الأردن: مقابلة مع نائب رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر
في لقاء قصير مع السيد "هشام مندودي"، الذي أنهى للتو مهمته التي استغرقت عامين بصفته نائب رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الأردن، تحدث عن تجربته التي لا تُنسى، واصفًا أثر الأزمة السورية على الأردن وعلى الأنشطة الرئيسية التي تضطلع بها اللجنة الدولية في البلد.
صف لنا شعورك بعد أن عملت في الأردن لمدة عامين؟
تتولد لدى المرء مشاعر مختلطة بعد العمل في الأردن والعيش فيها لمدة عامين. فمن جانب أشعر بالرضا عما استطعنا بذله في اللجنة الدولية، لكن على الجانب الآخر، يحزنني أن أترك أصدقائي وزملائي في هذا الموقف الصعب. هناك الآلاف من طالبي اللجوء عالقون على المنطقة الحدودية بين الأردن وسورية المعروفة باسم "الساتر الترابي"، وهم بحاجة إلى حماية ومساعدة عاجلة. ومنذ أن أُغلقت هذه المنطقة الحدودية في 21 حزيران/يونيو الماضي، لم يعد بإمكان اللجنة الدولية الوصول إلى هؤلاء الناس. وعلى الرغم من أن المخاوف الأمنية للأردن هي أمر يمكن تفهمه تمامًا، لكن يؤسفني أن أرى آلاف الناس، من بينهم نساء وأطفال وكبار سن، متروكون هكذا ليواجهوا مصيرهم.
ما الذكريات التي ستحملها معك من الأردن؟
قد تكون مدة العامين طويلة جدًا في سياق زاخر بالاحتياجات، لكن العديد من الذكريات ستظل حية في ذهني. فهناك حوادث أثّرت على عملياتنا مثل الهجوم الذي وقع يوم 21 حزيران/يونيو على الجيش الأردني في الركبان، وكانت له عواقب وخيمة على العالقين على الساتر الترابي وعلى العمل الإنساني في المنطقة. وهذا الهجوم لم يلق الضوء على هشاشة الموقف فحسب، بل أكد الحاجة الملحة لتوفير الحماية والسلامة لمن تقطعت بهم السبل عند الساتر الترابي. ومنذ ذلك اليوم، طرأت تغيرات كثيرة على عملياتنا، وتعيّن علينا أن نمر بمرحلة تكيف صعبة. وبالتأكيد سأغادر حاملًا معي ذكريات رائعة حول زملائي الذين يملؤهم الحماس، وعن الأردن، ذلك البلد الجميل وشعبه.
كيف أثرت الأزمة في سورية على الأردن؟
منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011 لجأ نحو 650,000 شخص إلى الأردن. يعيش قرابة 80% من اللاجئين السوريين في مجتمعات محلية مُضيفة، في حين تعيش البقية الباقية منهم في مخيمات للاجئين، لا سيما مخيمي الزعتري والأزرق. وحاليًا لا يزال عشرات الآلاف عالقين عند الساتر الترابي.
لقد ألقت تداعيات الأزمة السورية ظلالًا قاتمة على الأردن وخاصة في الشمال، حيث يقيم أكثر من نصف تعداد اللاجئين السوريين في الأردن. إذ فرض تدفق اللاجئين ضغوطًا اجتماعية واقتصادية هائلة على الأردن ومواردها، ما أسفر عن اكتظاظ المراكز الصحية والمدارس، وتحميل مرافق المياه والصرف الصحي فوق طاقتها، إضافة إلى الآثار السلبية على البيئة وعلى سوقي العمل والعقارات السكنية.
أما اللاجئون السوريون فقد استنفد الكثير منهم مدخراته وأصبحوا يعتمدون بشكل متزايد على المجتمعات المحلية المُضيفة والمساعدات الدولية، وذلك نتيجة لطبيعة النزاع الذي طال أمده.
بالنظر إلى تأثير النزاع السوري وطول أمده، كيف استجابت اللجنة الدولية في الأردن للكم الهائل من الاحتياجات؟
انخرطت اللجنة الدولية بشكل فعال في الاستجابة الإنسانية للأزمة السورية منذ اندلاعها. ووُزعت استجابتها على ثلاثة أصعدة: داخل مخيمات اللاجئين، وفي المجتمعات المحلية المُضيفة، وفي المنطقة الحدودية شمال شرقي الأردن.
ساعدت اللجنة الدولية آلاف اللاجئين السوريين في مخيمي الزعتري والأزرق للاجئين على الاتصال بأفراد عائلاتهم، إما عبر الهاتف أو عن طريق رسائل الصليب الأحمر المكتوبة بخط اليد.
وفي المجتمعات المحلية المُضيفة قدمت اللجنة الدولية وجمعية الهلال الأحمر الأردني المساعدة لنحو 3000 عائلة سورية في محافظتي المفرق ومادبا بمنحها مساعدات نقدية شهرية. ونفّذت اللجنة الدولية عدة مشاريع لتوفير المياه في البادية الشمالية والرويشد استفاد منها 300,000 من الأردنيين والسوريين.
بدأت عمليات اللجنة الدولية عند الحدود الشمالية الشرقية للأردن أواخر عام 2013، عندما شرعت في تنفيذ استجابة عاجلة مؤقتة لطالبي اللجوء القادمين من سورية. واتخذ العمل الذي بدأ كاستجابة عاجلة تدريجيًا صيغة برنامج مساعدة منقذ للحياة، في وقت كان فيه الآلاف من طالبي اللجوء عالقين عند الساتر الترابي عام 2014.
هلا أخبرتنا المزيد عن بعثة اللجنة الدولية في عمّان وعملياتها الرئيسية؟
تعمل اللجنة الدولية في الأردن منذ عام 1967 عندما أُسست بعثة دائمة في عمّان بعد اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية في ذلك العام. وتمثلت أنشطتنا الرئيسية آنذاك في إعادة الاتصال بين أفراد العائلات المنفصلين، وزيارة المحتجزين، وتعزيز القانون الدولي الإنساني، ودعم جمعية الهلال الأحمر الأردني.
وفي الفترة بين 1990 و 2011، توسعت البعثة مع نشوب النزاعات في المنطقة، بما في ذلك الحرب الكويتية العراقية، والانتفاضة الثانية في الأراضي المحتلة، والحرب الدائرة في العراق، والنزاع الذي تجدد في لبنان وإن قصر أجله. في عام 2011، توسعت البعثة بشكل أكبر استجابة لاحتياجات آلاف اللاجئين السوريين في الأردن.
ما المنحى الذي تتوقع أن تتخذه تطورات الوضع في الأردن؟
في الحقيقة من الصعب التنبؤ بالسياق في المنطقة بشكل عام وفي الأردن على وجه التحديد. لقد بدأت الأزمة عند الساتر الترابي مع تدفق عشرات الآلاف من طالبي اللجوء عام 2014، وتفاقمت بين عشية وضحاها (في أقل من أربعة أشهر) ليصل عدد طالبي اللجوء العالقين هناك رقمًا مخيفًا وهو نحو 75,000 شخص. وللأسف فإنه في غياب إرادة سياسية دولية لإيجاد حل يضع على الفور حدًا لمعاناة ملايين السوريين، سواء أكانوا نازحين داخل سورية، أو لاجئين، أو طالبي لجوء فإن توقع أي تطورات في حد ذاته أمر بالغ الصعوبة، على الدول والمنظمات الإنسانية على حد سواء.
ولأنني أحاول أن أكون إيجابيًا، فإني أتطلع إلى أن يأتي اليوم الذي أحجز فيه رحلة طيران أصطحب فيها زوجتي إلى سورية، لأُريها المناظر الخلابة التي كنت أستمتع بها قبل 2011. هذه فقط مجرد أمنية، لكن آمل أن تتحقق في يوم من الأيام.