المؤتمر السادس للدول الأطراف في معاهدة تجارة الأسلحة
ألقت جائحة كوفيد-19 بظلالها على مؤتمر الدول الأطراف في معاهدة تجارة الأسلحة هذا العام، ما حالَ دون اجتماعنا وجهًا لوجه، مع الأسف. وأودّ أن أتقدم بشكر خاص إلى رئيس المؤتمر، السيد السفير "فيديريكو فيليغاس" من الأرجنتين، وأصحاب المناصب بمعاهدة تجارة الأسلحة وأمانتها على جهودهم المبذولة للنهوض بالعمل المهم لهذه المعاهدة في أثناء العملية التحضيرية، رغم الظروف الشديدة الصعوبة.
من خلال عملها على الخطوط الأمامية للنزاعات المسلحة، تشهد اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) كيف تتفاقم معاناة الإنسان من جراء وفرة الأسلحة على نطاق واسع مع اجتماعها بجائحة كوفيد-19، وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا للحياة في البلدان التي مزقت الحروب أوصالها. نجَمَ عن ذلك ظهور احتياجات إنسانية جديدة وتفاقُم المخاطر المتعلقة بالحماية الموجودة مسبقًا. فالرجال والنساء والأطفال في المناطق التي تقع في مرمى النيران في البلدان التي دمرتها الحرب مستضعَفون على نحو خاص أمام الجائحة الحالية التي فرضت أيضًا ضغطًا إضافيًا على مقدمي الرعاية الصحية والبنى التحتية.
في نيسان/أبريل، كانت المستشفيات التي تدعمها اللجنة الدولية في جنوب السودان قد وصلت إلى أقصى طاقة استيعابية لها بالفعل بسبب زيادة عدد المصابين بطلقات نارية. وبعد سنوات عديدة من النزاع المسلح، بات نصف المرافق الطبية في سورية واليمن متوقفًا عن العمل، ما جعل منظومتي الرعاية الصحية فيهما أضعفَ من أن تستجيب بفعالية لمواجهة الجائحة. ويتسبب العنف المسلح المستمر بل والهجمات المباشرة على الرعاية الصحية، مثل تلك التي حدثت قبل بضعة أسابيع في أفغانستان، في الحد من الوصول إلى الرعاية الصحية المنقِذة للحياة أو إعاقتها أصلًا.
وفي ظل النزاعات المسلحة الممتدة وحالات العنف الأخرى في أجزاء عديدة من إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وآسيا، يساورني القلق بشأن استمرار تأجيج الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان بسبب الإمداد المستمر بالأسلحة والذخيرة التقليدية. ولأجل الحيلولة دون وقوع هذه الانتهاكات تحديدًا وُضعت معاهدة تجارة الأسلحة، من خلال تأسيس معيار عالمي لعمليات نقل مسؤولة للأسلحة. إن المعاناة الإنسانية الهائلة التي نشهدها كل يوم في النزاعات في جميع أنحاء العالم تفرض ضرورة قصوى على جميع الدول بالانضمام إلى معاهدة تجارة الأسلحة وتنفيذ متطلباتها بأمانة وفقًا لأعلى المعايير.
وتثلج صدري التطورات الأخيرة بانضمام المزيد من الدول إلى معاهدة تجارة الأسلحة. وأتوجه بتهنئتي بالأخص للدول الخمس التي انضمت للمعاهدة منذ المؤتمر الأخير للدول الأطراف، وهي أفغانستان والصين وجزر المالديف وناميبيا ونيوي وساو تومي وبرينسيب.
وتشهد العضوية المتزايدة والمتنوعة في معاهدة تجارة الأسلحة على امتداد أثرها العالمي، فجميع الدول تتأثر بتجارة الأسلحة التي لا تخضع لسيطرة ملائمة؛ لأنها تغذي النزاع وانعدام الأمن، ما ينجم عنه النزوح عبر البلدان وداخل حدودها، وزعزعة استقرار مناطق بأكملها.
واليوم، لم يبق سوى أربع دول من بين أكبر 25 دولة مصدرة للأسلحة التقليدية خارج معاهدة تجارة الأسلحة. إن مشاركة كبار مصدري الأسلحة ومستورديها تُظهر أن السعي وراء تجارة مسؤولة للأسلحة يتوافق مع أهداف الاقتصاد والسياسة الخارجية والأمن.
وواقع الأمر أنه إذا كان للتاريخ الحديث أن يعلمنا شيئًا فهو أن إمدادات الأسلحة، التي تيسّر الانتهاكات الخطيرة بحق القانون الدولي الإنساني أو قانون حقوق الإنسان، لا تعزز السلام ولا الأمن. ويجب أن يكون التخفيف من المعاناة الإنسانية هو الاعتبار الأساسي في جميع قرارات نقل الأسلحة.
وأحثّ الدول الإحدى والثلاثين المتبقية، التي وقعت على المعاهدة، على التصديق عليها بسرعة وأدعو جميع الدول من غير الأطراف إلى الانضمام إلى هذه المعاهدة الحاسمة في أقرب فرصة. ويمكن أن تقدم اللجنة الدولية الدعم التقني لمساعدة الدول في عملية التصديق.
إن معاهدة تجارة الأسلحة أداةٌ عملية لتقليل الكلفة البشرية للحرب. ولكن لا يمكنها الوفاء بوعودها إلا إذا نفذت الدول الأطراف التزاماتها المنصوص عليها فيها بأمانة، بما يتماشى مع هدفها الإنساني. وفي هذا الصدد لا يزال يساورني قلق بالغ إزاء التفاوت الواضح بين التزام المعاهدة بكفالة احترام القانون الدولي الإنساني في قرارات نقل الأسلحة من ناحية وممارسات نقل الأسلحة في العديد من الدول من ناحية أخرى، ما قد يدعو إلى التشكيك في مصداقية المعاهدة وفعاليتها.
تهدف المعايير الصارمة للمادتين 6 و7 من المعاهدة إلى كفالة ألّا ينتهي الأمر بالأسلحة في أيدي من قد يستخدمونها لارتكاب انتهاكات خطيرة بحق القانون الدولي الإنساني أو قانون حقوق الإنسان أو ارتكاب أعمال عنف خطيرة على أساس النوع الاجتماعي. ويجب على جميع صانعي القرار، بما في ذلك رفيعو المستوى، تطبيقَ هاتين المادتين بطريقة متسقة وموضوعية وغير تمييزية.
إن تقييم مخاطر الانتهاكات ليست مهمة هينة. وقد قدمت اللجنة الدولية إرشادات للدول في هذا الصدد، لا سيما في "قرارات نقل الأسلحة - دليل عملي"، الذي يقدم مؤشرات لتقييم مخاطر استغلال عمليات نقل الأسلحة في انتهاك القانون الدولي الإنساني أو قانون حقوق الإنسان. واللجنة الدولية على استعداد للمساعدة، في نطاق مهمتها وسياساتها وخبرتها، في الجهود المبذولة لتنفيذ المعاهدة على أعلى مستوى ممكن.
ومن المهم تبادل الخبرات العملية في تنفيذ المعاهدة، بما في ذلك التبادل المفتوح بشأن كيف تُقيَّم المخاطر عمليًا، والتدابير الأخرى المتخذة للسيطرة على عمليات نقل الأسلحة والتخفيف من آثارها ومنع تحويل وجهة الأسلحة، لكفالة الشفافية في تجارة الأسلحة – وهو أحد الأغراض الرئيسية لهذه المعاهدة. يُظهر المستوى القوي للانفتاح ورفع التقارير الكاملة والدقيقة والشفافة في الوقت المناسب عن تنفيذ معاهدة تجارة الأسلحة التزامَ الدول الأطراف بتجارة أسلحة مسؤولة. وهذا ضروري لبناء الثقة اللازمة لنجاح المعاهدة.
في وقت الأزمات، نرى بوضوح نقاط الضعف في أنظمتنا العالمية أكثر مما نراها في غيرها من الأوقات. فانتشار كوفيد-19 على مستوى العالم يكشف بصورة مؤلمة كيف تشكل هشاشةُ السياقات المتضررة من النزاعات المسلحة وحالات العنف الأخرى خطرًا على الجميع.
وتؤكد الجائحة ضرورة تخفيف المخاطر الصحية ومنعها، عن طريق معالجة نقاط الضعف الأساسية ومشاكل المنظومة. كما تدعونا الجائحة إلى إعادة النظر في الدور والقيمة المنسوبين إلى الأسلحة في تأمين صحة البشر ورفاههم. ففي خضم المعاناة وانعدام اليقين الناجمين عن هذه الجائحة، من المثير للقلق أن الموارد الثمينة لا تزال تُهدَر في مراكمة الأسلحة بينما الحاجة إليها ماسَّة من أجل الرعاية الصحية والمساعدة الإنسانية.
وتمثل الأزمة الصحية الحالية فرصة استثنائية لبناء منظومات صحية أقوى بجهد جماعي وعالَمٍ أكثر استدامة وصمودًا. وتتطلب المخاطر العالمية استجابة عالمية وتضامنًا عالميًا. وتعتبر الآليات المتعددة الأطراف الرامية إلى الحد من انتشار الأسلحة وأثرها - مثل معاهدة تجارة الأسلحة - ضرورية للتصدي للمشاكل الإنسانية التي لا يمكن لأي دولة أن تواجهها بمفردها.