مع اندلاع موجة ثانية من كوفيد-19 في الضفة الغربية، عمّ الصمت على الأسواق القديمة في أكبر مدنها، تلك الأسواق التي لطالما امتازت بصخبها وكثرة الحركة فيها. في نابلس والخليل وبيت لحم والبلدة القديمة بالقدس، يحرص أصحاب المتاجر من شدّة قلقهم على إبقاء متاجرهم الفارغة مفتوحة، ولكنّهم يجدون أنفسهم في مأزق مزدوج لا يرحم: ليس لديهم فرصة لإعادة إحياء متاجرهم إلّا إذا أبقوها مفتوحة، ولكنهم يهدرون أموالهم كل يوم يفتحون فيه أبوابها.
الآن، كما هو الحال دائماً، يعتبر الأمل والخوف عملتان رئيسيتان في فلسطين. ياسر صبحة، بائع ألبان في البلدة القديمة في نابلس، يعمل في مهنته منذ عقود ولم يشهد أبداً أزمة اقتصادية مثل هذه. يقول ياسر: "إن وضع مدينتي أشبه بالحصار. الحركة محدودة للغاية، والخوف من انتشار عدوى فيروس كورونا في كل مكان."
وتحدّث الشاب أحمد الشخشير، وهو صاحب محل لبيع الأجبان والزيتون، عن أمله بأن "تعود الحياة في نابلس إلى طبيعتها، وأن يكسر صوت التجار والمارة صمت المدينة القسري".
أحمد ليس الوحيد. يعتبر سامي خميس عَلَم من أعلام الحياة في مدينة بيت لحم التي تزدحم بالعادة بالسياح المسيحيين القادمين لزيارة كنيسة المهد. كان شرب القهوة مع سامي القهوجي بمثابة طقوس المرور لزوار المدينة، لكن صوت سامي وهو ينادي: "شاي ... قهوة" لم يعد يتردد في شارع كنيسة المهد كما كان من قبل، فالشارع يخلو من أي سائح يلبّي النداء.
بالجوار، ترى رجل عجوز يبيع سلع بسيطة بالقرب من كنيسة المهد. كل يوم، يجهّز الرجل بسطته ولكنه لا يبيع شيئاً. يقول: "هذه البسطة هي أملي الوحيد بمستقبلٍ أفضل".
ينخفض البيع عندما يبقى المتجر مفتوحاً، لكن إغلاقه بالكامل يعني الاستسلام. في مخبز الحاج أبو أسامة مناع في نابلس كانوا يخبزون حوالي خمسة أكياس من الدقيق يومياً. الآن، لا يخبزون أكثر من نصف أو ثلثي الكيس، علماً بأن خمس عائلات تعتمد في كسب رزقها على المخبز.
والرواية هي ذاتها في البلدة القديمة بالقدس. يقول وليد غنيم، وهو صاحب محل لبيع الهدايا التذكارية، إنه "لم يعد يتذكر" ما كان عليه السوق قبل الجائحة.
يقول وليد: "أفتح المحل فقط للتهوية، الحركة قليلة جداً بشكل عام، والحركة السياحية معدومة"، ويأمل بشدة ألا يبقى الحال على ما هو عليه بعد نهاية العام.
بالطبع، كساد العمل له عواقب وخيمة. فتحي الجبريني يعمل بائع أغذية في البلدة القديمة بالخليل بجوار الحرم الإبراهيمي. يقول الحاج فتحي: "كل شهر لدي تكلفة دواء تصل إلى 500 شيكل، والآن لا أجني أكثر من 10 شيكل بسبب فيروس كورونا".
إنّ العودة إلى نوع من الحياة الطبيعية تعتمد على مدى قدرة السلطات الفلسطينية على إبقاء الفيروس تحت السيطرة. وفقاً لمسح أجرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر على الفلسطينيين، فإن الامتثال لتدابير الوقاية في الضفة الغربية أقل بكثير مما هو عليه في غزة والقدس الشرقية. في حزيران/ يونيو، ذكر 28٪ من السكان أنهم ما زالوا لا يرتدون أقنعة الوجه، وقال 22٪ إنهم لم يتجنبوا الأماكن المزدحمة، و21٪ لم يبقوا في منازلهم عند الشعور بالمرض.
من الواضح أن هناك الكثير ممّا يجب إتمامه قبل أن تعود أسواق الضفة الغربية إلى سابق عهدها من الزحام والضجيج الذي كان يميزها، وقبل أن يتمكّن أصحاب المتاجر الصغيرة من النوم قريري الأعين من جديد.