تاريخ اللجنة الدولية للصليب الأحمر

29 تشرين الأول/أكتوبر 2016

منذ نشأتها عام 1863، كان هدف اللجنة الدولية للصليب الأحمر الوحيد هو حماية ضحايا النزاعات المسلحة والاضطرابات ومساعدتهم . وذلك عن طريق عملها المباشر عبر أنحاء العالم، وكذلك من خلال تشجيع تطوير القانون الدولي الإنساني وتعزيز احترامه من قِبَل الحكومات وجميع حاملي السلاح. وتعكس قصة اللجنة الدولية تطور العمل الإنساني واتفاقيات جنيف وحركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر.

التأسيس

اجتمع الكيان الذي صار فيما بعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر في شباط/فبراير 1863 في جنيف بسويسرا. وكان أحدُ أعضائه الخمسة رجلاً من أهل المدينة يُدعى هنري دونان كان قد نشر في العام السابق كتاباً رائدا (تذكار سولفرينو) يدعو إلى تحسين العناية بالجنود الجرحى في زمن الحرب.

ومع نهاية العام كانت اللجنة قد جمعت ممثلي الحكومات من أجل الموافقة على اقتراح دونان بإنشاء جمعيات إغاثة وطنية تساند الخدمات الطبية العسكرية. وفي آب/أغسطس 1864، أقنعت اللجنة الحكومات باعتماد اتفاقية جنيف الأولى. وقد ألزمت هذه المعاهدة الجيوش العناية بالجنود الجرحى أياً كان الطرف الذي ينتمون إليه، كما اعتمدت شارة موحدة للخدمات الطبية: صليب أحمر على أرضية بيضاء.

وتمثّل الدور الرئيسي للجنة الدولية في التنسيق. ولكنها صارت بالتدريج أكثر انخراطاً في العمليات الميدانية مع ظهور الحاجة إلى وسيط محايد بين الأطراف المتحاربة. وعلى مدى السنوات الخمسين التالية وسعت اللجنة الدولية عملها بينما راحت الجمعيات الوطنية تنشأ (كانت أولاها في دولة "وورتنبرغ" الألمانية في تشرين الثاني/نوفمبر 1863) وتم تكييف اتفاقية جنيف بحيث تشمل القتال في البحار.

الحرب العالمية الأول، 1914-1918

مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، واستناداً إلى خبرتها في النزاعات الأخرى، أقامت اللجنة الدولية وكالة مركزية لأسرى الحرب في جنيف بغرض إعادة الروابط بين الجنود الواقعين في الأسر وعائلاتهم.

وواصلت اللجنة الدولية الابتكار: فقد نمت زياراتها إلى أسرى الحرب خلال تلك الفترة كما تدخلت في مجال استعمال الأسلحة التي تنجم عنها معاناة شديدة ـ وفي عام 1918 دعت اللجنة الدولية الأطراف المتحاربة إلى التخلي عن استعمال غاز الخردل. وفي العام نفسه زارت اللجنة الدولية السجناء السياسيين للمرة الأولى في المجر.

واضطلعت الجمعيات الوطنية ذاتها بتعبئة غير مسبوقة حيث راح المتطوعون يديرون خدمات الإسعاف في ميادين القتال ويقدمون الرعاية للجرحى في المستشفيات. وبالنسبة للصيب الأحمر في بلدان كثرة، كانت هذه هي ذروة تألقها.

1918- 1939

مع انتهاء الحرب، شعرت جمعيات وطنية كثيرة أن دور الصليب الأحمر يجب أن يتغير مع مجيء السلام والأمل في قيام نظام عالمي جديد. وفي عام 1919 أنشأت تلك الجمعيات رابطة جمعيات الصيب الأحمر، التي كان القصد منها أن تكون جهة التنسيق والدعم داخل الحركة في المستقبل. ولكن النزاعات المندلعة في العشرينات والثلاثينات أكدت الحاجة إلى وسيط محايد، وهكذا ظلت اللجنة الدولية نشطة ـ على نحو متزايد خارج أوروبا (إثيوبيا وأمريكا الجنوبية والشرق الأقصى) وفي الحروب الأهلية (ولا سيما في إسبانيا).

وأقنعت اللجنة الدولية الحكومات باعتماد اتفاقية جنيف جديدة عام 1929 لتوفير حماية أكبر لأسرى الحرب. ولكن اللجنة لم تستطع، رغم التهديدات الأوسع الجلية التي يطرحها القتال الحديث، أن تجعل الدول توافق على قوانين جديدة لحماية المدنيين في الوقت الملائم للحيلولة دون وقوع ما شهدته الحرب العالمية الثانية من أعمال وحشية.

الحرب العالمية الثانية، 1939-1945

شهدت الحرب العالمية الثانية توسعاً هائلاً في الأنشطة إذ راحت المنظمة تحاول العمل على مساعدة وحماية الضحايا على كلا الجانبين. وعملت اللجنة الدولية والرابطة معاً على إرسال إمدادات الإغاثة عبر أنحاء العالم، وصولاً إلى أسرى الحرب والمدنيين على السواء. وزار مندوبو الجنة الدولية أسرى الحرب في كافة أرجاء العالم وساعدوا في تبادل الملايين من رسائل الصليب الأحمر بين الأقارب. وعلى مدى سنوات بعد الحرب، تعاملت اللجنة الدولية مع طلبات الحصول على أخبار عن الأحباء المفقودين.

غير أن هذه الفترة شهدت أيضاً الفشل الأكبر للجنة الدولية وهو عدم اضطلاعها بتدابير لصالح ضحايا المحرقة وغيرهم من الفئات المضطهدة. ففي ظل افتقارها إلى أساس قانوني محدَّد وتقيّدها بإجراءاتها التقليدية وتكبّلها بروابطها بالمؤسسة السويسرية الحاكمة، عجزت اللجنة الدولية عن القيام بعمل حاسم أو عن الحديث علناً. وتُرك الأمر لمندوبين أفراد من اللجنة الدولية لعمل ما بوسعهم لإنقاذ مجموعات من اليهود.

منذ عام 1945

استمرت اللجنة الدولية منذ عام 1945 في حث الحكومات على تقوية القانون الدولي الإنساني واحترامه. وسعت اللجنة الدولية إلى معالجة الآثار الإنسانية للنزاعات التي وسمت النصف الثاني من القرن العشرين ـ اعتباراً من إسرائيل وفلسطين عام 1948.

وفي عام 1949، وبناء على مبادرة اللجنة الدولية، وافقت الدول على مراجعة اتفاقيات جنيف الثلاث القائمة (التي تغطي الجرحى والمرضى في الميدان، وضحايا الحرب في البحار، وأسرى الحرب) وإضافة اتفاقية رابعة: لحماية المدنيين تحت سلطة العدو. وتوفر الاتفاقيات التفويض الرئيسي للجنة الدولية في حالات النزاع المسلح.

وفي عام 1977، اعتُمد بروتوكولان إضافيان إلى الاتفاقيات، ينطبق أولهما على النزاعات المسلحة الدولية والثاني على النزاعات المسلحة غير الدولية ـ ومثّل هذا إنجازاً كبيراً. ووضع البروتوكولان أيضاً قواعد تتعلق بسير العمليات العدائية.