مقال

الكوليرا، والتكدس، والبِناء الخلاق في لبنان

في ظل تزايد حالات الإصابة بالكوليرا والإسهال المائي الحاد في لبنان، فإن دعم البنية التحتية العامة أمر ضروري لتجنب العواقب الصحية والإنسانية الكارثية.

يعمل "جو ماكلين"، وهو من مقاطعة مايو في غرب أيرلندا، لدى اللجنة الدولية مديرًا لمشروع إنشائي في لبنان.

يقول ماكلين: "يتركز دوري هنا على مستشفى طرابلس الحكومي في شمال البلاد، والعمل على زيادة فرص الحصول على الرعاية الصحية."

"ذات يوم من أيامي الأولى في هذا المشروع، دخلتُ غرفة الطوارئ بالمستشفى فتأثرتُ أيما تأثر لمّا رأيت عدد الأشخاص المحتشدين فيها. أمهات وآباء في أحضانهم أطفالُهم المرضى، وأشخاص يجلسون على أرضية الغرفة. لم يجد الناس مساحة كافية حتى يحافظوا على مسافة آمنة تفصل بعضهم عن بعض."

"كان ذلك المشهد تذكيرًا مرئيًا بمدى أهمية هذا المبنى الجديد للمرضى وأسرهم."

"الهدف الذي نتوخى تحقيقه هو أن يستفيد المرضى من غرف الطوارئ والأجنحة التي تشملها صيانةٌ جيدة مع إمكانية الحصول على خدمات صحية عالية الجودة."

الدخول إلى معترك العمل الإنساني

هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها جو لبنان، رغم أنه جاب أنحاء مختلفة من العالم في أثناء عمله مع المنظمات الإنسانية، من أفغانستان إلى زامبيا وغيرهما.

"عملت في القطاع الخاص في أيرلندا لعشر سنوات عقب التخرج. ثم أصاب الركود الاقتصاد، فقررتُ اغتنام الفرصة للالتحاق بالعمل الإنساني، وهي خطوة لطالما كنت أرغب في القيام بها."

"أمضيتُ عامًا في غواتيمالا مع منظمة غير حكومية صغيرة جدًا، ثم عامين ونصف العام في زامبيا. وعملتُ بعد ذلك مع منظمة أطباء بلا حدود في جنوب أفغانستان. وقضيتُ أيضًا بعض الوقت في سيراليون، في نهاية أزمة وباء إيبولا."

لبنان لا يشبه أي مكان عملتُ فيه من قبل.

يمر لبنان بأزمة اقتصادية منذ ثلاث سنوات، يصفها البنك الدولي بأنها "من بين أسوأ الأزمات التي شهدها بلد في العالم". وتتكالب في الوقت الحالي الآثار الاقتصادية للحرب في أوكرانيا وارتفاع معدلات الإصابة بالكوليرا وحالات الإسهال المائي الحاد فتشكل ضغطًا هائلًا على الخدمات العامة الأساسية في لبنان.

كما تأثرت البنية التحتية للرعاية الصحية بانفجار بيروت الذي وقع في 4 آب/أغسطس 2020 (في الصورة: مستشفى راهبات الوردية في بيروت).

"من الضروري التفكير في تغيير بعيد المدى شامل للأنظمة بشأن عملنا هنا. فنحن ندرك أن أي نظام نُدخله إلى المستشفى يحتاج إلى الصيانة بعد مغادرتنا."

"هذه دائمًا نقطة حرجة بالنسبة لي في عملي مهندسًا في مثل هذه المشاريع؛ إذ يمكنك تنفيذ شيء يبدو رائعًا على الورق ولكن بمجرد أن ترفع يداك عنه يتعطل ولا نجد من يتولى تشغيله أو صيانته. نحن نعمل بجدّ هنا من أجل البناء على القدرة الحالية لفرق الصيانة بالمستشفى."

مشروع طموح

"المشروع الذي أعمل عليه هو إزالة مركز الرعاية الصحية الأولية الحالي - الذي يقع حاليًا بجوار غرفة الطوارئ داخل مبنى المستشفى الرئيسي - ونقله إلى مبنى جديد تمامًا على الجهة المقابلة من الشارع."

"سنوفر مساحة داخل غرفة الطوارئ في المستشفى ونعيد تخيل شكلها بالكامل، ونعطيها مظهرًا جديدًا تمامًا."

لكن هذا المشروع يدور حول شيء أكثر من مجرد الجماليات الشكلية.

"هو مشروع يركز على مواجهة التحديات الرئيسية المتعلقة بتدفق المرضى إلى المستشفى والأمن والوصول للخدمات، بالإضافة إلى زيادة قدرة غرفة الطوارئ الحالية."

"وأحد الأهداف الرئيسية هو إعادة تأهيل نظام تكييف الهواء والتهوية داخل المستشفى ونظام معالجة مياه الصرف الصحي."

هجوم الكوليرا

منذ أن وصل جو للعمل في هذا المشروع، كانت "الكوليرا" هي الكلمة التي يتناقلها الجميع.

في الوقت الحالي، يحظى نظام معالجة مياه الصرف الصحي بأهمية قصوى للمستشفى بسبب تفشي وباء الكوليرا.

"عندما لا تعمل شبكة السباكة ومعالجة مياه الصرف كما ينبغي، فهذا يعني أن الكوليرا تظل في مياه الصرف الصحي لفترة طويلة، ما يزيد خطر تفشي المرض لا سيما بين المرضى الأضعف."

"في ظل الأزمة الاقتصادية والضغط على البنية التحتية العامة، أصبحت شبكات أنابيب الصرف ومحطات المعالجة في جميع أنحاء لبنان محدودة للغاية. فإذا خرجت مياه الصرف الصحي من المستشفيات، فإنها تدخل الشبكة الرئيسية، ولا يمكن لهذه الشبكة معالجتها على النحو المناسب."

كارثة كامنة

"خلال موسم الأمطار على وجه الخصوص، تتسرب مياه الصرف الصحي إلى الشوارع عبر فتحات المجاري."

"وهذا وضع سيء بطبيعة الحال، ولكن عند وجود احتمالية تلوث هذه المياه بالكوليرا فإن الوضع يكون كارثيا حقًا بالنسبة للسكان."

"هذا أحد مشاريعي الرئيسية: البحث في معالجة مياه الصرف التي تخرج من المستشفى عن طريق المعالجة المكثفة بالكلور. إنه إجراء مؤقت، لكننا ننظر أيضًا إلى احتياجات المستشفى بأكمله على المدى البعيد."

جميع المجتمعات بلبنان متضررة

يستضيف لبنان ما يقدر بنحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري ونحو نصف مليون لاجئ فلسطيني مسجل. وتؤثر الأزمات المالية والاقتصادية الحادة على جميع المجتمعات في لبنان.

 

وجميع هؤلاء لا يغيبون عن بال ماكلين.

"يتضمن عملي هنا التردد على الكثير من الجهات على اختلافها. لا أرى ذلك شيئًا محبطًا، فأنا أستمتع بالحديث عن التفاصيل الجوهرية للعمل؛ لأنني أعرف مدى أهمية الحصول على أفضل منتج ممكن للمستخدمين النهائيين."

"لا يغيب الناس أبدًا عن بالي، وهم بالطبع المرضى في هذه الحالة، والعائلات المحلية، وكذلك اللاجئون السوريون والفلسطينيون الذين يستفيدون من خدمات المستشفى أيضًا."

البناء لأجل الناس

يعد تدفق المرضى أمرًا بالغ الأهمية للمشروع الذي يعمل فيه ماكلين.

"مستشفى طرابلس الحكومي شديد الاكتظاظ، وثمة مشاكل في تدفق المرضى داخل قسم الطوارئ الحالي."

"يواجه الأشخاص صعوبة في الوصول إلى غرفة الطوارئ، وتتعقد الأمور لأن الأشخاص يصلون غالبًا بصحبة العديد من أفراد أسرهم."

"من الشائع نسبيًا أن يحضر أفراد الأسرة غرفة الطوارئ بالأسلحة، وكثيرًا ما يعطون أوامرهم للموظفين برعاية ذويهم. وبالنسبة للجنة الدولية هذه مشكلة خطيرة حقًا، ونحن نعمل على الحد من هذه التصرفات في إطار برنامج الرعاية الصحية في خطر."

"أضف إلى ذلك ارتفاع الإصابات بالكوليرا الذي تعاينه فرق الرعاية الصحية هنا، وهذا التفشي يسهم في زيادة تدفق المرضى بالتأكيد."

تحديد أبعاد المشكلة

"يوجد مركز خاص لعلاج الكوليرا داخل المستشفى، حيث يعطَى المرضى محاليل الإماهة الفموية والسوائل الوريدية، وإذا لزم الأمر يُنقلون إلى المستشفى الرئيسي، ويدخلون إلى العناية المركزة.

"فالأمر إذن يسير على هذا النحو: المرضى يأتون، ويتم تشخيصهم، ومعالجتهم، ومن المحتمل أن ينقلوا مرة أخرى إذا تطلب علاجهم مرحلة تالية."

"الأمر كله يتعلق بالوقاية من العدوى ومكافحتها، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وإتاحة المياه النظيفة لمنع إصابة المرضى الآخرين بالعدوى."

"كل هذه العوامل حاضرةٌ في تصميماتنا لتشييد المبنى الجديد، بالإضافة إلى تجديد غرفة الطوارئ. كيف يمكن لخطط البناء أن تدعم أفضل رعاية للمرضى؟ كيف يمكننا زيادة الوصول إلى الخدمات والحفاظ على الأمن وتقليل انتشار العدوى؟

"أنا على اتصال دائم بالفريق الصحي التابع للجنة الدولية، وإدارة المستشفى، ووزارة الصحة العامة لوضع هذه التصاميم، للتأكد من أن موافقة جميع الجهات المعنية عليها قبل أن ننتقل إلى المرحلة التالية."

من الصعب أن أقول "وداعًا لبنان"

يختتم ماكلين رحلته الحالية في لبنان، لكنه لن ينسى تجاربه فيها.

"شعرت بترحيب كبير من الشعب اللبناني بوجه عام. كانت مشاعر الجميع حارة، وجميعهم صبورون للغاية أيضًا! اللغة العربية هي اللغة الرئيسية هنا، وأنا لا أتحدثها مع الأسف. لم يقابلني أي شخص بمشاعر إحباط أو انزعاج لأنني لم أستطع التحدث باللغة العربية، فالناس حريصون جدًا على الترجمة وتقديم الدعم."

"بالنسبة لغالبية الناس هنا فهم يحبون بلادهم وثقافتهم. هذا الشعور بالرفقة والتواصل يبدو إلى حد كبير مثل أيرلندا من بعض النواحي. لقد شعرت حقًا أنني في وطني."

تساعد اللجنة الدولية في لبنان في:

  • إعادة التأهيل أو التشغيل الطارئ لإمدادات المياه وشبكات معالجة الصرف الصحي في المناطق الأكثر تضررًا، بما في ذلك إمدادات الوقود في حالات الطوارئ.
  • دعم مرافق المياه مع توفير المواد اللازمة لاختبار المياه في جميع أنحاء البلاد.
  • دعم استجابة الصليب الأحمر اللبناني، بما في ذلك أقراص تنقية المياه ومستلزمات النظافة الصحية لنحو 2,700 أسرة.
  • تقديم الدعم لوضع إجراءات معيارية لمكافحة العدوى، وإدارة النفايات، وتدفق المرضى وبروتوكولات إدارة الحالات في كل من مستشفى رفيق الحريري الجامعي ومستشفى طرابلس الحكومي. ستسلم اللجنة الدولية مجموعة واحدة من مجموعات مستلزمات علاج الكوليرا لكل من المستشفيين، وتشمل أدوات العلاج بالتسريب الوريدي، والأغطية البلاستيكية، والمبيدات الحشرية، والكلور. وكل مجموعة تكفي لمعالجة 500 مريض بالكوليرا.
  • دعم سلطات الاحتجاز بأشكال منها إعادة تأهيل شبكة الإمداد بالمياه في سجن رومية المركزي الذي يخدم حوالي 4000 محتجز، والتنسيق مع الصليب الأحمر اللبناني لدعم التحصين ضد الكوليرا في أماكن الاحتجاز.

________________________________________

نشر هذا المقال فريق اللجنة الدولية في المملكة المتحدة وأيرلندا. اكتشفوا المزيد عن عملنا وتابعونا عبر تويتر.