أوكرانيا: صناعة الخبز من أجل النازحين

30 نيسان/أبريل 2015
أوكرانيا: صناعة الخبز من أجل النازحين
أرغفة الخبز قبل توزيعها على النازحين في سيفيرودونتسك، أوكرانيا.

فرّت "لوبوف فاسيليفنا" من بلدتها الأصلية "برفومايسك" طلبًا للسلامة والأمن في "سيفيرودونتسك". وهي الآن فرد ضمن أفراد فريق الصليب الأحمر الذي يوزع الخبز على المحتاجين الآخرين الذين فرّوا من منازلهم مثلما فعلتْ هربًا من القتال المستعر في شرق أوكرانيا.

لم يكن ليخطر ببال "لوبوف فاسيليفنا" قبل عام من الآن إنها في غضون أشهر قليلة سوف تكون ضمن فريق الصليب الأحمر الذي يساعد في توزيع الخبز في " سيفيرودونتسك"، بعيدًا عن بلدتها الأصلية "برفومايسك". ولكن هذه هي طبيعة الغموض الذي يكتنف كل أوجه الحياة اليوم في إقليم يعصف به قتال ضارٍ تسبّب في مقتل قرابة 6000 شخص ونزوح أكثر من مليون شخص منذ بداية عام 2014.

تشرح "لوبوف" الوضع، بابتسامة هادئة بينما تؤشّر على أسماء المستفيدين من المساعدات المسجلين في قائمة طويلة أمامها، فتقول: "لم يخطر ببالي أنني سوف آتي إلى سيفيرودونتسك أبدًا". وفي أوقات سابقة لم تكن سيفيرودونتسك معروفة سوى بمصنعها للمواد الكيميائية. والآن، تعد هذه المدينة العاصمة الإدارية لإقليم لوغانسك. وفي أكتوبر الماضي لجأت "لوبوف" بصحبة ابنتها وحفيدتها إلى تلك المدينة، عندما صار من الخطورة بمكانٍ أن تبقى في بلدتها الأصلية في ظل تواصل القصف.

Severodonetsk, Ukraine, 17 April 2015. Lubov Vasilievna (left) helps distribute bread.

سيفيرودونتسك، أوكرانيا، 17 نيسان/أبريل 2015. لوبوف فاسيليفنا (إلى اليسار) تساعد في توزيع الخبز للمحتاجين. CC BY-NC-ND / ICRC / J. Barry

توقفتْ "لوبوف" عن أداء عملها لكي تتحدث إلى زوار أتوا لرؤية عملية توزيع الخبز وأردفتْ تقول: "سيطر علينا الخوف. أتت أمي معنا، ونحن نستفيد من هذا البرنامج منذ ستة أشهر."

غير أن "لوبوف" أرادت أن تفعل أكثر من مجرد الحصول على المساعدات وحسب، لذا فقد انضمت إلى الصليب الأحمر كمتطوعة. وصارت الآن تنظم عملية توزيع الخبز بصحبة المتطوعين الآخرين، بالإضافة إلى استفادتها بالحصول عليه في إطار البرنامج. وهي تؤدي هذا العمل بلا أجر، غير أن هذه مسألة ثانوية إذ تفعل لوبوف هذا بدافع العطف، وكذلك بحسب ما أوضحت "لأن الناس في عون من أعانهم".

Severodonetsk, Ukraine, 17 April 2015. Lubov and another volunteer check the list of people who are to receive bread.

سيفيرودونتسك، أوكرانيا، 17 نيسان/أبريل 2015. لوبوف ومتطوعة أخرى تراجعان قائمة المستفيدين من توزيع الخبز. CC BY-NC-ND / ICRC / J. Barry

وينظم الصليب الأحمر الأوكراني برنامج توزيع الخبز بدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهو برنامج استُهلّ بمحض الصدفة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وتشرح، "غاغيك إساينيان"، المندوبة المسؤولة عن البرنامج في مكتب اللجنة الدولية في سيفيرودونتسك، قائلة: "لدينا فائض كبير من الدقيق، لذا قررنا أن نطلب من مخبز محلي صناعة الخبز للعائلات النازحة." وأضافت قائلة: "استغرق الأمر بعض الوقت حتى أمكننا استهلال البرنامج مع شركائنا من الصليب الأحمر الأوكراني، لكننا نجحنا في التغلب على كل التحديات اللوجستية."

وحقق البرنامج نجاحًا فوريًا، ومع زيادة أعداد النازحين القادمين إلى سيفيرودونتسك خلال فصل الشتاء ازداد عدد الأشخاص الذين يحصلون على الخبز، إذ تضاعف العدد من قرابة 300 شخص إلى أكثر من 600 مستفيد في اليوم الواحد.
وافتتح مركزا توزيع إضافيين في مدينتي "ليسيشانسك" و"روبيزني" القريبتين، ليصل العدد الإجمالي إلى زهاء 4400 مستفيد.

Severodonetsk, Ukraine, 17 April 2015. The programme was an instant success and has been extended until June.

سيفيرودونتسك، أوكرانيا، 17 نيسان/أبريل 2015. حقق البرنامج نجاحًا فوريًا وتقرر مدّ فترته حتى حزيران/يونيو. CC BY-NC-ND / ICRC / J. Barry

ويرتكز البرنامج على مفهوم بسيط، إذا تزود اللجنة الدولية مخبزًا محليًا بحوالي 2.5 طنًا من الدقيق خمس مرات أسبوعيًا، ثم يضيف المخبز المكونات الأخرى اللازمة لصناعة الخبز لينتج 2200 رغيف يوميًا، مع احتفاظ المخبز بنسبة من الدقيق لتغذية عملية الإنتاج بداخله. وتسدد اللجنة الدولية أيضًا تكاليف نقل الخبز إلى مراكز التوزيع الثلاثة حيث يعمل متطوعو الصليب الأحمر على توزيع الخبز كل صباح. وقد تقرر مدّ البرنامج حتى حزيران/يونيو.

وتستفيد العائلات النازحة من الخبز المصنوع كله. ويحصل كل شخص بالغ على رغيف واحد كل يومين، مع رغيف إضافي لكل عائلة إذا كان لديها طفلان، ورغيفين إضافيين للعائلات التي لديها ثلاثة أطفال أو أكثر.

وتأتي "إينا"، البالغة من العمر 30 عامًا، وهي مديرة مطعم سابقًا، للحصول على الخبز كل يومين. وتشرح "إينا" بينما تضع رضيعتها بولينا البالغة من العمر خمسة أشهر في عربتها: "مكث ابني البالغ من العمر ست سنوات مع والداي بالقرب من بوباسنا". وتضيف "إينا": "لكنني قررت أن أحضر رضيعتي إلى هنا كإجراء احتياطي يضمن سلامتها. مكثتُ في البداية هنا في منزل صديقة لي لكنني استأجرت شقة وأعيش فيها في الوقت الحالي إذ يبدو أن بقائي هنا سيطول إلى أن نتمكن من العودة إلى قريتنا."

Severodonetsk, Ukraine, 17 April 2015. Inna comes to collect bread every second day, with her five-month-old baby.

سيفيرودونتسك، أوكرانيا، 17 نيسان/أبريل 2015. تأتي إينا لتحصل على الخبز كل يومين، وبصحبتها رضيعتها البالغة من العمر خمسة أشهر. CC BY-NC-ND / ICRC / J. Barry

وبالإضافة إلى حصة "إينا" من الخبز ترسل لها والدتها خضروات مخللة من حديقتها ومربى معلبة. وتضيف "إينا" قائلة: "أعيش على ما أحصل عليه من مساعدات إنسانية. ليس في وسعي أن أشتري اللحم ولا يمكنني تدبر أمري. أتمنى لو تمكنتُ من البحث عن وظيفة لكن يتعين عليّ الاعتناء برضيعتي."

وأوكرانيا، المشهورة بمصانعها ومناجم الفحم، معروفة أيضًا بكونها سلة خبز أوروبا لما تحظى به من تربة سوداء خصبة. لكن النزاع الذي اندلع في الشرق غيّر وجه البلاد، فحقول القمح وزهرة عباد الشمس حلّت محلّها حقول الموت المزروعة بالألغام الأرضية، وانهار الاقتصاد المحلي تاركًا مصانع وخدمات تصارع من أجل التأقلم مع الوضع المتردي في مناطق عديدة.

ونالت أسعار الغذاء نصيبها من تداعيات الأزمة أيضًا، إذ ارتفع سعر رغيف الخبز العادي فصار يُكلف 10 هريفنا (50 سنتًا أمريكيًا) في سيفيرودونتسك بعد أن كان يتكلف حوالي 4 هريفنا منذ بضعة أشهر، وهو ما يجعل هذا الغذاء الأساسي اليومي مطلبًا عزيز المنال بالنسبة لكثير من النازحين والعاطلين عن العمل.

وبينما تعاود "لوبوف" الجلوس إلى الطاولة لاستئناف عملها، تقول: "قال لنا المستفيدون من المساعدات إنهم يستغلون الأموال التي يدخرونها لشراء أشياء أخرى يحتاجونها عوضًا عن شراء الخبز." وتردف قائلة: "يقولون إن هذه المساعدات جعلت الحياة بالنسبة لهم محتملة. وأستطيع من جانبي التأكيد على أنهم لم يبالغوا فيما ذهبوا إليه."

Severodonetsk, Ukraine, 17 April 2015. People queue for bread, wrapped in coats and hats against the cold spring wind.

سيفيرودونتسك، أوكرانيا، 17 نيسان/أبريل 2015. المستفيدون من المساعدات، ملتحفون بمعاطفهم وقبعاتهم احتماءً من رياح الربيع الباردة، يصطفون للحصول على حصصهم من الخبز.CC BY-NC-ND / ICRC / J. Barry

يتحرك الصف للأمام ببطء، ويتجاذب الواقفون أطراف الحديث خلال وقوفهم وهم ملتحفون بمعاطفهم وقبعاتهم احتماءً من رياح الربيع الباردة، ويحملون حقائب التبضّع جاهزة. هذا البرنامج البسيط والمتطوعون القائمون عليه لا يقدّمون مجرد خبز يملأ بطونًا خاوية بل غذاءً يقيم أصلابهم بقليل من الإنسانية في زمن حُرموا فيه من كل عزيز وغالٍ.