حماية المدنيين: الدروس المستفادة من ليبيا وكوت ديفوار

18-05-2011 افتتاحية، بقلم إيف داكور

مع صدور جميع هذه البيانات والقرارات الصائبة بشأن حماية المدنيين على المستوى السياسي، فما هي إذن الأسباب التي أدت إلى تقييد الجهود الإنسانية الرامية إلى حماية المدنيين ومساعدتهم على أرض الواقع؟ السيد إيف داكور، المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر يعتقد أن لب المشكلة يرجع إلى خضوع المساعدات الإنسانية للمصالح السياسية والعسكرية بشكل متزايد.

ICRC Director-General Yves Daccordأذن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال الشهرين الماضيين بالتدخل العسكري في ليبيا وكذلك في كوت ديفوار. وبرّر قراره في كلتا المناسبتين مستنداً إلى ضرورة حماية المدنيين، ومنع وقوع المزيد من القتلى في صفوفهم.

يجب أن تُمنح الأولوية للمساعدات وأن يجري تخصيصها بشكل دقيق على أساس الاحتياجات الإنسانية، وليس على أساس الأهداف السياسية والعسكرية والاقتصادية المنشودة.

وقد اجتمع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم 10 أيار/مايو في نيويورك لمناقشة مسألة توفير الحماية للمدنيين. وقد تكون هذه هي المرة الأولى التي تضيق فيها إلى أبعد الحدود الفجوة القائمة ميدانياً بين أوجه التقدم المحرزة على الصعيدين السياسي والعسكري وعلى صعيد السياسات والواقع الإنساني.

وعلى الرغم من اتخاذ هذه المبادرات الرامية إلى حماية المدنيين – أو بسببها، فإن رفع التحدي الرامي إلى تقديم مساعدات إنسانية غير متحيزة ومحايدة قد أصبح أمراً بالغ الصعوبة. وقد وُضع المجتمع الإنساني الدولي أمام اختبار عسير في حالتي ليبيا وكوت ديفوار على حد سواء.

وتردى الوضع الإنساني في ليبيا إلى درجة مفزعة، وهو ينتقل الآن من سيء إلى أسوأ -  ولا سيما في مدينة مصراتة المحاصرة التي تعطلت فيها إلى حد كبير إمدادات المياه وخدمات الرعاية الصحية والخدمات الأساسية الأخرى، هذا إن لم تكن قد توقفت تماماً. وتعمل المستشفيات في ظل ضغوط شديدة. وقد أدى القصف الذي تعرضت له مؤخراً إحدى السفن التي تحمل مساعدات إنسانية وأشخاصاً مصابين خارج مدينة مصراتة – وهو الحادث الثاني من نوعه خلال الأسابيع القليلة الماضية – إلى وقوع المزيد من القتلى وإلى اشتداد المعاناة.

وفي المناطق الأخرى التي تضررت من عمليات القتال، مثل أجدابيا، فر عشرات الآلاف من الأشخاص من ديارهم. ولا يشكل الوضع الأمني المتدهور العائق الوحيد الذي يحول دون عودتهم إليها، بل يمنعهم أيضاً الخطر المستمر الذي تنطوي عليه الذخائر غير المتفجرة. وقد أصبح وصول المنظمات الإنسانية إلى المحتاجين في العديد من المناطق، ولا سيما في طرابلس وغرب ليبيا، يمثل إشكالية معقدة، ولم يتمكن إلاّ القليل النادر منها من العمل بصورة فعالة والوصول إلى الأشخاص المحتاجين.

وفي الوقت نفسه، فإن الوضع الإنساني في مناطق غرب كوت ديفوار القريبة من الحدود مع ليبيريا لا يزال وضعاً حرجاً. وقد دُمّرت قرى بأكملها بسبب النزاع الدائر، واشتدت على وجه التحديد حاجة السكان المقيمين والنازحين إلى الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية. وقد تسبب تحطيم ونهب العديد من المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية في اشتداد الحاجة إلى الأدوية والإمدادات الطبية. ومع ذلك، وصل حجم الاستجابة الإنسانية في مجمله إلى حد يرثى له. وتعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع  الجمعية الوطنية للصليب الأحمر من بين المنظمات الإنسانية الوحيدة التي لا تزال قادرة على الوصول إلى الأشخاص المحتاجين دون مرافقة عسكرية.  
          
ومع صدور جميع هذه البيانات والقرارات الصائبة بشأن حماية المدنيين على المستوى السياسي، فما هي إذن الأسباب التي أدت إلى تقييد الجهود الإنسانية الرامية إلى حماية المدنيين ومساعدتهم على أرض الواقع؟

وبعيداً عما نشهده من عدم احترام الدول والأطراف الفاعلة من غير الدول على نحو صارخ للقانون الدولي الإنساني ، وهو ما يشكل جوهر المعاناة الممتدة على نطاق واسع، فإن أحد الأسباب الرئيسية لهذا الوضع يكمن في زيادة تسييس المساعدات الإنسانية وإضفاء الطابع العسكري عليها. ويشمل ذلك توظيف الدول للمساعدات وجعلها أداة لإدارة النزاعات ووسيلة لتعزيز مصالحها الخاصة. وقد يكون من الصعوبة بمكان، في حالتي كل من ليبيا وكوت ديفوار، الفصل، على مستوى التصور العام على الأقل، بين المخططات السياسية والعسكرية والإنسانية للأطراف الفاعلة الدولية الرئيسية. وقد يصبح هذا الوضع قضية شائكة حينما تضطلع بعثة متكاملة من بعثات الأمم المتحدة بأدوار عسكرية وإنسانية في الوقت ذاته، وتتحول بشكل فعلي إلى طرف من أطراف النزاع كما هو الحال في كوت ديفوار. وسيؤدي عدم وضوح الأدوار في نهاية المطاف إلى تعقيد أو إعاقة وصول المساعدات الإنسانية غير المتحيزة إلى السكان المتواجدين على طرفي النزاع، وهو الواقع الذي لا يطال الوكالات التابعة للأمم المتحدة وشركائها التنفيذيين فقط، بل يطال المنظمات الأخرى أيضاً.

يمكن للمنظمات الإنسانية، بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تبادر إلى إجراء تقييم صادق لقدراتها ومجالاتها المحدودة، وأن تلتزم التزاماً حقيقياً بجعل الكلمات المعسولة والنيات الحسنة تتطابق مع الحقائق الملموسة على أرض الواقع، إذ أن حياة أعداد لا تحصى من ضحايا النزاعات من رجال ونساء وأطفال تتوقف على اتخاذ هذه الخطوات.  

ويكمن السبب الهام الآخر في أداء وسلوك الأطراف الفاعلة الإنسانية نفسها.  وفي حين أن الكثير من المنظمات الإنسانية تدعي تمسكها بالمبادئ الأساسية والتزامها بالحياد والاستقلال فضلاً عن عدم التحيز (الذي يشكل الحد الأدنى)، فإن القليل منها فقط هو الذي يطبق ذلك في ممارساته. وهناك ميل إلى استبدال المبادئ بالسلوك البراغماتي كلما كان ذلك مناسباً، وهو ما يحد في نهاية المطاف من إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية القائمة على المبادئ الحقة.

ومع تكاثر الأطراف الفاعلة التي تدعي اضطلاعها بتنفيذ أعمال الحماية، فإن كل تنسيق فعال وذي مغزى يجب أن يستند إلى احترام حقيقي لبعض المبادئ الأساسية بدلاً من الاستناد إلى آليات وإجراءات تنسيق ما فتئت تزداد صقلاً مع مرور الزمن. ومن أجل تكريس الشفافية والمساءلة، فإنه يتعين علينا جميعاً أن نكون واقعيين وواضحين عند الحديث عن القدرات المتاحة لدينا في حالات الطوارئ، بما في ذلك عند تحديد الأماكن التي يمكننا الوصول إليها والأماكن التي لا تتاح لنا فيها فرص لذلك، والمناطق التي يمكننا فيها تنفيذ الأنشطة بأنفسنا، والمدى الذي يمكننا فيه العمل عن طريق الشركاء التنفيذيين. وفي حالة توكيل الشركاء الاضطلاع بأنشطتنا، فإلى أي مدى يمكننا مراقبة هذه الأنشطة؟ وهل نحن الآن بصدد الاستعانة فعلياً بمصادر خارجية لمواجهة الأخطار التي أصبحنا غير مستعدين لتحملها؟

ويشكل التحدي الرامي إلى حماية المدنيين – بجميع أبعاده المختلفة- مهمة شاقة. ويتعين على الدول والأطراف الفاعلة غير الحكومية والجهات المانحة والمنظمات الإنسانية أن تؤدي الأدوار المحددة المنوطة بها. وإنه لمن السهل للغاية إلقاء اللائمة على الآخرين عن كل فشل يحدث.

ويجب على الدول والأطراف الفاعلة من غير الدول أن تظهر الإرادة السياسية والنية الحسنة اللازمتين لتحويل الأحكام القانونية إلى واقع ملموس، وأن تأخذ على محمل الجد التزاماتها المتعلقة بحماية المدنيين. ويجب أن تُمنح الأولوية للمساعدات وأن يجري تخصيصها بشكل دقيق على أساس الاحتياجات الإنسانية، وليس على أساس الأهداف السياسية والعسكرية والاقتصادية المنشودة. ويمكن للمنظمات الإنسانية، بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تبادر إلى إجراء تقييم صادق لقدراتها ومجالاتها المحدودة، وأن تلتزم التزاماً حقيقياً بجعل الكلمات المعسولة والنيات الحسنة تتطابق مع الحقائق الملموسة على أرض الواقع، إذ أن حياة أعداد لا تحصى من ضحايا النزاعات من رجال ونساء وأطفال تتوقف على اتخاذ هذه الخطوات.