من إسرائيل إلي لبنان: مساعدة الأشخاص على العودة للديار

01 تموز/يوليو 2015
من إسرائيل إلي لبنان: مساعدة الأشخاص على العودة للديار
المنطقة المنزوعة السلاح بين لبنان وإسرائيل حيث تجري عمليات الإعادة إلى الوطن CC BY-NC-ND/ICRC/V. Fadeev

شريط من الأرض لا يتجاوز طوله 100-150 مترًا، يمتد بطول حافة الجرف المُطلّ على البحر المتوسط. مكانٌ يغمره الهدوء لدرجة أنه بات ملاذًا للحيوانات البرية الصغيرة التي تأوي إليه طلبًا للراحة. ومع ذلك فهو بقعة تفيض على ترابها المشاعر الإنسانية التي تجيش في الصدور، والتي هي مزيج من القلق والخوف والحزن والفرح والأمل. إنها المنطقة المنزوعة السلاح التي لا تطؤها أقدام غالبية من يعبرونها مرة ثانية. إنها البُقعة التي تجري عليها عمليات الإعادة إلى الوطن بين إسرائيل ولبنان. ويُعد مندوبو اللجنة الدولية للصليب الأحمر من بين القلائل في العالم بأسره الذين يُسمح لهم بدخول هذه الأرض للاضطلاع بتلك المهمة، المتمثلة في اصطحاب الأشخاص والرّفات وإعادتهم إلى أوطانهم.

لا يستغرق عبور المنطقة المنزوعة السلاح من جهة إلى أخرى سوى بضع دقائق، بيد أننا غالبًا نحتاج إلى أسابيع وأحيانًا إلى أشهر للإعداد للعملية.

في هذا اليوم المُشمس المشرق من أيام الصيف، جاء مندوبو اللجنة الدولية من مدينة "صور" ليُقِلّوا شخصًا عائدًا من إسرائيل إلى لبنان. اصطحب زُملاؤهم من تل أبيب ذلك الشخص إلى السياج الحديدي الذي يفصل الأراضي الإسرائيلية عن المنطقة المنزوعة السلاح، وبعد التوقيع على أوراق التسليم، يمرّ الشخص عبر البوابة، قبل أن يُقتاد إلى سيارة تابعة للّجنة الدولية تحمل علمًا تُداعبه نسمات البحر الهادئة. تجري هذه العملية بسرعة وفي سلاسة تامة لا تُعكّر هدوء المكان. ثم تنطلق السيارة بحمولتها وما هي إلا دقائق معدودة حتى تخرج من تلك المنطقة. ويعقب ذلك بعض الإجراءات الرسمية على الحدود اللبنانية، يتبعها تسليم الشخص إلى مُمثلين عن السّلطات اللبنانية في حضور ذويه. ولا يتبقى سوى توقيع مجموعة من الأوراق لتنتهي بذلك مهمة اللجنة الدولية.

يقول "رياض دبوق" الذي يعمل لدى اللجنة الدولية منذ 33 عامًا: "لقد قمت بهذا العمل مرارًا وتكرارًا لدرجة أنني لم أعد أُحصي عدد المرات. وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، شاركت في مئات عمليات الإعادة إلى الوطن، غير أن كل عمليّة منها لها طابع فريد، وأنا أذكرها كلها". خلف كل عملية إعادة شخص إلى موطنه هناك قصة إنسانية متفرّدة، وغالباً ما تكون حافلةً بفصول من المعاناة والألم، ذلك أن غالبية من تجري إعادتهم إلى وطنهم وجدوا أنفسهم عالقين على أرض أجنبية بسبب الحرب".

ولأن لبنان وإسرائيل دولتان كانتا من قبل في حالة حرب، فليس ثمة علاقات دبلوماسية أو علاقات من أي نوع آخر تربط بينهما. ولذا تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر كوسيط محايد لإعادة مواطني البلدين، أحياء أو موتى. وهو دور إنساني يحظى بتقدير الجانبين واحترامهما.

تقول "كريستين رشدان"، المسؤولة عن عمليات الإعادة إلى الوطن بين إسرائيل ولبنان في بعثة اللجنة الدولية ببيروت: "نحن لا نضطلع بدورنا كميسرٍ لعمليات الإعادة إلى الوطن بطلب من السّلطات، إنما يكون ذلك حصريًا بطلب من الأشخاص أنفسهم الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم، أو من الأُسر التي مات أقرباؤها على الجانب الآخر من الحدود ويطلبون إعادة الرّفات إلى أرض الوطن". وتابعت قائلةً: "قبل تنفيذ أي عملية من تلك العمليات، نحرص دائمًا على التحقق من موافقة الأفراد أنفسهم الذين ستجري إعادتهم، أو موافقة الأُسرة في حالة نقل الرفات".

وأضافت "كريستين": "لا يستغرق عبور المنطقة المنزوعة السلاح من جهة إلى أخرى سوى بضع دقائق، بيد أننا غالبًا نحتاج إلى أسابيع وأحيانًا إلى أشهر للإعداد للعملية. علينا التأكد من إعداد كافة الإجراءات الإدارية واتّباعها على النحو المناسب، ومن استصدار جميع المستندات المطلوبة وترجمتها وتوثيقها، ومن الحصول على جميع التصاريح من السلطات المعنية من الجانبين، ومن تنسيق جميع التحركات".

... عندما تشارك في تلك العمليات أن تُبقي مشاعرك على الحياد، وحتى إن لم يشِ وجهك بما يعتمل داخلك من مشاعر، فحتمًا سيتحرك شيء في أعماقك في كل مرة.

وفي بعض الحالات تتطلب عمليات الإعادة إلى الوطن بذل جهد لوجستي ضخم، وتستغرق وقتًا أطول في الإعداد لها وتنفيذها. ففي تموز/ يوليو 2008، اضطلعت اللجنة الدولية بمهمة واسعة النطاق لتيسير عملية تسليم مُحتجزين مُحرّرين ورفات بشرية بين إسرائيل ولبنان. وهي العملية التي استُخدم فيها أحد عشر مقطورة لنقل 199 تابوتًا تحتوي رفات بشرية سُلّمت إلى حزب الله وإلى السلطات الإسرائيلية. ولقد استغرقت العملية نهارًا كاملًا؛ من الساعة التاسعة صباحًا وحتى غروب الشمس. يُذكر أنه منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي تكفلت اللجنة الدولية بتيسير آلاف عمليات إعادة مدنيين، ومحتجزين مُحرّرين، ورفات بشرية إلى الوطن.

يقول "دبوق": "على الرغم من أنّ الدور الذي نقوم به "فنّي" بحت، والإجراءات التي نتبعها ذات طابع روتيني، لكن يصعب عليك عندما تشارك في تلك العمليات أن تُبقي مشاعرك على الحياد، وحتى إن لم يشِ وجهك بما يعتمل داخلك من مشاعر، فحتمًا سيتحرك شيء في أعماقك في كل مرة". وتابع قائلًا: "الأمر كله يتعلق بأفراد من بني البشر، ويدور حول حياتهم ومصائرهم. يشعر الواحد منا بتفرّد في كل لحظة تمضي على هذه البقعة من الأرض المحجوبة عن أنظار العالم الخارجي، وتأمل في أعماقك أن ينعم كل هؤلاء العائدين إلى ديارهم بالسلام في نهاية المطاف".

نشرت هذه المقالة في The Daily Star بتاريخ 26 حزيران/يونيو 2015

2.	في انتظار وصول مندوبي اللجنة الدولية من الجهة المقابلة. CC BY-NC-ND/ICRC/V. Fadeev

2. في انتظار وصول مندوبي اللجنة الدولية من الجهة المقابلة. CC BY-NC-ND/ICRC/V. Fadeev

3.	التوقيع على مستندات التسليم CC BY-NC-ND/ICRC/V. Fadeev

3. التوقيع على مستندات التسليم CC BY-NC-ND/ICRC/V. Fadeev