أصحاب السعادة ، الزملاء الأعزاء،
أبشع عواقب الحروب تلك التي لا نستطيع رؤيتها، خاصةً عندما تكون الصدمات غير مرئية ، ويتم التغاضي عنها، أو تجاهلها أو عدم اعتبارها من الأولويات.
ربما يبدو هذا الأمر أكثر وضوحًا عندما يتعلق بالمسألة الحرجة الخاصة بالأشخاص المفقودين. ففي كل يوم يختفي أناس بسبب النزاعات أو العنف أو الكوارث أو أثناء الهجرة.
اليوم، ونحن نركز على قضية الأشخاص المفقودين في النزاعات المسلحة، ينبغي علي أن أبلغكم بأن اللجنة الدولية قد لاحظت زيادة مثيرة للقلق في حالات الاختفاء في السنوات الأخيرة.
ففي عام 2018 وحده، تم تسجيل أكثر من 45000 حالة جديدة من قبل الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية – وهي عبارة عن كيان محايد مُفوض بموجب اتفاقيات جنيف. نعلم أن هذا الرقم ما هو إلا غيضٌ من فيض ولا يعكس الحجم الحقيقي للمشكلة ولا ينصف معاناة كل عائلة.
وفي هذا المقام يطيب لنا أن نتوجه بالشكر لدولة الكويت لمبادرتها في طرح هذا النقاش. ترحب اللجنة الدولية للصليب الأحمر باعتماد هذا القرار باعتباره القرار الأول المكرس بالكامل للأشخاص المفقودين في النزاعات ، وتثني على التزام مجلس الأمن بهذه القضية.
ففي كل مرة يصبح فيها شخص ما في عداد المفقودين، تصبح الأسر في انتظار إجابات ويتقاذفها الأمل واليأس، لدى تذكرها للذكرى الأولى أو الثانية أو العاشرة للاختفاء.
إن صدمة الخسارة المُكتنفة بالغموض هي واحدة من أعمق جروح الحرب. فالألم يتغلغل في المجتمعات بأكملها، ويستمر لعقود من الزمن حاجباً المجتمعات من التغلب على المعاناة.
إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر شاهد يومي على مثل هذه المعاناة، حيث يتم الاتصال بفرقنا بشكل متكرر طلبا للمساعدة من قبل أمهات يبحثن عن أبنائهن أو أزواج يبحثون عن زوجاتهم.
في بعض الأحيان، توجد إجابات: ففي كل دقيقة، تساعد اللجنة الدولية عائلة تفرقت من جراء النزاعات في الاتصال ببعضها البعض.
ومع ذلك ، لا زال هنالك الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به. فلو كانت أطراف النزاعات تعمل على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالبحث عن المفقودين، ولو كانت تتعامل مع جثث الموتى بشكل منهجي يكفل احترام كرامتها؛ لأصبح العثور على الأشخاص المفقودين ممكنا، ولتسنى التعرف على الرفات البشرية مما يساهم في إيجاد إجابات حول المفقودين.
لدينا الإطار القانوني الكفيل بذلك: ألا وهو القانون الدولي الإنساني الذي هو بمثابة نبراس يوجهنا حول الحيلولة دون اختفاء المدنيين من جراء النزاعات المسلحة وينصَ على توضيح مصيرهم واستجلاء مكان وجودهم.
ونملك الخبرة العملية في هذا المجال: من حيث الحيلولة دون انفصال الأسر (على سبيل المثال أثناء عمليات الإجلاء)، وتسجيل جميع الأشخاص المحرومين من حريتهم أو إصدار بطاقات التعريف بالهوية للقوات المسلحة، كلها خطوات ملموسة يمكن اتخاذها اليوم.
المطلوب هو إرادة سياسية وتعاون أقوى. هذا واضح تمام الوضوح للجنة الدولية: بصفتها راعية للقانون الدولي الإنساني، حيث أنها تملك خبرة تمتد لعقود من الزمن في العمل مع أطراف النزاعات للعثور على المفقودين.
يتدرج عمل اللجنة الدولية بين رئاسة آليات التنسيق، وتقديم المشورة بشأن القوانين والسياسات الوطنية ، إلى تسجيل المحتجزين ، وتقديم الدعم للعائلات، وتقديم الخبرة الفنية في مجال الطب الشرعي.
لقد رأينا ما يمكن تحقيقه من خلال الإرادة السياسية والتعاون. ومن الأمثلة البارزة على ذلك الاتفاق على تحديد هوية رفات الجنود المجهولين الضالعين في نزاع جزر فوكلاند / مالفيناس. ونلاحظ أيضا الجهود المشتركة للجنة الثلاثية الناتجة عن حرب الخليج لاستعادة الرفات في جنوب العراق في الأسابيع القليلة الماضية فقط. توفر هذه الانجازات الباهرة أملاً هائلاً للعائلات التي انتظرت عقودا من الزمن للحصول على إجابات.
تشكل حروب اليوم تحديات جديدة ، ولكنها أيضًا فرصًا جديدة للبحث عن الأشخاص المفقودين. وبينما لا تزال القضية معقدة، إلا أن مجموعة كبيرة من المصادر الجديدة للمعلومات تتوفر الآن مما يعمل على تسهيل البحث. بينما تستعد الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية للاحتفال بمرور 150 عامًا على تأسيسها وخدماتها في العام المقبل، نعمل على تحديث مناهجنا، بما في ذلك الاستثمار في تقنيات البحث المُحسنة مثل التعرف على الهوية عن طريق الوجه.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مجموعة متزايدة من الخبرات والتجارب، بما في ذلك في مجال الطب الشرعي، لتحسين أساليب الوقاية والاستجابة. تقوم اللجنة الدولية ببناء منظومة من الممارسات، وتتواصل من خلال مشروع الأشخاص المفقودين مع الخبراء، والممارسين، والمنظمات الدولية وغير الحكومية، ومؤسسات الدولة، والعائلات لتحديد أفضل الممارسات ووضع توصيات تقنية لتنسيق جهودنا.
من الواضح لنا أن الطريقة التي تُعالج بها قضية الأشخاص المفقودين أثناء النزاعات وبعدها يمكن أن تحدد حجم المشكلة وتداعياتها على المجتمعات والعلاقات المستقبلية بين أطراف النزاعات.
من الهام جدًا بمكان: معالجة حالات المفقودين دون تمييز – المفقودون وعائلاتهم ليسوا مضمارا للمساومة.
زملائي الأعزاء،
أحث الدول الأعضاء – فيما يتعلق بتنفيذ قرار اليوم وما بعده - على اعتماد هذه الخطوات الأربع:
أولاً ، يجب على الدول والأطراف في النزاعات المسلحة احترام وضمان احترام القانون الإنساني الدولي في عملياتها. يجب أن تتمسك بحق العائلات في معرفة مصير أحبائهم، وضمان حماية المدنيين، وضمان عدم "اختفاء" أي شخص في خضم النزاعات المسلحة نتيجة للعمليات القتالية أو بعد الاعتقال ؛ وضمان الإدارة المنهجية والكريمة لجثث الموتى.
وندعو ، على وجه الخصوص ، أطراف النزاعات إلى تمكين اللجنة الدولية للصليب الأحمر من الوصول إلى مرافق الاحتجاز وتسهيل الاتصال العائلي. ستساهم هذه الخطوة المهمة إلى حد كبير في الحيلولة دون اختفاء المحتجزين.
ثانيا ، يجب على الدول أن تضع تدابير وقائية. فبدون اتخاذ إجراءات مبكرة، سيُضاعف العمل لاستجلاء مصير المفقودين، وكذلك معاناة عائلاتهم، والدعم المستقبلي اللازم لتلبية احتياجاتهم.
لا تبدأ الالتزامات بعد انتهاء العمليات القتالية.
ثالثا ، يجب أن تكون قضية المفقودين أولا وقبل كل شيء ذات طابع إنساني وليست جزءا من الأجندات السياسية وعمليات المساءلة.
يجب على الدول معالجة حالات المفقودين دون تمييز. ففي الكثير من الأحيان ، نرى تلاعبًا سياسيًا بهذه المسألة ، أو تعرُض عائلات الأعداء السابقين للوصم أو حجبهم عن الخدمات.
رابعا ، يجب على الدول أن تدعم العمل الإنساني المهني المحايد وغير المتحيز بشأن قضية المفقودين.
من خلال خبرائكم ومؤسساتكم الفنية ، يمكنكم ضم جهودكم إلى جهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات المحلية والدولية لدعم إنشاء منظومة عالمية من الممارسات والتوصيات والمعايير الفنية المعترف بها عالمياً.
زملائي الأعزاء ، نحن بحاجة ماسَة إلى إرادة سياسية والتزام أكثر قوة من قبل جميع الجهات الفاعلة للوفاء بالتزاماتها تجاه المفقودين. ونناشد الدول لاستيفاء مسؤولياتها واتخاذ الخطوات اللازمة للتصدي لهذا التحدي الإنساني الهائل الذي لا يزال في دائرة التجاهُل.
شكرا لحسن استماعكم