خطوة أخرى في اتجاه تنفيذ وعد اتفاقية حظر الألغام

28-11-2011 تصريح

كلمة السيد "أوليفييه فودوز" نائب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر أمام الاجتماع الحادي عشر للدول الأطراف في اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد،بنوم بنه، كمبوديا، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 إلى 2 كانون الأول/ ديسمبر 2011.

مر عقدان من الزمن على صدور أولى الدعوات الجريئة المنادية بوضع حد للمعاناة والإصابات الناجمة عن الألغام المضادة للأفراد. وكان ينظر إلى الألغام المضادة للأفراد في ذلك الوقت على أنها أسلحة عادية وضرورية ولا بديل لها، وينظر إلى حوادث قتل المدنيين وتشويههم المصاحبة لاستخدامها باعتبارها "أضراراً جانبية".

وقد عانت آسيا حينها، ولا تزال تعاني بشدة إلى اليوم، من هذه الآفة. وأدت حقول الألغام والذخائر العنقودية إلى وقوع عدد مهول من الخسائر البشرية، ولا سيما في كمبوديا، وتايلند، ولاو، وفيتنام، وأفغانستان، وباكستان. وكما يحدث يومياً في كمبوديا، لا تزال هذه الأسلحة غير البادية للعيان تتسبب في إزهاق الأرواح وإعاقة حياة المجتمعات المحلية لفترات طويلة بعد انتهاء القتال.

وبفضل الحملة العالمية الحديثة لحظر الألغام الأرضية، بدأت تتكرس الرؤية التي تبشر بعالم خال من الألغام المضادة للأفراد. وبالنسبة إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فقد حدثت نقطة التحول منذ 20 عاماً تحديداً حينما نشر جراحو اللجنة الدولية المتخصصون في جراحة الحرب بيانات عن أنواع الإصابات التي شوهدت في المستشفيات الميدانية التي أقامتها اللجنة الدولية على الحدود بين تايلند وكمبوديا وبين باكستان وأفغانستان. وأثبتت الأدلة بشكل لا لبس فيه أن الألغام المضادة للأفراد قد أدت إلى "اتساع نطاق" الإصابات بين المدنيين وأن من الضروري وضع حد لهذه الإصابات في المصدر المسبب لها.    

فإلى أي مدى تقدمنا منذ ذلك الحين! إنه بإمكانكم – وأنتم تمثلون 158 دولة أصبحت طرفاً في اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، ودولاً لم تلتزم بها بعد ولكنها مع ذلك تدعم أهداف الاتفاقية – أن تكونوا فخورين بالإنجازات العديدة التي حققتموها في ظل الدعم المقدم لكم من المجتمع المدني.

وقد توقفت اليوم التجارة العالمية في الألغام المضادة للأفراد، باستثناء بعض الحالات المتفرقة.  وتسنى تدمير ما يقرب من 45 مليون لغم مضاد للأفراد، واستطاع 18 بلداً أن يفي بالتزاماته في مجال إزالة الألغام. أما في البلدان التي تتواصل فيها عملية التطهير، فلا يزال العديد من الهكتارات من الأراضي الخصبة يصبح في كل عام متاحاً من جديد للمجتمعات المحلية. وقد تلقى عشرات الآلاف من الناجين من الألغام الأرضية المساعدة اللازمة لتمكينهم مجدداً من الحركة واستعادة ثقتهم بأنفسهم، كما استمر انخفاض عدد الضحايا الجدد للألغام الأرضية. وسوف يتواصل العمل الرامي إلى جعل هذه الاتفاقية عالمية بعد انضمام توفالو وجنوب السودان إليها خلال هذا العام وتوقع انضمام أكثر من ثلاث دول إليها في عام 2012.
وتعد هذه الإنجازات المحققة نجاحات حقيقية، وقد كرست مملكة كمبوديا، الدولة المضيفة، نموذجاً جديراً بالثناء في ميدان الإجراءات المتعلقة بالألغام. ومع ذلك لا يسعنا أن نكون راضين عن عملنا. فيجب ألا ننسى أبداً أن ضحايا الألغام المضادة للأفراد ليسوا مجرد أرقام إحصائية.  فهم بشر تغيرت مسارات حياتهم وحياة أسرهم بشكل لا رجعة فيه بسبب هذه الأسلحة الرهيبة. وإنه لمن غير المقبول أن يظل عشرات الآلاف من الناس في جميع أنحاء العالم غير قادرين على حرث أراضيهم أو جلب الماء إلى بيوتهم دون تعريض حياتهم للهلاك أو التعرض لفقدان طرف من أطرافهم.

وتشعر اللجنة الدولية بالقلق الشديد إزاء التقارير الصادرة هذا العام بشأن استخدام أربع دول وعدد من الجهات المسلحة غير التابعة للدول للألغام المضادة للأفراد. ويتعين علينا أن نعمل دون هوادة على وضع حد لهذا الاستخدام، سواء من جانب الدول أو من جانب الجماعات المسلحة غير التابعة للدول. ولا يمكن لأحد أن ينكر اليوم المعاناة الإنسانية غير المحدودة التي تتسبب بها الألغام المضادة للأفراد، والتي يمكن أن تترك آثاراً مدمرة على السكان المدنيين وتعيق التنمية الاقتصادية وإعادة الإعمار. وينبغي حث أولئك الذين ما زالوا يزعمون بوجود "ضرورة" تدعو إلى استخدام هذه الأجهزة على النظر إلى الفائدة العسكرية المحدودة لهذه الأسلحة مقارنة بعواقبها الإنسانية. ويتعين عليهم إيجاد بدائل لها.

ولا تزال هناك تحديات كبيرة تعترض الدول الأطراف في تنفيذها للاتفاقية. ويجب، أولاً وقبل كل شيء، ألاّ ننسى الوعد المقطوع للناجين من الألغام الأرضية لدى اعتماد الاتفاقية والمتمثل في "وضع حد" للمعاناة الناجمة عن الألغام المضادة للأفراد. ولا يعني إنهاء هذه المعاناة مجرد تقديم الرعاية الطبية العاجلة؛ بل يعني إعادة التأهيل البدني والإدماج الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع. وتعرب اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن امتنانها للدعم السخي الذي قدمته العديد من الدول والمنظمات للعمل الذي تضطلع به في جميع أنحاء العالم، ولا سيما لخدمات إعادة التأهيل البدني، وصندوق اللجنة الدولية الخاص بالمعوقين الذي يضمن استمرار تقديم الخدمات بعد انتهاء عمليات اللجنة الدولية في بلد معين. ونحن نرحب أيضاً بتزايد الاهتمام في عدد من الدول بمسألة مساعدة الضحايا وبقضايا الإعاقة على الصعيد الوطني.

غير أن من المخيب للآمال أن نجد الكثير من الدول التي لا تزال تفتقر إلى بيانات شاملة أو إلى خطة وطنية ترمي إلى إدخال تحسينات ملموسة على الخدمات المتاحة للناجين من الألغام وغيرهم من الأشخاص ذوي الإعاقات. وإنه لمن الضروري أن تتخذ كل دولة طرف، استناداً إلى خطة عمل قرطاجنة، مزيداً من الخطوات الرامية إلى تحسين حياة الناجين من الألغام داخل حدودها وخارج أراضيها.

وتشعر اللجنة الدولية بالقلق أيضاً لعدم تقيد عدة دول إلى الآن بالمواعيد النهائية المحددة لتدمير مخزوناتها. وفي حين أننا ندرك أن بعضاً من هذه الدول تحرز في الوقت الحالي تقدماً في إطار الخطط التي وضعتها من أجل تدمير المخزونات، فإن عدم التزام دولة ما بالموعد النهائي المحدد في المادة 4 يعد تصرفاً مؤسفاً للغاية بالنظر إلى السجل الممتاز في جوانب أخرى الذي تملكه الدول الأعضاء فيما يتعلق بالوفاء بهذا الالتزام. وعلى الرغم من المناخ الاقتصادي السيء للغاية، فإنه يتعين على الدول المعنية بذل كل الجهود الممكنة لتدمير كل مخزونها من الألغام بصورة عاجلة حتى تستطيع العودة مجدداً إلى دائرة الامتثال للاتفاقية.

وتعد المسألة المتعلقة بعدد الدول التي تحتفظ بمخزونات من الألغام المضادة للأفراد دون إجراء أي تخفيض واضح لأعدادها إحدى المسائل الأخرى التي تثير قلق اللجنة الدولة. وهو ما يثير التساؤل بشأن ما إذا كانت هذه الألغام لازمة بالفعل لأغراض التدريب، على النحو المنصوص عليه في المادة 3 من الاتفاقية. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإنه ينبغي تدميرها. وتحث اللجنة الدولية الدول التي تحتفظ بالألغام بموجب المادة 3 على مراجعة حاجتها إلى هذه الأسلحة بانتظام وتخفيض عدد الألغام المحتفظ بها إلى الحد الأدنى الذي تتطلبه الضرورة القصوى، كما تنص على ذلك النقطة 56 من خطة عمل قرطاجنة.

ولا تزال مسألة إزالة الألغام تشكل إحدى أكبر التحديات التي تواجه الاتفاقية في الوقت الحاضر. ولحسن الحظ، فقد ظل تمويل الإجراءات المتعلقة بالألغام، بما في ذلك إزالة الألغام، ثابتاً على مدى السنوات الأخيرة في جميع أنحاء العالم، وتحرز العديد من الدول تقدماً كبيراً في مجال الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بإزالة هذه الألغام. ومع ذلك، لم تتمكن 30 دولة من الدول الأطراف من التقيد بالمواعيد النهائية لإزالتها، وطلبت تمديد هذه المواعيد أو أشارت إلى أنها تنوي طلب تمديد في هذا الشأن. ويشمل هذا العدد دولاً تتميز بمستويات مرتفعة جداً من التلوث، وتعد فيها مهمة إزالة الألغام في غضون 10 سنوات مهمة شاقة للغاية، إن لم تكن مستحيلة. ولكنه يشمل أيضاً الحالات التي لم يمنح فيها التلوث المحدود النطاق أولوية كافية. ويجب الآن أن يبذل المزيد من الجهود لضمان جعل عدد الدول التي تحتاج إلى التمديد عدداً قليلاً للغاية. ويتعين أيضاً على الدول الأطراف أن تدرك أن عدم إزالة الألغام المضادة للأفراد يمكن أن يشكل في الواقع استخداماً لها.

وبصرف النظر عن التحديات العملية التي تعترض سبيل الوفاء بالالتزامات التي تنص عليها المادة 5 في مجال إزالة الألغام، فمن الضروري أن تنظر الدول الأطراف في هذا الاجتماع في كيفية الرد على دولة من الدول لم تف بالالتزامات التي تنص عليها المادة 5 أو تقدم طلباً بتمديد الموعد النهائي في السنوات العشر الممنوحة لها لإزالة الألغام. كما ينبغي للدول الأطراف أن تتخذ خلال السنة القادمة موقفاً بشأن أفضل الطرق للتحرك لدى اكتشاف مناطق ملغومة جديدة بعد انقضاء المهلة الممنوحة لدولة ما لإزالة الألغام. وقد نشأت الآن مثل هذه الحالات، ولكنها لم تكن متوقعة أثناء صياغة الاتفاقية. وإن التفكير الإبداعي مطلوب في هذا الصدد لإيجاد حل يؤدي إلى تكريس سوابق جيدة ويؤكد بشكل قاطع فعالية الاتفاقية ومصداقيتها في الأجلين القصير والطويل.

وأحث في الأخير جميع الحاضرين على زيادة الاستثمار في مجال تعبئة الموارد - البشرية والمالية والتقنية - من أجل ضمان إزالة الألغام ومساعدة ضحاياها على حد سواء. وتعرب اللجنة الدولية عن بالغ سرورها لإنشاء اللجنة الدائمة المعنية بالموارد والتعاون والمساعدة في الاجتماع الأخير للدول الأطراف. ويتعين علينا الآن أن نجعل من هذا المنتدى أداة فعالة لتحديد الموارد الضرورية لنجاح هذه الاتفاقية.

لقد كان فرض حظر عالمي على الألغام المضادة للأفراد يبدو منذ عشرين سنة خلت مجرد حلم، ولكن هذا الحلم أصبح الآن حقيقة واقعة. وقد يقول البعض اليوم إن التنفيذ الكامل لأحكام الاتفاقية هو أيضاً مجرد حلم بالنظر إلى التحديات الاقتصادية وغيرها من التحديات القائمة. ويتعين على مجموعة الدول والمجتمع المدني والوكالات الدولية التي وضعت هذه الاتفاقية ألاّ تقبل أبداً بهذه النظرة إلى الأمور. وأنا واثق بأن هذا الاجتماع المهم للدول الأطراف، الراسخ في تركة كمبوديا من حقول الألغام وفي خبرات الناجين من الألغام، سيشكل خطوة أخرى نحو جعل الأحلام حقائق ملموسة. وإن حياة أعداد لا تحصى من الأفراد ومستقبل الآلاف من المجتمعات المحلية المتضررة في جميع أنحاء العالم يعتمدان على الوفاء بالوعود التي نادت بها الاتفاقية.

الصور

أوليفييه فودوز، نائب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر 

أوليفييه فودوز، نائب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر