مقال

رحلة اكتساب القوة: قصص مفعمة بالأمل والتعافي من سوريا

Joumaa, seated on a chair, wears two lower-limb prostheses as an ICRC staff member in a red vest kneels to adjust the fit. They are in a clinical rehabilitation room with anatomical posters on the wall.
صورة بعدسة ديمان أمين

يحتفل العالم باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة في 3 كانون الأول/ديسمبر، ويعيد عددٌ لا يحصى من الأشخاص في سوريا بناء حياتهم بعد سنواتٍ من النزاع والأزمة التي خلّفت صعوباتٍ هائلة وعواقبَ مستمرة، بما في ذلك الإصابات والإعاقات. وتُواصل اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية)، من خلال شراكتها مع الهلال الأحمر العربي السوري، دعمَ الأشخاص ذوي الإعاقة في رحلتهم للتعافي البدني والنفسي والاجتماعي.

 

تذكِّرنا قصصهم، التي تتسم بالعزيمة والألم وصمود ملموس، بأن الأمل غالبًا ما يبدأ بخطوة واحدة، سواء بأرجل اصطناعية أو على كرسي متحرك أو من خلال الأيدي التي يمدها آخرون لهم لمساعدتهم على السير مجددًا.

"إذا كنت تمشي فأنا أمشي." عزيمة جمعة

في الحسكة، التقينا جمعة، وهو أب يبلغ من العمر 37 عامًا فقد ساقيه في غارة جوية قبل ثماني سنوات. كان حلاقًا يعمل في حلب. صارت إعاقته حِملًا ثقيلًا.

كانت الحياة في المخيم صعبة بالفعل؛ ومن دون القدرة على الحركة، أصبحت شبه مستحيلة.

كان جمعة مترددًا عندما أخذ فريق إعادة التأهيل البدني في مستشفى الهول التابع للهلال الأحمر السوري واللجنة الدولية قياسات ساقيه أول مرة حتى يمكنه الحصول على ساقين اصطناعيتين جديدتين. فقد كانت تجاربه السابقة مع الأطراف الاصطناعية مخيبة للآمال. يتذكر قائلًا: "كنت أعتقد أن الأطراف الاصطناعية مجرد أداة للانتقال من مكان إلى آخر".

ولكن في اللحظة التي وقف جمعة على ساقيه الاصطناعيتين الجديدتين، داعب الأمل روحه من جديد.

وفي هذه المرة لم يعد جمعة بحاجة إلى عكازين، بل واحد فقط. وسرعان ما بدأ يتخيل نفسه في الأيام المقبلة بلا حاجة إلى عكاز إطلاقًا. ارتسمت ابتسامة على وجهه وقال: "والآن أفكر في المشي دون عكاز".

لم يكن التحول الذي طرأ على حياته جسديًا فحسب. قال جمعة لفريقنا: "يطرأ الآن على عقليتي تغيير. كنتُ قلقًا بشأن كل خطوة. أما الآن فأنا أستطيع التفكير في العمل مجددًا. ولو تفقدتم أحوالي الأسبوع المقبل، فربما تجدونني أفتتح صالونًا للحلاقة!"

اليوم، يسير جمعة بثبات وفخر وإحساس جديد بما يرغب في تحقيقه.

Syria---Al-Hol-camp---Health.-PRP---Joumaa-s-story---ICRC---Diman
صورة بعدسة ديمان أمين
صورة بعدسة ديمان أمين

رحلة سندس .. عزيمة على كرسي متحرك

سندس، التي تعيش في حلب وعمرها 13 عامًا، هي دليل حي على أن الشجاعة لا تتقيد بسن.

نشأت سندس وهي تتعلم كيف تتنقل في العالم بحذر؛ بسبب إعاقتها الحركية وهشاشة عظامها. لكن حالتها المرضية لم تنل من روحها المعنوية. ونادرًا ما تفارق ابتسامتها وجهها.

عندما حصلت سندس على كرسي متحرك مُصمّم خصيصًا لاحتياجاتها من مركز إعادة التأهيل البدني التابع للجنة الدولية، تغيّرت ظروفها الحياتية. فهي الآن تذهب إلى المدرسة كل صباح بمفردها وتساعد أفراد عائلتها في المنزل. أصبح كرسيها المتحرك وسيلتها إلى الاستقلالية.

قالت: "هو مثل ساقيّ؛ يساعدني على الخروج من المنزل والقيام بكل المهام. حتى أنني أستطيع مساعدة أمي لأنني أحركه بيديّ".

تُوجِّه سندس إلى الأطفال الآخرين الذين يواجهون تحديات مماثلة رسالةً مفعمة بالحكمة تتجاوز سنها بكثير:

"لا تختبئوا من الناس. لا تخجلوا. هكذا خلقنا الله، وعلينا أن نكون شاكرين. كونوا أقوياء، واذهبوا إلى المدرسة، والعبوا مع أصدقائكم، ولا تشعروا بالخجل أبدًا".

كلمات سندس تذكّرنا أن القوة غالبًا ما تنبع من التحدي الذي نواجه، وأن النظرة المفعة بالأمل يمكن أن تبدأ على كرسي متحرك.

Sondus sits in a wheelchair inside a living room, smiling warmly at the camera with her hands clasped in front of her. She wears a light-colored sweatshirt and has her hair styled in small braids. Patterned rugs, a sofa, and an open doorway are visible in the background.
صورة بعدسة سنا طرابيشي/ICRC
صورة بعدسة سنا طرابيشي/ICRC

من إصابات بالغة إلى أفق الأمل: بداية جديدة لأسامة

في عام 2013، أصيب أسامة، نجار شاب في حلب، بطلق ناري. تسببت الإصابة في مضاعفات خطيرة، منها فقدان كليته اليمنى، ثم بترت ساقه اليسرى بعد عدة سنوات.

تغيرت حياته فجأة من جراء الحادث ولم يعد بإمكانه مواصلة عمله وانتهى فجأة العالم الذي ألفه وعرفه طيلة حياته.

في عام 2017، أحيل أسامة إلى مركز إعادة التأهيل البدني التابع للجنة الدولية. كانت استعادة القدرة على المشي حلمًا بعيد المنال بالنسبة له، ولكن مع وجود طرف اصطناعي وإعادة التأهيل المستمرة، خطى أسامة من جديد أولى خطواته نحو الحياة.

في عام 2018، انضم أسامة إلى اللجنة الدولية مساعدًا فنيًا في مجال الأطراف الاصطناعية. كان في السابق يعمل في تشكيل الأخشاب، أما الآن فهو يقدم خدمات للمتضررين فيوفر لهم أطراف اصطناعية لراحتهم وتحسين قدرتهم على الحركة واستعادة كرامتهم.

يقول أسامة: "أفضل لحظة بالنسبة لي هي عندما يستعيد المريض قدرته على المشي فتجري على لسانه كلمات الشكر. دعواتهم أغلى عندي من كل شيء."

أسامة متزوج وله ابنة يفيض قلبه بحبها. ذات يوم التقى مصابًا فقد أطرافه العلوية والسفلية لكنه مستمر في المضي قدمًا في حياته، فكان هذا اللقاء سببًا في تغيير نظرته إلى الحياة.

"في ذلك اليوم، لم أعد أرى الإعاقة نهايةً، بل بدايةً."

واليوم، يشجع أسامة غيره على الانضمام إلى العمل الإنساني: "هذا العمل يساعد على شفاء الآخرين، ويشفينا نحن أيضًا."

Ousama, a prosthetics technician in teal scrubs carefully adjusts a lower-limb prosthetic socket in a workshop. He works with focused attention, using tools on a workbench surrounded by equipment and materials.
صورة بعدسة سنا طرابيشي/ICRC
صورة بعدسة سنا طرابيشي/ICRC

المضي قدمًا على دراجة نارية: قصة خالد

في القامشلي، فقد خالد، البالغ من العمر 35 عامًا، ساقه في حادث سير قبل سنوات. وحصل مؤخرًا على طرف اصطناعي من برنامج إعادة التأهيل البدني التابع للجنة الدولية في مشفى القامشلي الوطني.

وبعد أن استعاد قدرته على الحركة تجددت ثقته بنفسه. واليوم، يقود دراجته النارية بسهولة، ويمشي بثبات، ويؤدي مهامه اليومية دون صعوبة.

كثيرًا ما يفاجأ الناس عندما يعلمون أنه يسير بطرف اصطناعي، وهو أمر يملؤه بالفخر.

التقطت صورة خالد من زوايا تحترم رغبته في عدم إظهار وجهه وتبرز انتصاراته اليومية التي غالبًا ما تمر دون أن تلفت الانتباه.

Khaled, a man with a lower-limb prosthesis, practices walking between parallel bars during a rehabilitation session. An ICRC staff member in a red vest stands beside him, observing and providing support in the bright training room.
صورة بعدسة ديمان أمين
صورة بعدسة ديمان أمين

قاسم مشترك: الأمل

تختلف قصص جمعة وسندس وأسامة وخالد عن بعضها البعض، لكنها تتميز بقواسم مشتركة، هي:

العزم على النهوض من جديد، وإعادة بناء حياتهم، واستعادة استقلاليتهم.

من خلال إعادة التأهيل البدني، والدعم النفسي، والتزام فرق العمل المتفانية، مضى كلٌّ منهم قُدمًا، سواء بأطراف اصطناعية أو على كرسي متحرك، نحو حياةٍ يسعون فيها وراء أهدافهم واستغلال إمكاناتهم.

 تُذكّرنا قصصهم بأن التعافي لا يُقاس بما فُقِد، بل بالقوة التي اكتسبوها على طول الطريق.

دعم اللجنة الدولية لإعادة التأهيل البدني في سوريا

تقدم اللجنة الدولية إعادة تأهيل بدني شامل ودعمًا نفسيًا واجتماعيًا لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة على استعادة قدرتهم على الحركة وكرامتهم وثقتهم بأنفسهم، من خلال مراكز متخصصة في جميع أنحاء سوريا، عبر تعاون وثيق مع الهلال الأحمر العربي السوري والسلطات الصحية الوطنية:

  • مركز إعادة التأهيل البدني التابع للجنة الدولية – حلب
  • مركز إعادة التأهيل البدني في شبعا - الهلال الأحمر العربي السوري
  • مركز الأطراف الاصطناعية - مديرية صحة حمص
  • وحدة إعادة التأهيل البدني في مشفى الشعب – القامشلي
  • مركز إعادة التأهيل البدني في مشفى الهول - الحسكة

كما تُعزز اللجنة الدولية قدرة سوريا على إعادة التأهيل البدني على المدى البعيد من خلال دعم مقدمي خدمات العلاج الطبيعي المحليين من خلال التدريب العملي والتوجيه وتبادل المعرفة وأفضل الممارسات.

بالإضافة إلى ذلك، تدعم اللجنة الدولية المؤسسات التعليمية، مثل المعهد التقاني الصحي، من خلال تدريب المعلمين والفنيين المحليين في مجال الأطراف الاصطناعية وتقويم العظام لبناء قوة عاملة ماهرة بقيادة سورية. 

منذ بداية عام 2025، دعمت اللجنة الدولية:

  • 3137 شخصًا من ذوي الإعاقة بخدمات إعادة التأهيل البدني
  • 925 شخصًا من ذوي الإعاقة بالدعم النفسي والاجتماعي
  • 8881 جلسة علاج طبيعي
  • 122 متخصصًا في إعادة التأهيل ومدربًا فنيًا من خلال مبادرات بناء القدرات