مقال

موسمٌ تغيّرت ملامحه: واقع المزارعين الفلسطينيين وتحديات موسم قطف الزيتون لعام ٢٠٢٥

A member of the ICRC working with Palestinian farmers during a previous olive harvest season in the Sinjel village of the West Bank.

لطالما كان موسم قطف الزيتون في الضفة الغربية المحتلة مناسبة فرح وتقليداً عزيزاً على المزارعين الفلسطينيين. فمع كل صباح، كانوا يجمعون أدواتهم ويسلكون طرق التلال والوديان المشمسة للوصول إلى بساتينهم. مئات المزارعين - وأحياناً أصدقاؤهم وأفراد عائلاتهم – كانوا ينتقلون من شجرة إلى أخرى لساعات طويلة، يجمعون ثمار الزيتون بكل إخلاص، ثم يأخذونها إلى المعاصر للحصول على الزيت الذهبي. هذا الزيت ليس مجرد عنصر أساسي على المائدة الفلسطينية، بل يمثّل مصدر رزق حيوي لكثير من العائلات.

لكن موسم هذا العام جاء مثقلاً بالتحديات. فقد تراجعت القدرة على الوصول إلى الأراضي الزراعية، وتزايدت المخاوف على سلامة المزارعين، وترافقت هذه الظروف مع قيود شديدة على الحركة، لتجعل من أجواء الاحتفال التي اعتادها الناس شيئاً بعيد المنال.

وينطبق ذلك بشكل خاص على قرية المغيّر، التي شهدت في آب/أغسطس عملية عسكرية إسرائيلية شملت اقتلاع آلاف أشجار الزيتون، علماً بأنها مصدر الدخل الأساسي لأهالي القرية.

يقول أبو وحيد، عضو مجلس قرية المغيّر: "كان لدينا أكثر من 10,000 شجرة، تُنتج ما يقارب 40,000لتر من الزيت". ويضيف: "لا يُسمح لنا بإعادة زراعة ما اقتُلِع. ولا حتى بالوصول إلى أراضينا".

Abu Wahid standing in front of a plot of land where thousands of olive trees were uprooted.
تصوير: اللجنة الدولية
تصوير: اللجنة الدولية

أبو وحيد يقف أمام قطعة أرضٍ اقتلعت منها آلاف أشجار الزيتون.

في كل موسم، يتوجه المتطوعون إلى مجلس القرية لتقديم الدعم خلال موسم الحصاد. لكن هذا العام كان مختلفاً، فما تبقّى من الزيتون لا يكاد يكفي. وكان أكرم كمال، صاحب معصرة زيتون المغيّر، أحد أهالي القرية المتضررين بشكل مباشر من اقتلاع الأشجار.

يقول كمال: "اقتلعوا 1,600شجرة من أشجاري، وهناك آلاف الشجرات الأخرى التي لم أعد أستطيع الوصول إليها". وأضاف: "اليوم، نضطر لشراء الزيتون من قرى أخرى لتشغيل المعصرة، بعدما كنا ننتج 40,000 لتر من الزيت سنوياً".

كانت معصرة كمال توفّر أكثر من 30 فرصة عمل خلال موسم الحصاد. لكن بعد اقتلاع آلاف الأشجار وصعوبة الوصول إلى مساحات واسعة من أراضي القرية، لم يعد بإمكانه تشغيل سوى عامل واحد فقط هذا الموسم.

Akram Na’asan (Kamal) used to run the Mughayyir’s only oil press is unable to sustain it after the village lost most of its olive trees.
تصوير: اللجنة الدولية
تصوير: اللجنة الدولية

أكرم نعسان (كمال)، الذي يدير معصرة الزيت الوحيدة في قرية المغير، لم يعد قادراً على الاستمرار في العمل بعد أن فقدت القرية معظم أشجار الزيتون.

على مدار سنوات، قدّمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) دعماً متواصلاً لمزارعي الزيتون ، وشهد موظفوها التأثير المباشر لتراجع إنتاجية الزيتون.

تقول فانيسا بارادا، قائدة الفريق الميداني للجنة الدولية في وسط الضفة الغربية: "لقد لمسنا الأثر العميق لعدم قدرة المزارعين على الوصول إلى أراضيهم، وللضرر الذي لحق بأشجارهم. فالأمر لا يقتصر على تدمير سبل عيشهم فحسب، بل يطال حياة مجتمعات محيطة بأكملها".

A member of the ICRC working with Palestinian farmers during a previous olive harvest season in the Sinjel village of the West Bank.
تصوير: اللجنة الدولية
تصوير: اللجنة الدولية

.تعاون اللجنة الدولية مع مزارعين فلسطينيين خلال أحد مواسم قطف الزيتون الماضية في قرية سنجل بالضفة الغربية

إلى الغرب من المغيّر تقع قرية سنجل، المحاطة بسياج معدني مرتفع. يواجه مزارعو هذه البلدة أيضاً موسماً صعباً. مروح عبد الحق، الذي تعرض لاعتداءات مستوطنين عدة مرات، كان يملك أرضاً تبلغ مساحتها نحو 20 دونماً، ولكنه وللسنة الثالثة على التوالي عاجز عن الوصول إليها.

يقول عبد الحق: "لا يقتصر دور المزارع على قطف الزيتون، بل عليه أن يرعى الأشجار ويهتمّ بها طوال العام. يجب أن تكون علاقتك بالأرض مستمرة، لا موسمية، وعلى المزارع أن يبقى على تواصل دائم بأشجاره".

ومع امتلاكه نحو 150 شجرة زيتون، يضيف عبد الحق أنه ورث هذه الأرض عن والده، ويرى نفسه مسؤولاً عن الحفاظ عليها لتوريثها لأحفاده.

Mraweh Abdelhaqq had farmed his lands for decades before being unable to reach them today.
تصوير: اللجنة الدولية
تصوير: اللجنة الدولية

كان مروح عبد الحق يزرع أراضيه لعقود قبل أن يعجز عن الوصول إليها اليوم.

يقول عبد الحق وهو يستذكر مواسم الحصاد القديمة بحنين: "كنا نعتبره مهرجاناً عائلياً. تأخذ عائلتك وتذهب إلى الأرض، فتشعر وتشعر أنك مزارع فلسطيني متمسك بأرضه".

أصبحت تلك الأيام ذكرى بعيدة المنال بالنسبة له.

ثم يتابع بأسى: "عندما تزور الشجرة، تعرف كل تفاصيلها. لكن أن تبقى منعزلاً عنها ثلاث سنوات... هذا يرهق الروح، وتشعر بالعجز لأنه لا يمكنك فعل شيء".

تقدّم اللجنة الدولية دعماً متنوعاً للمزارعين في الضفة الغربية. ففي سنجل، وفّرنا مصائد بيولوجية لـ 118 مزارعاً. وفي الأغوار، قدّمنا دعماً فنياً ومادياً لمجلس قرية عين البيضا لتحسين وصول 1,750مزارعاً للكهرباء. كما دعمنا أكثر من 31,000 مزارع فلسطيني في الضفة الغربية من خلال مساعدة سلطة المياه الفلسطينية على تحسين الوصول إلى المياه في مناطق عدة من الضفة الغربية.