1939– 1945: رحلة إلى الجحيم

04 كانون الأول/ديسمبر 2017

شكل غزو القوات الألمانية لبولندا في الثاني من أيلول/سبتمبر 1939 تجسيداً للسمات الرئيسية التي طبعت في ما بعد الحرب العالمية الثانية التي كانت قد اندلعت منذ فترة قصيرة. وخرجت الحرب من الخنادق لتشهد مواجهات آلية تسبقها عمليات قصف جوي مكثف يستهدف بصورة أساسية السكان المدنيين. كما شكل هؤلاء السكان الضحية الرئيسية لسياسات الاحتلال الغاشمة التي وضعتها الحكومة الألمانية النازية وحلفاؤها قبل انهزامها ثم الجيوش المنتصرة بعد ذلك.

وقد واجهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سياق هذه الحرب العالمية تحديات عديدة. فكان عليها أولاً أن تشرع في بسط العمل الإنساني المتواصل إلى القارات الخمس معاً، الأمر الذي اضطرها إلى البحث عن طاقات إنسانية وإمكانيات مالية هائلة وتوظيفها لأداء هذه المهمة. وهكذا شاركت أكثر من خمسين بعثة من بعثاتها في ذلك العمل خلال النزاع.

وكانت الحرب تعني أيضا بالنسبة إلى المنظمة تنوع عملها الإنساني. فإلى جانب الأنشطة التقليدية التي كانت تشرف عليها اللجنة الدولية لصالح أسرى الحرب، ولا سيما من خلال الزيارات التي كانت تؤديها إلى معسكرات الاحتجاز أو تأسيس وكالة مركزية لاستقاء المعلومات عن السجناء (مثلما كان الحال في حرب 1914 – 1918)، بذلت المنظمة جهوداً ضخمة في خدمة السكان المدنيين المتضررين من الفوضى التي يسببها الوضع العسكري. ولهذا شرعت اللجنة الدولية في تنفيذ عمليات إغاثة مهمة لمواجهة المجاعة التي عمّت في اليونان، أو النقص في الأغذية الذي كانت تعاني منه الجزر الإنكليزية النرمندية.

ومع أن عمليات المساعدة كللت بنجاح حقيقي فإن بعض المبادرات الأخرى المتصلة بمهمة اللجنة الدولية لم تلق النجاح نفسه. وهكذا اصطدمت طلباتها بزيارة جميع  أسرى الحرب بالمعارضة وبالرفض القاطع أحيانا من جانب الدول التي كانت تحتجز أولئك الأسرى. ولم تتمكن بالتالي من التدخل لصالح أسرى الحرب الألمان أو السوفيت المحتجزين لدى هذا الطرف أو الآخر، ولقت محاولاتها لزيارة جنود قوات التحالف الواقعين في قبضة الجيش الياباني في الشرق الأقصى عراقيل بسبب سوء نية سلطات طوكيو.

العجز أمام الاضطهاد

فشلت اللجنة الدولية فشلاً ذريعا في إبراز حقها في المبادرة الإنسانية لصالح المدنيين الموجودين في المناطق المحتلة أو الأشخاص المرحلين إلى معسكرات الموت. وعجزها كمنظمة عن الاعتراض بحزم على الاضطهاد الذي مارسه النظام النازي، لم تعوض عنه بالقدر القليل إلا الأعمال البطولية الفردية التي قام بها بعض مندوبيها لمساعدة الضحايا المهددين بالإبادة. ويبقى عجز المنظمة أمام محرقة اليهود حتى اليوم مرادفاً في ذاكرتها لمأساة رهيبة.

وفيما شكلت عمليات القصف التي تعرضت لها مدينة هيوروشيما ثم مدينة ناغازاكي في بداية شهر آب/أغسطس عام 1945، نهاية الحرب العالمية الثانية فإنها شكلت أيضا بداية لعهد جديد في العلاقات الدولية يتهدده خطر السلاح النووي. وهكذا كان لانشقاق العالم إلى كتلتين والعداء بينهما أثر في طريقة عمل اللجنة الدولية على مدى العقود التالية.