السادة الوزراء، الزملاء الأعزاء؛
بدايةً أُقدم هذا التقييم الصريح: في وطيس النزاعات الدائرة في كل أنحاء العالم، لا تزال الهجمات التي يتعرض لها العاملون في مجال الرعاية الصحية والمرافق الطبية مستمرة دون هوادة وليس لها إلا آثار كارثية على المدنيين.
وبعد مرور ثلاث سنوات على صدور قرار مجلس الأمن التاريخي رقم 2286 وتوصيات العمل المتعلقة به، فإن مؤشرات حدوث تغيير جاد على أرض الواقع تبدو نادرة.
ويُبلغ العاملون في المجال الصحي في مناطق الحروب عن الحقائق اليومية بشأن تعرض خدمات الرعاية الصحية لهجمات: إذ يتحدثون عن اقتحام مسلحين غرفَ الطوارئ، ومنع سيارات الإسعاف من المرور، وإجراءات بيروقراطية مطولة، ونقص حاد في المعدات – وجميعها تكلف الناس حياتهم.
وبخلاف الضرر الذي يلحق بالمرضى والعاملين في المجال الصحي والمرافق الطبية، فإن الوضع الراهن والذي يهدد الأرواح تتردد أصداؤه سلبًا حول مدى تأثير مجلس الأمن الذي أصدر هذا القرار التاريخي.
إن الوضع يبعث على القلق، مثلما صرح السيد مارك لوكوك، إذ إن استهداف الأطراف المتحاربة موظفي الإغاثة، الذي كان مُسلمًا به بوصفه مُحرمًا، بات يُرتكب بمنتهى الاستخفاف.
تأتي مناقشات اليوم التي تعقد على مستوًى رفيع في لحظة حاسمة نحتاج فيها إلى قيادة قوية وإرادة سياسية وإجراءات حازمة لإعادة ترسيخ هذه المحرمات.
وتمثل حماية البعثات الطبية جوهر القانون الدولي الإنساني وهي لبنة أساسية في بنيتنا الإنسانية: التي تقضي بأن أي شخص جريح أو مريض، بغض النظر عن كونه صديقًا أو عدوًا، له الحق في أن يعامل معاملة إنسانية؛ وأن تتوفر حماية خاصة لمقدمي الرعاية لهم.
تنصب هذه المبادئ العالمية في صميم الأخلاقيات المهنية الطبية، التي لا تتغير سواء كانت في إطار نزاع أو خلافه.
ولذا، فإن الاعتداء على مرافق الرعاية الصحية والعاملين بها هو اعتداء على المهنة بأسرها: سواءً حدث في باريس أو بيشاور أو برلين أو بغداد أو نيويورك أو نيامي.
فالعاملون في مجال الرعاية الصحية في شتى بقاع العالم يفهمون هذه الحقيقة؛ هم يدركون، كما يقولون، أن "أي هجوم على أحد منهم يمس الجميع".
دأبت اللجنة الدولية على بناء دوائر دولية معنية تجمع منظمات تمثل 30 مليون عامل في مجال الرعاية الصحية من شتى أنحاء العالم. وهذه المنظمات تحشد جهودها للمساعدة في التأثير على الممارسات العسكرية والقوانين الوطنية وتغييرها، وحماية المستشفيات على المستوى الوطني.
يلزمنا جميعًا لإجراء تغيير حقيقي مناصرة القضية واتخاذ إجراءات.
وفي هذا الإطار، تدعو اللجنة الدولية الدول كافة، في الذكرى السبعين لاعتماد اتفاقيات جنيف، إلى التأكيد من جديد على التزامها. ونطلب أن يتخطّى هذا مجرد الكلمات بأن تتخذ خطوات عملية.
لا يمكن التعامل مع مشكلات الصحة العامة الناجمة عن الحرب والعنف باعتبارها مشكلات صحية فحسب. إذ يتطلب تهيئة بيئة سياسية يمكن أن تزدهر فيها الحلول المهنية والأخلاقية، ويتعين إحداث تغيرات جوهرية في سلوك المتحاربين في النزاع والعنف.
يجب أن نكثف جهودنا المبذولة على الخطوط الأمامية للقتال لضمان احترام القانون:
- يجب احترام خدمات الرعاية الصحية أثناء النزاعات المسلحة في حيز للعمل الإنساني يتسم بالحياد، وألا تكون جزءًا من الاستراتيجيات العسكرية لإلحاق الهزيمة بالخصم؛
- لا بد من الكف عن استخدام الخطابات الرنانة والممارسات التي تُقصي الخصوم - على سبيل المثال أولئك الذين يوسمون بوصف "إرهابيون" - من الحصول على الخدمات الصحية الأساسية، وقد سبق أن ذكر السيد الوزير والسيد مارك هذه النقطة؛
- يَجِبُ أَلَّا يشوب اللوائح التنظيمية للصحة العامة اعتبارات سياسية وعسكرية؛
- المفاوضات بشأن حيز العمل الإنساني الذي يشمل تقديم خدمات رعاية صحية جيدة للجميع، استنادًا إلى الاحتياجات، أمر لا غنى عنه؛
- يشكل الاحترام المتزايد للقانون الدولي الإنساني من خلال الحوار والمشاركة الميدانية والضغوط الدبلوماسية عنصرًا بالغ الأهمية، بالنظر إلى الآثار الفادحة المترتبة على الأزمات الصحية في السياقاتٍ الهشة، ليس على الأفراد فقط ولكن على النظم الصحية بشكل عام.
وقد حددت اللجنة الدولية خمسة مجالات أولوية تتطلب من الدول بذل مزيد من الجهود على المدى الطويل.
يجب على الدول التي تحرص على تنفيذ القرار رقم 2286 أن تكون مثالًا يُحتذى، وأن تبدأ باعتماد تدابير في الداخل بشأن هذه المجالات:
أولًا، تعزيز العقيدة العسكرية وقواعد الاشتباك والممارسات، ولا سيما فيما يتعلق بالتحركات البرية، وعمليات التفتيش في المرافق الصحية، والعمليات العسكرية التي تُنفذ برًا أو بحرًا أو جوًا على مقربة من مرافق الرعاية الصحية.
يجب أن ينطبق هذا أيضا على ممارسة نفوذ على الشركاء والحلفاء: لضمان أخذ الاحتياطات الممكنة عند الهجوم على أهداف عسكرية في مناطق مأهولة بالسكان لتجنب إلحاق الضرر بالمرافق الطبية أو تقليصه إلى الحد الأدنى.
ثانيًا، وضع تشريعات وطنية لضمان إتاحة سبل الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية وتقديمها.
ينبغي أن تحدد الدول المجالات التي لا تفي فيها ممارساتها وقوانينها ولوائحها بالمعايير القانونية الدولية والخطوات العملية اللازمة لتأمين حصول السكان المتضررين من حالات الضعف والحرب والعنف على الرعاية الصحية.
ثالثًا، تدريب موظفي الرعاية الصحية ودعمهم وتأهب مرافق الرعاية الصحية. يتضمن ذلك قدرات للتفاوض على حيز العمل الإنساني بواسطة العاملين في الخطوط الأمامية، ولضمان فهم الجميع في ميادين النزاع التحديات الخاصة للبعثة الطبية فهمًا جيدًا.
رابعًا، جمع أدلة علمية قوية لاستحداث أدوات أفضل لمنع حدوث العنف والتخفيف من آثاره.
لن ننجح في إحراز تقدم إذا فشلنا في إشراك مجتمعات الرعاية الصحية المتضررة. وهذا هو السبب الذي يجعل اللجنة الدولية تعمل مع الباحثين في مجال الصحة العامة وحكومات المدن ووزارات الصحة والجمعيات الطبية الوطنية لفهم الواقع الذي يعيشه المتضررون فهمًا متعمقًا.
خامسًا، إدخال تغييرات في السياسات والسلوكيات لإعادة التأكيد على سلامة البعثة الطبية، وإعطاء الأولوية للأخلاقيات الطبية، لمنع ازدواجية المعايير - حتى في الظروف الأشد صعوبة – للترسيخ من جديد بأن العنف ضد الرعاية الصحية من المحرمات.
السادة الوزراء، الزملاء الأعزاء،
ليس للهجمات على الرعاية الصحية آثارًا سلبية على الأفراد في مناطق النزاع المسلح والعنف فحسب، فالمشاكل التي نواجهها اليوم لها آثار سلبية على النظم الصحية بشكل عام ولا تنحصر داخل الحدود الوطنية، إذ باتت قضايا ذات اهتمام إقليمي وعالمي.
إن انتشار عدم احترام خدمات الرعاية الصحية على نطاق واسع أصبح مشكلة تمس الصحة على مستوى العالم ومشكلة أمنيةً عالميةً كذلك. ومن ثم، فإنها تتطلب مزيدا من الاهتمام المستمر من أعضاء مجلس الأمن، بشكل فردي وجماعي، ومن المجتمع الدولي بأسره.
شكرًا لكم.