أفغانستان: من ضحية للألغام الأرضية إلى أخصائي علاج طبيعي.. هكذا يٌنسج الأمل

أفغانستان: من ضحية للألغام الأرضية إلى أخصائي علاج طبيعي.. هكذا يٌنسج الأمل

مقال 11 شباط/فبراير 2019 أفغانستان

محمد ذبيح عرفاني شخصٌ مشغول. يعمل أخصائي علاج طبيعي في اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) ما يعني أنه يقضي أيامه في تيسير حياة ذوي الإعاقة – سواءً كان ذلك بالمساعدة بتزويدهم بأطراف اصطناعية وأجهزة التقويم وتدريب المرضى على المشي من جديد أو حثهم على التدريب. ويخبر ذبيح عرفاني كل مرضاه الذين يعانون الأمرين بأن قطار الحياة لا يتوقف وأن التحديات البدنية التي يواجهونها لا يمكن أن تشكل عائقًا يحط من معنوياتهم، وهو ما يؤمن به حقًا. والمرضى يدركون أن كلماته ليست فارغة عندما يرون يوميًا كيف تغيرت حياة أخصائي العلاج الطبيعي من ضحية للألغام الأرضية إلى منتصر.

فقصة حياة ذبيح عرفاني تروي حكاية أولئك الذين يعيشون في أفغانستان التي تمزقها النزاعات. لم يكن سوى مجرد صبي صغير عندما وطأ بقدميه على لغمٍ أرضيٍ كان مزروعًا على قارعة الطريق بمنطقة دار الأمان في المقاطعة 6 بمدينة كابول.

مدينتنا تسقط في قبضة المقاتلين.

يقول الشاب الذي يبلغ 30 ربيعًا: "كان هذا في عام 1998. اندلعت الكثير من المعارك وبات الوضع غير آمن. وبينما كنت أسير في الطريق برفقة أخي، وطأت قدمي لغمٍ أرضيٍ ومن هنا كانت قصتي كلها. عندما انفجر اللغم، فقدت ساقي وأصبت بجروحٍ خطيرةٍ في ساقي الأخرى. بعدها دخلت في غيبوبة."

عندما مرت بهما سيارة تعج بالمقاتلين، صرخ أخو ذبيح عرفاني طلبًا للمساعدة. طلب منهم نقل شقيقه المصاب إلى مستشفى "كارتي سي"، الذي تدعمه اللجنة الدولية. ويقول: "استغرق الأمر أسبوعًا لاستعادة وعيي. في هذه الأثناء، اضطر الأطباء إلى إجراء عملية جراحية لي. وما أن تعافيت من الغيبوبة وأدركت أنني فقدت أحد أطرافي، لم أستطع احتمال ذلك. لقد خرجت من المستشفى بعد 21 يومًا، لكنني كنت في حالة يرثى لها."

أُصيب ذبيح عرفاني بالاكتئاب لعدة أشهر وأحيل إلى أخصائي نفسي. ويقول: "قال الأطباء لوالدي إنني أعاني من توتر واكتئاب شديدين وأعطوني أدوية أفادت في تحسن حالتي كثيرًا".

لكن حدث تحول في حياته عند زيارته لمركز إعادة التأهيل البدني التابع للجنة الدولية في كابول بعد تركيب أطراف اصطناعية له. فهناك رأى العديد من الأشخاص الذين فقدوا أطرافًا مثله، وكانوا جميعًا يمارسون حياتهم بشكل طبيعي. ويضيف ذبيح عرفاني "أنا ممتن جدًا لألبرتو كايرو، مدير برنامج اللجنة الدولية لإعادة التأهيل البدني، الذي أخذني في جولة في المركز وشجعني. أراني الأطباء وكذلك المرضى الذين كانوا أسوأ حالًا مني بكثير لكنهم استعادوا عافيتهم".

ساعدتني رؤية المرضى الآخرين على بدء النظر إلى حالتي بشكل مختلف. 

لم يكن بوسع ذبيح عرفاني الذهاب إلى المدرسة بسبب حالته الصحية، ولذا أسّس محل بقالة صغير بالقرب من منزله. لكن بعد مضي عام، عاد إلى المدرسة وعمل بجد لإتمام تعليمه الأساسي. وبعد تخرجه، عاد إلى اللجنة الدولية سعياً للحصول على منحة نقدية. يقول ذبيح عرفاني: "تدخل السيد كايرو مجدداً واقترح أن أتلقى تدريبًا يؤهلني للعمل أخصائي علاج طبيعي، بل وعرض توظيفي في المركز".

فاق هذا كل ما كان يتخيله ذبيح لنفسه. قَبِل العرض وحصل على شهادة دبلوم في العلاج الطبيعي من جلال آباد بدعم من اللجنة الدولية. أتاح التدريب الذي استغرق ثلاث سنوات له تجارب جديدة ونسج أمله خطوة بخطوة. ويضيف قائلاً: "كذلك كونت الكثير من الصداقات أثناء التدريب. لقد اعتدنا على أن نسـتمتع بصحـبتنا معًا وساهم ذلك في تغيير نظرتي إلى الحياة".

وبعمله أخصائي علاج طبيعي مع اللجنة الدولية منذ 12 عاماً، فإن ذبيح عرفاني يجعل من حياته وتدريبه نقطة تحول في حياة الآخرين. فهو يلتقي في يومه العادي ما بين 15 و25 مريضًا.

معظمهم يشعر بالارتياح في الحديث معي وأشجعهم على ممارسة حياتهم الطبيعية.

اليأس الذي عاشه ذبيح عرفاني عندما كان طفلاً صغيراً ذهب إلى غير رجعة. فهو متزوج منذ 14 عامًا ولديه طفلين صغيرين، وحياته الآن مفعمة بالأمل. ويقول مفتخرًا والابتسامة مرسومة على وجهة: "ولداي يبلغان من العمر تسع سنوات وخمس سنوات وأنا أتطلع إلى مساعدتهما في الحصول على التعليم وتحيُّن أفضل الفرص في حياتهما".

وتدير اللجنة الدولية سبعة مراكز لإعادة التأهيل البدني في جميع أنحاء أفغانستان لمساعدة المرضى مثل ذبيح عرفاني على الوقوف على أقدامهم من جديد. لقد واصل العديد من الذين أصيبوا بإعاقات بسبب النزاع العنيف أو بسبب المرض إعادة بناء حياتهم والعمل في هذه المراكز كنماذج تبعث الأمل في نفوس الآخرين.