السيد الرئيس،
يُقاس نجاح مجلس الأمن بقدرته على التغلب على الانقسامات العالمية، وعلى التنزه عن التوجه السياسي الذي تجسده عبارة: "من ليس معنا فهو ضدنا". إن رأب هذه الصدوع يتطلب قيادة واعية، فالقيادة وحدها هي القادرة على فتح المجال أمام إجراء مفاوضات جادة.
واللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) تشهد اليوم تجرّؤًا سافرًا من الأطراف المتحاربة على الاستخفاف بالتزاماتها القانونية، بل وفي بعض الأحيان، التمترس خلف تأويلات فجّة للقانون الدولي الإنساني تبرر بها انتهاكاته، ولتحلّ لنفسها إيقاع دمار هائل، ووضع عراقيل أمام الجهود الإنسانية.
نعلم أن هذا وضع لا يجري عليه حكم العادة، لكن مما يؤسف له أن الزخم الذي يولده هذا الواقع البغيض وقبوله في الوعي الجمعي يضع عتبة جديدة لمعايير معاملة البشر، يُغمض عينيه عن حقيقة أن جميع البشر سواسية.
والتطبيع مع التأويلات المحرّفة للقانون الدولي الإنساني والتسامح معها – الذي يحدث تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي – يؤدي إلى طمس الأعين عن النزاعات الأخرى. فالانتهاكات تقع أمام أعين المجتمع الدولي، وقلما تُتخذ إجراءات لتصحيح الوضع.
يجب أن نعي أن ما يقع في نزاع ما يتسرب إلى آخر؛ فتُزحزَح عتبة الممارسات لتدخل في مساحة المقبول، وهو ما يؤدي حتمًا إلى مزيد من المعاناة الإنسانية.
وقد وُضع القانون الدولي الإنساني لرأب الانقسامات، ليمهد الطريق المشحون بالاستقطاب سعيًا نحو تحقيق السلام. وهذا القانون – الذي يتألف من معاهدات وضعتها دوَلكم وصدقت عليها – يُلزم بضبط النفس. وبموجب اتفاقيات جنيف، المعاملة الإنسانية حق للجميع، حتى العدو.كما أن أحكام القانون الدولي الإنساني لا تخضع للمقايضة.
يجب أن يفهم قادتكم العسكريون أن: خوض الحروب والانتصار فيها ممكن مع التقيد بنص القانون وروحه.وبعدُ، فبمَ يتحقق الانتصار حقًا؟ هل يتحقق بتدمير القرى وسفك دماء المدنيين؟
قد يحقق التدمير نجاحًا عسكريًا، ولكنه لا يُعد نصرًا على المستوى السياسي ولا الأخلاقي.وإذا ما أُتيح للمنظومة الأمنية سلطة اتخاذ كل قرار سياسي، فنحن بذلك نفقد خيار التفاوض.
نشيد بتمسك جميع أعضاء مجلس الأمن بدعوة أطراف النزاع باستمرار إلى الامتثال للقانون الدولي الإنساني وتذكيرها بنصوص هذه الالتزامات. ولكن علينا أن نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وأن نتأكد من التزام الأطراف بجوهر القانون الدولي الإنساني.
وهذا يعني ضرورة أن تتخذ الأطراف جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين إلى أدنى حد،ويعني عدم التلاعب بحسابات التناسب المقبولة، ويعني ضرورة احترام قواعد الحرب حتى وإن لم يحترمها عدوك،ويعني قبول احتمالية أن تقوم جهات إنسانية محايدة بتقديم المساعدة في مناطق يسيطر عليها عدوك،ويعني أيضًا ضمان عدم تعرض المستشفيات للهجوم، والسماح للمدنيين بالفرار إلى أماكن آمنة، وعدم قطع إمدادات الغذاء.
إن انعدام الإنسانية يغذي جذوة العنف، في حين يرعى الحفاظ على الإنسانية الظروف المواتية لخفض التصعيد.ولا بد للدول والهيئات العسكرية من أن تدمج القانون الدولي الإنساني في استراتيجياتها الدفاعية، ليس لخوض الحرب فقط، وإنما كذلك لتحقيق النصر الذي يتيح لها استقرارًا يدوم.
يجب أن نرى الدعم الخطابي للقانون الدولي الإنساني الذي يبديه المجلس مترجَمًا إلى ممارسة عملية.فأنتم من يحدد ما إذا كانت اتفاقيات جنيف تمثل أداة لتحقيق السلام تنقذ الأرواح.
-
عندما يستهدف حليفكم المدنيين، ارفعوا سماعة الهاتف واطلبوا منه الكف عن ذلك.
-
عندما يرفض حليفكم زيارة اللجنة الدولية للمحتجزين أو أسرى الحرب، ارفعوا سماعة الهاتف واطلبوا منه الامتثال للقانون.
-
عندما يعمد حليفكم إلى ليّ عنق قواعد الحرب، فاستخدموا ما في أيديكم من وسائل لإيقافه.
القانون الدولي الإنساني ينقذ الأرواح. فهو ما مكّن من الإفراج عن آلاف المحتجزين في اليمن، وإعادة فتيات قرية «شيبوك» المختطفات، وإنقاذ الأطفال اليتامى في الخرطوم وإيداعهم في مكان آمن. ولا يمكن أن نعلق الفشل على القانون، وإنما على ضعف الإرادة لتنفيذه.
وما من سبيل لحماية المصالح الاقتصادية لشعوبكم وأمنها أفضل من احترام الاتفاقات التي حظيت بتصديق عالمي.فأنتم لا تعلمون متى قد تطرق الحرب أبوابكم، فتجدون أنفسكم على الجانب الآخر من خط المواجهة. والتمسك باتفاقيات جنيف يصب في صميم مصلحتكم.
القانون الدولي الإنساني يقدم مسارًا نحو السلام، فاجعلوه أولويتكم السياسية، وأعلنوا ذلك.