الوقاية من المجاعة والتصدي لها – كلمة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الأمم المتحدة

21 أيلول/سبتمبر 2017
الوقاية من المجاعة والتصدي لها – كلمة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الأمم المتحدة
©ICRC

كلمة رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، السيد بيتر ماورير في الاجتماع الرفيع المستوى بالجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثانية والسبعون حول الوقاية من المجاعة والتصدي لها.

لقد شهدنا في العام الحالي شبح المجاعة يخيّم على عالمنا إذ واجه الملايين خطر الموت جوعًا. وقد كثفت اللجنة الدولية، شأنها شأن غيرها من المنظمات، برنامجها للمساعدات الغذائية. ورأيت في الشهر الماضي الفرق الذي أحدثته تلك المساعدات في جنوب السودان على أرض الواقع.

ولكن لايزال الملايين يعانون نقصًا حادًا في الأغذية، وهذه ليست المرة الأولى. فقد شهدنا مجاعات كبيرة في 2011 وفي العقد الماضي والذي قبله أيضًا.

إن المجاعة هي أحد أعراض الحروب الممتدة. فعندما تظهر، فإنها نادرًا ما تظهر لوحدها، بل يصاحبها تدهور في المنظومة الصحية والبنية التحتية والأوضاع الاقتصادية. وبصراحة، فإن المجاعة تحدث عندما لا يتوفر أدنى احترام للكرامة والحياة البشرية.

ولعلاج مثل هذه الأعراض، يتعين علينا علاج المرض والوقاية منه، إذ ينبغي علينا دعم تماسك النسيج الاجتماعي والخدمات والمقوّمات التي يعتمد عليها الناس بشكل استباقي. ولابد أن نعمل على ضمان معاملة الناس معاملة كريمة حتى لا تُغذى مشاعر الحقد والعداء. وعلينا أيضًا العمل من أجل تحسين الأسلوب الذي تُشنّ به الحروب عن طريق تعزيز احترام القانون الدولي الإنساني.

وترحب اللجنة الدولية بالطاقة الجديدة التي بٌثّت في جدول أعمال الوقاية. ذلك أن الوقاية تقع في صلب عمل اللجنة الدولية. وبما أننا لسنا قادرين على صنع السلام، فإننا نهيئ الظروف المواتية لإحلاله؛ بالعمل على الحد من الدمار ومنع التدهور في الجانب التنموي.

كل يوم في مناطق النزاع، نعمل على حماية المجتمعات المستضعفة عن طريق دعم البنى التحتية التي تعتمد عليها؛ فندعم المنظومات الصحية، ونحافظ على استمرار إمدادات المياه والكهرباء، وندعم سبل كسب العيش، ونقدم المنح النقدية لدعم المشاريع الصغيرة.

ولكي نعمل على ضمان عدم التخلي عن الملايين من البشر، فإنه يتعين علينا دعم العمل على خطوط المواجهة عن طريق تعزيز مشاركة الجهات الفاعلة التنموية واستثماراتها. ولقد رأينا كيف يمكن أن يؤدي البنك الدولي هذا الدور الإيجابي، كما فعل مؤخرًا عندما قدم الدعم لعملياتنا في الصومال.

وتتسم الحروب التي تُخاض في البلدان المتضررة من المجاعات بانتهاك أبسط المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني.

وإذا ما أردنا منع وقوع المجاعة وإعادة اللُّحمة إلى النسيج الاجتماعي، يتعين على الجميع احترام القانون الدولي الإنساني، لحماية الناس من أسوأ أشكال الانتهاكات، ولإنهاء دائرة الهشاشة التي نراها في النزاعات الطويلة الأمد دون حدود أو قوانين. فالقانون الدولي الإنساني يعد الأداة العملية الأولي التي تساعد على إيجاد الحلول ومساعدة الأطراف على إيجاد طرق للخروج من الأوضاع المتأزّمة، وبناء الاستقرار.

والسؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا: كيف يمكن تغيير السلوكيات والسياسات الخاصة بالأطراف المتحاربة؟ وما دوافعهم لضبط النفس؟ وأين يكمن نفوذهم؟ وكما شاهدت مؤخرًا، ما الذي يجعل جماعة مسلحة اعتادت نهب المستشفيات في جنوب السودان تتوقف عن هذه الأعمال فجأة؟

تتغير طبيعة النزاع نتيجة الزيادة السريعة في ظهور الجماعات المسلحة ذات البنية التنظيمية الأفقية بدلًا من البنية الرأسية. حيث ظهرت جماعات مسلحة في السنوات الست الأخيرة أكثر من الجماعات التي ظهرت على امتداد العقود الستة السابقة. وعلينا جميعًا أن نتكيف مع هذا الواقع الجديد وبصورة سريعة.

تقدم البحوث الجديدة التي نجريها على العديد من القوات المسلحة والجماعات المسلحة من غير الدول رؤىً متبصرة جديدة حول تغيير السلوك. فهي تكشف لنا أن المقاتل على خطوط المواجهة يهتم برأي نظرائه أكثر من اهتمامه بمعاقبة القادة: بمعنى أن منع الانتهاكات غالبًا ما تكون دوافعه مستمدة بشكل أفقي بين المقاتلين أنفسهم أكثر من كونها مستمدة بشكل رأسي من القيادة.

كما تُبين الأدلة أن تجنب التعامل مع الجماعات المسلحة وتجريم التواصل معها يؤدي الى نتائج عكسية، وهذا يتعارض مع العديد من الممارسات والسياسات الأمنية التي نراها حول العالم. غير أنه إذا ما أردنا أن نرى تحسنًا في السلوكيات، فينبغي علينا القبول بالحوار مع تلك الجماعات المسلحة من غير الدول.

 وهناك خمس خطوات من شأنها الإسهام في وضع حد لهذه الحلقة المفرغة من الحرب والهشاشة والمجاعة:

  • الأولى، تحسين أسلوب سير الأعمال العدائية، وبذل جهود استباقية لحماية المدنيين والأعيان المدنية والحفاظ على كرامة الناس.
  • الثانية، ضمان اتخاذ جميع الأطراف إجراءات وقائية، وهذا لا ينحصر على أطراف النزاع فحسب، بل على تلك الأطراف المؤثرة على سير الأعمال العدائية، وضمان احترام القانون الدولي الإنساني. إذ يتعين على المجتمع الدولي الضغط السياسي على تلك الأطراف.
  • الثالثة، الاستثمار في البنية التحتية مثل الخدمات الصحية والمياه، للوقاية من انتشار الأمراض المعدية في حالات الطوارئ الغذائية، وكذلك الاستثمار في البنية التحتية الاجتماعية مثل التنمية في مرحلة الطفولة المبكرة والتعليم، للحد من الآثار الطويلة الأمد للمجاعات على المجتمعات.
  • الرابعة، دعم سبل كسب العيش لسكان الريف، وتنشيط الأسواق الحضرية لخلق أرضية صلبة للعمل المستقبلي في المجال الزراعي والتجاري.
  • الخامسة، تعزيز إشراك الجهات الفاعلة التنموية، والتمويل المرن لعدة سنوات، لتلبية الاحتياجات المختلفة للأشخاص في مختلف الفئات الإنسانية والتنموية.

هذا هو التحدي الذي نواجهه، وهذه هي مسؤوليتنا تجاه عشرات الملايين الذين يمر عليهم كل يوم وهم معلقون بين الحياة والموت.