يسلط تقرير الأداء المقدم من الأمين العام للأمم المتحدة، السيد "أنطونيو غوتيريش"، بشأن حالة الحماية، الضوء على الانتهاكات الضخمة والإخفاقات الذريعة في حماية الرجال والنساء والأطفال حول العالم.
إن المجتمعات التي تحاصرها نيران النزاعات المسلحة تعاني صدمة تلو أخرى، وانتهاكًا تلو انتهاك، فتتآكل قدرتها على الصمود.
لشد ما أقلق على الناس: النازحين الذين تتزايد أعدادهم، ولا بارقة أمل في حل دائم يزيل محنتهم ويخرجهم من هذه الهوة. وملايين العائلات التي يضنيها بحث لا ينتهي عن المفقودين من أفرادها.
الفقراء في المناطق الحضرية، وكبار السن، والمحتجزين، والمهاجرين، واللاجئين، والنساء، والناجين من العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي، وذوي الإعاقة.
لشد ما أقلق على الأماكن والنظم المحطمة: مخيمات المهاجرين والنازحين والسجون التي تغيب الكرامة الإنسانية داخل أسوارها كما تغيب المياه النظيفة والصرف الصحي.
لشد ما تقلقني التهديدات الناشئة، من الانتشار المتسارع لخطاب الكراهية، والوصم على اختلاف أنواعه، وإساءة استخدام البيانات لقمع السكان أو السيطرة عليهم بدلاً من حمايتهم.
لشد ما يقلقني تقلص الحيز المتاح للعمل الإنساني المحايد وغير المتحيز والمستقل.
ولشد ما تقلقني سلوكيات الأطراف المتحاربة وداعميهم كافة: الانتهاكات بحق الحياة والكرامة الإنسانيتين من جراء التجاهل المتواصل للقانون الدولي الإنساني والأطر القانونية الدولية الأخرى، وتفسيرها بطريقة نفعية.
إنني أعرض هنا بصفة خاصة الآثار المدمرة التي تعصف بالمدنيين عند استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار واسعة النطاق في المناطق المأهولة بالسكان. فالموت والدمار اللذان تخلفهما الأسلحة المتفجرة الثقيلة يثيران تساؤلات جدية عن الامتثال للقانون الدولي الإنساني، ويدللان على الحاجة الملحة إلى تغيير السلوكيات بغية حماية المدنيين، ويشمل ذلك التغيير تجنب استخدام هذه الأسلحة في المناطق المأهولة.
أولى الخطوات الجيدة في هذا الصدد هو إصدار إعلان سياسي قوي وقاطع يلزم الدول باتخاذ إجراءات ملموسة في هذا الاتجاه. وتحقيقًا لهذه الغاية، تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على صياغة توصيات على مستوى السياسات والمستوى التنفيذي.
إن معاناة السكان على خطوط المواجهة تتفاقم بسبب الانقسامات في هذا المجلس حول المفاهيم الحاسمة للقانون الإنساني والعمل الإنساني، لا سيما الوصول إلى السكان المحتاجين.
وفي حين أن اللجنة الدولية تأخذ على عاتقها مسؤولية تقديم خدمات إنسانية محايدة وغير متحيزة باستقلالية وضمن الإطار القانوني لاتفاقيات جنيف، فإن مسؤوليتكم هي تسهيل الوصول إلى السكان المحتاجين.
إنكم ملزمون بالمبادرة إلى تسهيل الوصول، لا أن تعترضوا سبيل المنظمات الإنسانية بقدر هائل من العراقيل البيروقراطية والسياسية.
ليس مطلوبًا منكم أن تبلغوا المنظمات الإنسانية بمن هم في أمس الحاجة إلى المساعدة، لكن الأحرى بكم أن تدَعوا المنظمات الإنسانية المحايدة وغير المتحيزة تجري تقييمات للاحتياجات باستقلالية وشفافية كاملة.
وإذا كانت هناك انقسامات حول مدى حاجة أناس ما في سياق معين إلى المساعدة، فما أتوقعه من الدول هو السماح للعاملين في المجال الإنساني بتأدية مهامهم كإجراء احترازي افتراضي ما لم تمنع ذلك دواعٍ أمنية قاهرة.
لقد وُضعت القوانين الإنسانية الدولية، ومبادئها ومفاهيمها لغرض حماية الأشخاص، لا لتتخذ موقفًا من خصومكم السياسيين.
إنني ألتمس منكم أن تبنوا سياساتكم في هذا الصدد على القانون، فهو الأساس المعقول الوحيد لتحقيق توافق الآراء، والتمس منكم نبذ الخلافات السياسية عندما يتعلق الأمر بالمسائل الإنسانية.
أصحاب السعادة والمعالي،
إن أزمة كوفيد-19 تنذر بأن تتحول سريعًا إلى أزمة حماية.
يتعرض مقدمو المساعدة إلى الهجوم في وقت تمس فيه الحاجة إليهم. وتُستهدف النظم الصحية ويقع العاملون الصحيون ضحية الاعتداءات. فمنذ آذار/مارس من العام الجاري، سجلت اللجنة الدولية 208 هجمات ذات صلة بجائحة كوفيد-19 على قطاع الرعاية الصحية في أكثر من 13 بلدًا.
ستسبب الآثار الاجتماعية والاقتصادية موجات جديدة من اليأس، وتضع الناس الذين يواجهون الجوع والفقر في مرمى الاعتداءات والاستغلال.
وتشير استجابة الدول للجائحة بالبنان إلى خطر غياب الضوابط والتوازنات، التي يمكن أن تصبح التدابير الصحية العاجلة بدونها أدوات مؤذية تستهدف السيطرة على حركة السكان أو حجب الخدمات.
إن ما نخشاه هو احتمالية استبعاد بعض الجماعات، التي ربما تعتبر "معادية"، من مظلة التدابير المنقذة للحياة، فتوزيع اللقاحات، مثلاً، في الأماكن غير المستقرة والمتنازع عليها سيكون صعبًا، لكن لا بد من توفيرها للجميع بشكل عادل.
ثمة نقطة إيجابية هي أن الدول كثفت أيضًا جهودها استجابةً للجائحة، وطبقت سياسات أكثر إنسانية. وإذا كان هناك ما يدعو للتفاؤل في هذه الأزمة القاتمة، فهو مما أراه من إمكانية اتخاذ الأطراف الفاعلة إجراءات ستشعل شرارة تجديد الالتزام بدعم أنشطة الحماية الإنسانية.
فقد رأينا على سبيل المثال الإفراج عن الكثير من المحرومين من حريتهم بصورة آمنة، وقرارات تسوية أوضاع مهاجرين غير حاملين لوثائق لتمكينهم من الحصول على الرعاية الصحية، وإعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد.
ما يزال حاملو السلاح على تواصل مع اللجنة الدولية خلال الأزمة، حيث تلوح في الأفق فرص جديدة للحوار وإسداء المشورة:
بينما تستدعى قوات الشرطة والعسكريون للحفاظ على النظام العام، تواصل اللجنة الدولية التحاور مع قوات إنفاذ القانون العامة لضمان احترام القانون الدولي خلال مباشرة العمليات.
وفي إطار حوار موسع مع المئات من الجماعات المسلحة غير التابعة للدول حول العالم، تتواصل اللجنة مع علماء الإسلام وشيوخ السلفية في منطقة الساحل لاستصدار فتوى حول جائحة كوفيد-19، تقدم توجيهات حول احترام الموتى والبروتوكولات الصحية.
ولكم يسعدني أيضًا ما يلوح من إمكانية تبلور استجابات متعددة الأطراف ترمي إلى التأثير في السلوكيات. فقد انضم 40 من قادة العالم هذا الأسبوع إلى الدعوة التي وجهتها اللجنة الدولية إلى الحكومات للعمل معًا من أجل إيقاف الهجمات السيبرانية على القطاع الصحي.
أصحاب السعادة، لا مجال للتهوين من الوضع: فحالة الاستضعاف الشديد، التي تُعرض السكان في مناطق النزاع لصدمات متكررة، ترجع في معظمها إلى تجاهل الدول والأطراف المتحاربة الأخرى لالتزاماتها القانونية تجاه السكان في مناطق سيطرة كل منها على مدار سنوات طويلة.
يحمي القانون الدولي الإنساني أرواح المدنيين والخدمات الأساسية والبيئة الطبيعية. ويحظر التعذيب وإساءة المعاملة، كالاغتصاب والعنف الجنسي. ويحمي هؤلاء الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية، ويوفر كذلك حماية خاصة للخدمات الصحية والعاملين الصحيين. ويحمي السكان الذين يعيشون تحت الاحتلال، والمحتجزين والمفقودين والموتى وعائلاتهم، ويضع إعادة الروابط العائلية في صدارة الأولويات.
إن احترام - وكفالة احترام - القانون الدولي الإنساني في جميع الأحوال يحمي الأشخاص من آثار الحروب، ويدرأ عنهم موجات الصدمة اللاحقة، سواء أكانت صحية أو اقتصادية أو بيئية.
إننا ندعوكم إلى ضمان إيلاء مسألة حماية المدنيين أقصى درجات الاحترام خلال الاستجابة للظرف الراهن، سواء أكان الأمر تطبيق تدابير استثنائية استجابةً للطوارئ الصحية العامة، أو خلال سير الأعمال العدائية، أو في حالات الاضطرابات العامة.
كما ندعوكم إلى احترام كرامة وحقوق المحرومين من حريتهم، والموتى، وعائلات المفقودين.
نتفهم أن توافق الآراء صعب، لكن الحياة والكرامة الإنسانيتين لا يمكن أن تكونا ثمنًا لحالة التقاعس.
إن ما نلتمسه منكم هو اتخاذ موقف أقوى، قولاً وفعلاً، لتحسين السلوكيات في ساحات المعارك، وضمان احترام الحياة والكرامة الإنسانيتين دون استثناء.
شكرًا لكم.