد الجثث 6000.

وبعد وقوع كارثة " تسونامي " بثلاثة أيام سجلت الصفحة الرئيسية على موقع " الروابط العائلية " على الانترنيت مليون استفسارٍ. تطبع قوائم الأشخاص المفقودين والناجين وتنشر على الفور.

 


 

  الخميس 30 ديسمبر/كانون الأول   

رسمت خطة عمل الرد على كارثة " تسونامي " , ويتوقع المقر الرئيسي للجنة الدولية إنفاق مبالغ إضافية تصل إلى 17,7 مليون فرنك لإندونيسيا و7,9 مليون فرنك لسريلانكا. ويشير السيد " جون دانييل توكس " , رئيس شعبة الموارد الخارجية إلى أن الدول والجهات المانحة الخاصة وعدت فعلا بتغطية هذه النفقات. " جاكوب كالينبرغر " يناقش خطة العمل مع إدارة اللجنة الدولية ويعرض في مكالمة هاتفية الميزانية الجديدة على مجلس الهيئة العامة, وهو نوع من مجلس إدارة, كي يوافق عليها.

بعد كارثة " تسونامي " بأربعة أيام لم تكن هناك حاجة ماسة لتدخل رئيس اللجنة الدولية في العمليات. وهذا أمر لا ينبع من ثقافة عمليات اللجنة الدولية وهيكلها اللامركزي فحسب, بل أيضاً من مبادىء إدارة الأزمات العزيزة على رئيسها. وأكثر هذه المبادىء أهمية هي " إعطاء تعليمات استراتيجية واضحة " , و " الثقة بالموظفين " , " واتخاذ قرارات تتعلق بالعمليات الميدانية تلبي الاحتياجات الميدانية بشكل أفضل قدر الإمكان " . وقد أوضحت الأيام التي تلت " تسونامي " جدوى هذه المبادىء.

 
قريباً سوف يتحقق الهدف المنشود ألا وهو تزويد 200 ألف شخص نجوا في سريلانكا بالمواد الأساسية. 
 

أوشكت المرحلة الأولى من عمليات الإغاثة في سريلانكا على الانتهاء. والآن وقد أصبحت شبكة الهاتف تعمل من جديد, يساعد المتخصصون في البحث عن المفقودين باللجنة الدولية البالغ عددهم 88 على إعداد شهادات الوفاة ويواصلون جمع المعلومات عن المفقودين. قريباً سوف يتحقق الهدف المنشود ألا وهو تزويد 200 ألف شخص نجوا في سريلانكا بالمواد الأساسية.

منذ وقوع الكارثة لم تتحدث القنوات التلفزيونية عن اللجنة الدولية إلا قليلاً. والعديد من الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر تطالب بتغطية إعلامية لأنشطة المنظمة, كي تتطلع الجهات المانحة على ما جرى لتبرعاتها.

ومع حلول العام الجديد 2005 عادت الأمور إلى مجراها الطبيعي في المقر الرئيسي, وفريق العمل الجديد يواصل الاهتمام بعواقب كارثة " تسونامي " في حين يتولى باقي الموظفين التعاطي مع الأزمات الأخرى, كالحروب والكوارث في العالم. ففي " آتشيه " ورغم جميع جهود الإغاثة, مازال الوضع مأساوياً. الصليب الأحمر النرويجي يقيم مستشفى ميدانياً ويضع رهن الإشارة موظفيه الذين يدرِّبون العاملين في المستشفى.

في ذلك الأثناء مازال خمسة موظفين ملحيين تابعين للجنة الدولية في عداد المفقودين والأمل ضئيل في العثور عليهم أحياء.