شهادة من الميدان: أساعد أناسا كنت واحدا منهم في طفولتي
التحقت بالعمل في "قسم الحماية والبحث" في اللجنة الدولية منذ العام ٢٠٠٥، ومازلت مستمراً حتى الآن. وأنا أهتم بكل ما يتعلق بالمفقودين وأسرى الحرب الإيرانية-العراقية، فالعمل في هذا القسم وافق روحي وإحساسي وشجني الخاص بسبب ما أصابني وعائلتي من فراق وآلام بسبب الحرب العراقية الإيرانية، وهو ما منحني شعوراً متعاظماً بأهمية دوري في تحفيف آلام سبق لي أن خبرتها شخصياً.
يرتبط عملي في اللجنة الدولية بالعراقيين الذين ذاقوا وبال الحرب التي هدمت حياتهم وبيوتهم، أو الأسرى المحرومين من أهلهم وذويهم، وقد يكون أحدهم أباً لأسرة فقدها، أو شاباً فقد أمه وأبيه مما يترك على وجوههم آلام فقدان الأعزاء. وكم تتحول تلك الملامح إلى سعادة غامرة عندما يستلم أحدهم رسالة من ذويه.
نعم لقد مضت ثلاثون سنة علی انتهاء الحرب، ولکن هناك الكثير من الأسرى الذين يراجعون مكتبنا للحصول على وثائق تثبت وقوعهم في الأسر؛ إما بهدف الإثبات أو لضمان حصولهم على رواتبهم ولو كانت قليلة، أو للحصول على قطعة أرض لبناء دار تسترهم وعائلاتهم عسی أن تنسيهم تلك البهجات الصغيرة مرارة الحروب.
وفي إطار عملي، ومنذ ثلاث سنوات أذهب بصحبة زملائي في اللجنة الدولية إلی المناطق التي شهدت في الماضي معارك في جنوب العراق، للبحث تحت التراب في وسط الصحراء عن بقايا جثث الجنود الضحايا، يحركنا في عملنا الدافع الإنساني رغم المخاطر المحتملة الناتجة عن التلوث والألغام؛ وكل أملنا أن نعثر على بقايا تسمح لنا بالفحص وإثبات هوية أصحابها لكي نبعث برفاتهم، بعد مرور كل تلك السنوات، الی أهلهم وذويهم. وکم شاهدنا من فرحة لأم تتسلم رفات جسد ولدها، أو لزوجة تتعرف إلى متعلقات زوجها وتبدأ في مخاطبتها والبكاء وشعور الراحة التي يغمرها عندما يصبح قبره معلومًا.
وكم هي سعادتنا وفرحتنا عند العثور على مفقود لنقوم برده إلى أهله؛ وكم تأثرنا لمشهد لقاء أم بإبنها بينما تغسل الدموع وجهيهما في سعادة ممزوجة بالألم.
كل تلك التفاصيل، التي أعمل وزملائي على نسجها ونسعى لتحقيقها، تجعلني أشعر بالفخر لعملي مع اللجنة الدولية، التي أراها بلسماً لجروح قلوب حزينة، كنت واحدا منها في طفولتي.
كتبه: علي دهقاني فرد، موظف قسم الحماية والبحث في بعثة اللجنة الدولية في طهران
تم نشر هذا النص في العدد رقم 56، شتاء 2014، من مجلة "الإنساني"، التي تصدر فصلياً عن مركز الإعلام الإقليمي بالقاهرة – اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والأراء الواردة به لا تعبر إلا عن وجهة نظر أصحابها، الذين سبق لهم -ومن يهمهم الأمر- الموافقة على نشرها.