لبنان: أطفال لاجئون سوريون يتلقون العلاج في مستشفى تابعٍ للّجنة الدولية

19 حزيران/يونيو 2015
لبنان: أطفال لاجئون سوريون يتلقون العلاج في مستشفى تابعٍ للّجنة الدولية

 في براءة الأطفال، يلتقط «أحمد» ذو التسعة أعوام صور "السيلفي" مستخدمًا هاتف والدته، قبل أن يحين موعد تغيير الضمادات التي تُغطي ما تبقى مما كان يومًا ما ساقين يشتد عودهما، ويتحسس جروحه المتماثلة للشفاء بنفسه.

في إدلب بسورية، وقبل أربع سنوات، سقطت قذيفة هاون بالقرب من المنزل الذي يقطن فيه «أحمد» حيث كان يلعب، ليفقد ساقيه على الفور.

تقول والدته "يمان": "«أحمد» هو الأصغر بين أبنائي الخمسة، وبعد إصابته خضع لعملية جراحية وللعلاج قبل أن ننتقل إلى لبنان في 2012. لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، فمنذ وقوع الحادثة، لا يزال ابني يشعر بآلامٍ رهيبة".

خضع «أحمد» فور وصوله إلى لبنان لعملية جراحية أخرى، إلا أن الألم لم يزل يُلازمه. ومنذ ثلاثة أشهر، أودع "أحمد" مركز علاج المصابين بسبب الأسلحة الذي تديره اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ولا يقتصر دور المركز على إجراء العمليات الجراحية لجرحى الأسلحة فحسب، بل يضطلع بدور تدريبي للجراحين المحليين، وقد أنشأته اللجنة الدولية للصليب الأحمر في طرابلس بشمال لبنان في أيلول/ سبتمبر عام 2014، بموجب اتفاق مشترك مع وزارة الصحة اللبنانية.

يُذكر أن المركز يقدم العلاج الجراحي وكذلك الجراحات الترميمية مجانًا.

ما أن تنظر إلى وجه "أحمد"، لا يمكن أن تخطئ عيناك حبًا للحياة يُطلّ من ابتسامته المشرقة. غير أن هذا لم يكن حاله عند قدومه إلى المركز لأول مرة، إذ كان الصغير يمر بصدمة نفسية شديدة، وكان يصرخ بمجرد أن يقترب منه الطبيب أو الممرضة، وكان الطاقم الطبي يُضطر غالبًا إلى إعطائه أدوية مُهدئة حتى يتمكنوا من أداء عملهم.

تقول «ماج غوتارب" الممرضة المسؤولة عن أحد الأجنحة في مركز علاج المصابين بسبب الأسلحة: "كان يخاف من أي شيء ومن أي شخص، كنا نحاول كثيرًا استمالته بالمزاح معه تارةً وبالهدايا تارةً ولكن دون جدوى، وفي مرة من المرات فاجأنا بصراخه قائلًا: أريد أن أموت".

وتضيف «غوتارب» قائلةً: "كل التجارب التي مر بها "أحمد" كانت مروّعة، لذا فقد حاولنا استخدام أسلوب العلاج بالّلعِب؛ فأتينا بقطعة من الإسفنج و خطنا فيها غرزا تشبه الغُرَز المخيطة في رجليه، ثم طلبنا منه أن نلعب لعبةً يكون هو فيها الطبيب الذي عليه أن يفك الخيوط التي صنعناها في قطعة الإسفنج بمساعدتنا".

وهنا تغير حال «أحمد» من طفل خائف إلى شخص يمسك بزمام الأمور في هذه اللعبة الطريفة، بل سألنا إن كان بإمكانه تكرار هذه اللعبة مُجددًّا. وعندما حان الوقت لفك الخياطة التي في رِجليه، استغرق الأمر منا أكثر من ثلاث ساعات، إلا أنه لم يصرخ مرة واحدة طوال هذه العملية.

لم يكن "أحمد" الطفل الوحيد الذي وقع في مرمى نيران النزاع الدائر في سورية لينتهي به الحال في مركز علاج المصابين بسبب الأسلحة، ففي الغرفة المجاورة لغرفة «أحمد»، ترقد «هبة»، ابنة حمص البالغة من العمر ست سنوات.

أُصيبت "هبة" منذ عامين في إحدى رجليها عندما تعرض المنزل الذي تقطن فيه في حمص لهجوم. وبعد خضوعها لعمليتين جراحيتين، تتلقى «هبة» العلاج في المركز منذ أربعة أشهر.

"أحمد" و"هبة" طفلان منعتهما الإصابة من الالتحاق بالمدرسة، إلا أن أم كل طفل منهما يحدوها أمل أن يتعافى صغيره ليصبح قادرًا على الالتحاق بالمدرسة من جديد، وأن يكبُرا ليصبحا فردين ناجحين ومساهمين في المجتمع".

والآن أصبحت "هبة" تتحدث في اعتداد عمّا أحرزته من تقدم في علاجها، وكل ما تحلم به الآن هو أن تلتحق بالمدرسة مُجددّا، وأن تصبح طبيبة جرّاحة في المستقبل.

أما "أحمد" فكثيرًا ما يتحدث إلى أمه عن اشتياقه إلى المدرسة.

كل ما أتمناه لابني شيئين فقط: أن أراه يمشي ثانية، وأراه يُكمل تعليمه. لكن رؤيته يمشي من جديد دون أن يتألم هي غاية ما أتمناه الآن

دعم اللاجئين السوريين في لبنان

وتدعم اللجنة الدولية أيضًا، بجانب إدارة مركز علاج المصابين بسبب الأسلحة في طرابلس، المنشآت الصحية اللبنانية التي تقدم العلاج للسكان الذين فرّوا من سورية، لا سيما من خلال التبرع بالإمدادات والمعدات الطبية.

وتساهم المنظمة في إعادة الروابط بين أفراد العائلة الذين فقدوا الاتصال بعضهم ببعض أو الذين تشتّت شملهم من جرّاء النزاع في سورية، وتيسّر المنظمة، كلما أمكن، جمع شمل أفراد العائلة مع إيلاء اهتمام خاص للأفراد الأشد استضعافًا بما في ذلك الأطفال غير المصحوبين بذويهم.

ووفّرت اللجنة الدولية أيضًا مساعدات عينية للأشخاص الذين اضطروا إلى الفرار بسبب النزاع الدائر، بمن في ذلك اللاجئون الفلسطنيون من سورية واللبنانيون العائدون في مناطق عديدة من البلاد.

ونفّذت اللجنة الدولية برامج إمداد المياه في أرجاء لبنان، سعيًا منها لتخفيف الضغط الذي تئنّ تحت وطأته البنى التحتية والمجتمعات المضيفة من جرّاء التدفق الهائل للنازحين من سورية الناجم عن اندلاع النزاع. ونفذت اللجنة الدولية خلال السنة الماضية مشروعات رئيسية لإمداد بالمياه في وادي البقاع وجنوب البلاد، مما عاد بالنفع على أكثر من 240000 شخص بما في ذلك زهاء 90000 لاجئ.

 الصور: CC BY-NC-ND / ICRC / Hussein Baydoun