مقال

المبادئ الأساسية: ستون عامًا من الإنسانية في الميدان

The ICRC and the Syrian Arab Red Crescent assess the needs of people who gathered in collective shelters after fleeing fighting in the region of Aleppo, Syria (2016).
ICRC

في أوقات الحرب أو الكوارث أو النزوح، يحتاج المحاصرون بالأزمات إلى شيء واحد يعلو على كل الاعتبارات: مساعدة يمكنهم الوثوق بها والاعتماد عليها. وهنا يبدأ دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) وشركائنا في الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر (الحركة). فعلى مدى أكثر من مئةٍ وستين عامًا، عملنا على الخطوط الأمامية وفي المجتمعات التي مزقتها الحروب والاضطرابات – نقدم الرعاية الطبية ونساعد في لمّ شمل الأسر ونزور المحتجزين ونعيد تأهيل شبكات المياه ونذكِّر جميع الأطراف بضرورة احترام سلامة المدنيين في جميع الأحوال.

ولكن ما يجعل هذا العمل ممكنًا حتى اليوم، ليس مجرد وجودنا أو خبرتنا، بل المبادئ الأساسية التي توجّه عملنا الإنساني. فقد اعتُمِدت هذه المبادئ السبعة عام 1965 كتعبير رسمي عن النهج الذي سرنا عليه منذ التأسيس: الإنسانية وعدم التحيّز والحياد والاستقلال والخدمة التطوعية والوحدة والعالمية.

وهذه المبادئ ليست أفكارًا نظرية، بل أدوات تتيح لنا إيصال المساعدة إلى من هم في أمسّ الحاجة إلينا.

ICRC phsyiotherapist, Rieke Hayes, with a patient at the Red Cross Field Hospital in Rafah
ICRC
ICRC

لماذا تُعد المبادئ مهمة؟

تشكّل المبادئ الأساسية بوصلةً ترشد العمل الإنساني. فهذه المبادئ هي الأداة التي توجه قراراتنا في أكثر البيئات خطرًا واستقطابًا، لضمان تقديم المساعدة للمتضررين بناء على مبدأ الحاجة فحسب، بمعزل عن من هم أو من أين جاؤوا أو في أي جانب من أطراف النزاع وجدوا أنفسهم.

وبفضل هذه المبادئ الأساسية، تستطيع الحركة أن:

  • تفاوض لعبور الخطوط الأمامية وإيصال الغذاء والماء والرعاية الطبية وإتاحة المأوى في أماكن يعجز الآخرون عن الوصول إليها.

  • تنفذ عمليات إجلاء ونقل طبي آمنة، لمساعدة المدنيين والجرحى من المقاتلين على الوصول إلى برّ الأمان.

  • تجمع شمل الأسر التي فرّقتها الحروب أو الكوارث أو الهجرة.

  • تكفل إعادة رفات الموتى بكرامة، سعيًا لإغلاق دائرة الحزن لدى العائلات المكلومة.

  • تدعم الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية وشبكات المياه والاستجابة للأوبئة في المناطق الهشّة.

تتحقق هذه النتائج بفضل المبادئ التي ترسّخ الثقة وتفتح أبواب الحوار مع المجتمعات والسلطات وسائر أطراف النزاع.

المبادئ في الميدان

في كل يوم، تُترجم هذه المبادئ إلى أثر ملموس ينقذ الأرواح:

  • ففي غزة، أُجري أكثر من 80 ألف فحص طبي وثلاثة آلاف عملية جراحية وأربعة آلاف ولادة خلال العام الأول للمستشفى الميداني في رفح، الذي تدعمه اللجنة الدولية، ما ضمن استمرار الرعاية العاجلة رغم القتال الدائر.
  • وفي النزاع الدولي المسلح بين أوكرانيا وروسيا، ساعدت اللجنة الدولية أكثر من 14,800 عائلة على معرفة مصير أحبّائها المفقودين، ويسَّرت تبادل أكثر من 20,900 رسالة بين أسرى الحرب وعائلاتهم.
  • وفي اليمن، يسّرت اللجنة الدولية منذ عام 2020 الإفراج عن أكثر من ألف محتجز وعودتهم بأمان إلى أسرهم بعد سنوات من الفراق.
  • وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، نُقل أكثر من 1,300 مقاتل مجرد من سلاحه وأفراد أسرهم عبر الخطوط الأمامية ليعودوا إلى ديارهم سالمين.
  • وفي أفغانستان، قدّمت مراكز إعادة التأهيل أطرافًا صناعية وعلاجًا طبيعيًا لعشرات الآلاف من مصابي الحرب ليستعيدوا قدرتهم على الحركة واستقلالهم.
  • ومن فيضانات باكستان إلى انفجار مرفأ بيروت، استجاب متطوعو الصليب الأحمر والهلال الأحمر دون تحيز، فقدموا المأوى والرعاية الصحية والإغاثة العاجلة.

تُظهر هذه القصص ما تحقّقه المبادئ: الإنسانية في الميدان.

153 detainees released with the support of the ICRC in Sana'a, Yemen.
ICRC
ICRC

المبادئ تواجه ضغوطًا

ومع ذلك، يواجه العمل الإنساني القائم على المبادئ اليوم تهديدات خطيرة:

  • تصاعد الهجمات على العاملين في المجال الإنساني إلى مستويات غير مسبوقة، فكان عام 2024 الأكثر دموية، ويبدو أن عام 2025 يسير على النهج ذاته.

  • تسييس المساعدات يقوّض مبدأ عدم التحيّز، إذ تُربط المساعدات بالأجندات السياسية.

  • حملات المعلومات المضللة تقوّض الثقة وتعرّض سلامة الوصول إلى المجتمعات المحتاجة للخطر.

  • الخطاب اللاإنساني ينزع عن المدنيين الحماية، فيما تؤدّي عسكرة المساعدات إلى طمس الحد الفاصل بين العسكريين والعاملين في المجال الإنساني.

كما تفرض التقنيات الحديثة تحديات جديدة؛ فبينما سرّعت الأدوات الرقمية تقديم المساعدة، فإنها تُهدِّد بتآكل التعاطف الإنساني وتنجم عنها اعتمادية وتضخم مشاعر التحيز. ومع ذلك، تبقى المبادئ هنا أيضا بوصلةً تهدي إلى الإنسانية والحياد وعدم التحيز والاستقلال في العصر الرقمي.

نداء لاحترام الحيز الإنساني

توفر المبادئ مساحة للعمل الإنساني، ولكن فقط إذا احتُرمت تلك المبادئ. نحن ندعو كل الدول والفاعلين إلى:

  • حماية الحيز الإنساني المحايد وغير المتحيّز والمستقل.
  • كفالة عدم عرقلة العقوبات أو تدابير مكافحة الإرهاب للمساعدات الإنسانية.
  • حماية استقلال الجمعيات الوطنية.
  • تجنّب الشروط أو القيود السياسية المفروضة على التمويل الإنساني.
  • مواجهة حملات المعلومات المضللة والهجمات الموجّهة ضد العاملين في المجال الإنساني.
DRC operation ICRC staff member in the foreground on a dirt road, with people walking towards an aeroplane in the background
Boyongo Kaya
Boyongo Kaya

ستون عامًا وما بعدها

لا تقتصر هذه الذكرى على استحضار الماضي، بل تؤكد من جديد على أن المبادئ لا تقلُّ حيويةً اليومَ عمَّا كانت عليه عام 1965، وسَتَظَلُّ ركيزةً أساسيةً في مواجهة تحديات المستقبل.

تشهد أرجاء الحركة، من موناكو إلى فيينا وبروكسل، فعالياتٍ لإحياء الذكرى لتؤكد أن المبادئ ليست مجرد جزء من ماضينا - بل هي مستقبلنا. فهي التي تمكّننا من الوقوف إلى جانب الناس في أحلك ساعاتهم، لاستعادة كرامتهم وأملهم وإنسانيتهم.

فعلى مدى ستين عامًا، فتحت المبادئ الأساسية الأبواب الموصدة، وأقامت الثقة حيث ساد الشك، وقدّمت العون حيث اشتدت الحاجة. وستظل ركيزة عملنا الإنساني، وشريان حياة لملايين الناس حول العالم.