باتت مواطن ضعف المنظمات الإنسانية تحت أضواء الرأي العام خلال السنوات الخمس أو الست الماضية أكثر منه خلال العقدين الماضيين. مقتطف من عدد شهر نيسان /إبريل 2002 من مجلة المنتدى (FORUM).
باتت مواطن ضعف المنظمات الإنسانية تحت أضواء الرأي العام خلال السنوات الخمس أو الست الماضية أكثر منه خلال العقدين الماضيين. وأصبح ذلك قضية مركزية في تقارير وسائل الإعلام عن الاستجابة الإنسانية للأزمة في رواندا في عام 1994، وتكرر ذكرها منذ ذلك الوقت. ويجري تنفيذ الكثير من أصعب العمليات الإنسانية في ظروف لا يكون هناك فيها سلطة رسمية للدولة، أو حيث تكون الدولة ضعيفة للغاية. في هذه الظروف ليس لآليات المساءلة " العادية " بين وكالات المساعدة الدولية وحكومة البلد المتلقي أي وجود. ولذلك، لا يستغرب أن تُدعى مساعدات الطوارئ إحدى أكبر الصناعات غير المقننة في العالم.
لقد باشرت المنظمات الإنسانية عددا من المبادرات الخاصة بها التي أطلقت عليها اسم " مبادرات المساءلة " ، وبصفة خاصة منذ منتصف التسعينات. وهناك شبكة معقدة من الاعتماد المتبادل بين المنظمات الإنسانية فضلا عن نقص عام لتعريف واضح لمسؤوليات كل منها.
اقترح أحيانا أن يشمل تقييم العمليات الإنسانية النظام بأكمله أو أن يشمل الاستجابة الدولية بأكملها لأزمة إنسانية معينة. ولكن، لم ينفذ سوى تقييم واحد من هذا النوع من الناحية العملية، وهو بالتحديد التقييم الأولي للاستجابة الإنسانية الدولية للأزمة في رواندا في عام 1994. وعادة ما تطلب منظمة إنسانية واحدة إجراء مثل هذه التقييمات مركزة على أدائها الخاص.
المقاييس المعتمدة
ليس للمنظمات الإنسانية،باستثناء اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التزامات قانونية معترفاً بها في ظل القانون الدولي الإنساني. وبعبارة أخرى ليس للمنظمات الإنسانية مسؤولية تشريعية. ويفسر ذلك جزئيا تكاثر " مدونات السلوك " في السنوات الست الماضية. ويشمل عدد منها بالفعل بعض مبادئ القانون الدولي الإنساني.
لقد تمت صياغة المدونة " الأصلية " وهي مدونة سلوك الحركة الدولي ة للصليب الأحمر والهلال الأحمر والمنظمات غير الحكومية للإغاثة في حالات الكوارث في عام 1994 . وجذبت مئات من الموقعين منذ ذلك الوقت. لقد كانت هذه المدونة واحدة من أولى محاولات تطبيق المبادئ الأساسية و " معايير السلوك " . ولكنها صيغت بعبارات عامة للغاية، يصعب قياس الأداء على أساسها. ومنذ ذلك الوقت، سُجلت زيادة في مدونات سلوك أخرى مشتركة ما بين الوكالات، يتعلق عدد منها ببلد معين أو بطوارئ معينة.
وتشير هذه الزيادة إلى مستوى اهتمام المنظمات الإنسانية بتحسين الجودة والأداء، غير أن تأثيرها على المساءلة لا يزال، حتى الآن، محدوداً. إن الالتزام بمعظم مدونات السلوك أمر اختياري. ولا شك في أن ضغط بعض الوكالات يشجع الوكالات الأخرى على التوقيع. غير أن وسائل تقدير الالتزام بالمدونات في هذه الأوساط محدود إن لم يكن منعدما تماما.
إن أكثر المحاولات طموحاً لتحسين الأداء والمساءلة في أوساط المساعدة الإنسانية هو مشروع " اسفير " . وبوشر هذا المشروع في عام 1997، تم وصفه بأنه " واحد من أكبر عمليات التعاون والاستشارة التي شهدها المجتمع الإنساني على الإطلاق " . ولقد نتج عنه وضع دليل يحتوي على ميثاق إنساني، ومعايير دنيا ومؤشرات أساسية للإغاثة في حالات الكوارث في خمسة قطاعات هي: الماء الإصحاح؛ المرافق الصحية؛ التغذية؛ المساعدة الغذائية؛ المأوى وتخطيط الموقع؛ وخدمات الصحة.
وأثار مشروع " اسفير " نقاشا حاميا في الأوساط الإنسانية. فقد أبرز انتقاد المشروع أوجه قلق حول تركيزه على المعايير التقنية مبينا أنه لا يتناول مشاكل الحماية التي ربما يتم في بعض الأحيان تجاهلها على حساب المساعدة المادية.
إن إحدى مخاوف الوكالات التي تعارض مشروع " اسفير " هي أيضا إمكانية إصرار الحكومات المانحة على التزام شركائها المنفذين بمعايير مشروع " اسفير " ، ومن ثم حبسهم في علاقات أضيق من أي وقت مضى مع الحكومات المانحة التي ربما تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية. ولا توجد حتى الآن آليات لمراقبة الالتزام بالمعايير أو لفرض العقوبات على عدم الالتزام بها. غير أن من غير الملائم أن نضع مثل هذه الآليات في هذه المرحلة من تطور مشروع " اسفير " . ومن ثم، فإن الإدعاء بأنه يعزز المساءلة يبدو إلى حد ما مضللاً.
في المقابل، فإن مدونة أفضل سلوك للعاملين في مجال المساعدة الخاصة بإدارة ودعم أفراد الإغاثة هي واحدة من المدونات القليلة التي تتناول بالفعل وبشكل مباشر قضايا المساءلة. وعلى الوكالات الموقعة أن توافق على إجراء تحقيق مستقل في مسؤوليتها.
تفضيل الجودة على المساءلة
بالرغم من النقاش الكثير الذي دار حول المساءلة عموما، لم يحقق سوى تقدم محدود على ما يبدو. وبدلاً من ذلك، تركزت الجهود على تحسين الجودة والأداء، من خلال مبادرات مثل مشروع " اسفير " . ويبدو أنه كان هناك دافعان اثنان قويان. أولهما، تحسين فعالية المساعدة الإنسانية استجابة لكل من النقد العام والداخلي. وثانيهما هو أن النمو الحديث والسريع في عدد المنظمات الإنسانية، وبصفة خاصة المنظمات غير الحكومية ، قد دفع المنظمات الأقدم والأكثر خبرة إلى وضع معايير في مجال المساعدة الإنسانية والحفاظ عليها.
بالرغم من أن أوجه القلق بشأن المساءلة كانت وراء الكثير من المبادرات الموصوفة أعلاه، فيستحسن وصفها " بمبادرات الجودة " . ولكن فعاليتها لم تثبت بعد. والخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي تقييم مشروع " اسفير " الذي سيباشر قريبا. وقد ركزت الجهود، إلى حد كبير، على تطوير هذه المعايير وسلطت المدونات الأضواء على العلاقات المتبادلة بين المنظمات الإنسانية، بدلاً من العلاقة السائدة بين الممول والشريك المنفذ. غير أن القطاع يتسم بالتنوع الكبير، ومازالت المنظمات الإنسانية بعيدة عن الالتزام بنفس المبادئ الإنسانية التي يمكن أن تتعرض للمساءلة بناء عليها.