ألقاها السيد روبير مارديني، رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمراقب الدائم لدى الأمم المتحدة، نيويورك
بينما نصل إلى نهاية هذه السنة ونحن نحتفل بالذكرى السبعين لاتفاقيات جنيف، يسعد اللجنة الدولية رؤية الكثير من الفعاليات في جميع أنحاء العالم التي تظهر الدعم القوي الذي تقدمه الدول لقواعد الحرب الأساسية.
ورغم المشهد الميداني سريع التغير والاحتياجات الكبيرة والمتنامية، فإن الالتزام الأساسي بالمبادئ الإنسانية والعمل الإنساني ما يزال ثابتًا. وبالنظر إلى أن الالتزامات بحماية المدنيين والجرحى والمحتجزين هي التزامات جوهرية في اتفاقيات جنيف، فهذا أمر مشجع.
ولتعزيز هذا الزَّخْم، تود اللجنة الدولية أن توجه الانتباه إلى ثلاثة شواغل ملحة تؤثر على حماية الأشخاص وتقديم الإغاثة يجب على الدول معالجتها: 1) نقص الثقة ، 2) الأشخاص المحرومون من حريتهم بطريق الخطأ بسبب ارتباطهم بمجموعات مسلحة معينة، 3) النزاع داخل المدن.
أولاً، يعتمد العمل الإنساني القائم على المبادئ على الثقة – الثقة بين العاملين في المجال الإنساني وأطراف النزاع والسكان المتضررين والمانحين. من دون هذه الثقة، ستتعذر كفالة تقديم الإغاثة وحماية الفئات المستضعفة على نحو آمن وفقًا لأرقى المعايير.
يجب أن تكتسب الجهات الفاعلة في العمل الإنساني الثقة ويجب على الدول إظهارها. وبموجب القانون يحق للجهات الفاعلة الإنسانية غير المتحيزة، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تقدم خدماتها لجميع أطراف النزاع المسلح، ويجب أن تلتزم بالمبادئ الإنسانية فضلًا عن معايير الشفافية والفعالية. ويجب على الدول، من ناحية أخرى، أن تظهر ثقتها عن طريق الحفاظ على الحيز الإنساني - الجغرافي والتنظيمي – وأن تيسر العمل الإنساني غير المتحيز بما يتفق مع التزاماتها بموجب القانون الدولي. ويجب أن يكون التعاون، وليس التدخل، أساس العلاقات بين السلطات والمنظمات الإنسانية. وهذا أمر مهم لا سيما في مسائل الوصول وحماية البيانات والتقارير المالية وغيرها.
وتعمل اللجنة الدولية على تحسين مساءلتنا أمام الدول والأشخاص المتضررين من النزاعات، وتعزيز تدابير النزاهة وتحسين تواصلنا المجتمعي ومساءلتنا. لقد كان بناء الثقة من الأولويات الرئيسية في المؤتمر الدولي الثالث والثلاثين للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر الذي انتهى مؤخرًا، وسوف نمضي قدمًا بالالتزامات التي تم التعهد بها.
أما شاغلنا الثاني فيتعلق بالأشخاص المحرومين من الحماية المكفولة لهم قانونًا، بطريق الخطأ، بسبب ارتباطهم الفعلي أو المتصوَّر بمجموعات مسلحة معينة أو أولئك الذين صُنِّفوا إرهابيين. إذ تترك الحكومات الأشخاص عالقين في مأزق قانوني، دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، ودون تقديم الحماية القانونية التي يستحقونها.
ينطبق القانون الدولي الإنساني على جميع الأشخاص المتضررين من النزاع المسلح، دون استثناء. يجب على جميع الجهات الفاعلة قبول التزاماتها القانونية تجاه هذه المجموعة من الناس وكفالة عدم تعرضهم للتمييز. ويشمل ذلك إتاحة المجال للعمل الإنساني القائم على المبادئ – لا تقييده – بما في ذلك كفالة وجود ضمانات فعالة لمثل هذا العمل ضمن الأطر الأمنية المشروعة والإجراءات التي تتخذها الدول.
وأخيرًا، عندما تقع العمليات العدائية داخل المدن، من الضروري أن يكون سير العمليات العدائية وعمليات إنفاذ القانون وفقًا للقانون. فالعالم يتحول بسرعة كبيرة إلى النمط الحضري، مع تزايد أعداد الناس الذين يعيشون في المدن والمناطق الحضرية. لذا فقد يكون للنزاع المسلح والعنف في هذه المناطق عواقب وخيمة على الناس وعلى البنية التحتية التي يعتمدون عليها في معيشتهم.
نحن ندعو جميع الدول وأطراف النزاعات المسلحة إلى تجنب استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الأثر الواسع النطاق في المناطق المأهولة بالسكان، وذلك اتساقًا مع البيان المشترك الصادر عن رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمين العام للأمم المتحدة، وإحراز مزيد من التقدم بشأن نتائج مؤتمر فيينا في عام 2020.
ونحن نقر أيضًا بأهمية عمل السلطات الوطنية والمحلية والجهات الفاعلة في مجال التنمية معًا لكفالة استمرارية الخدمات الضرورية لاستمرار الحياة والخدمات المنقِذة للحياة في قطاعات المياه والصحة والكهرباء والتعليم والاقتصاد.
إن تمويل التنمية ضروري لاستمرارية البنية التحتية والخدمات في المناطق الحضرية. ونحن نرحب بالجهود التي تبذلها الحكومات ومؤسسات التمويل الدولية للحفاظ على استمرار ضخ تمويلات التنمية دون تحيز إلى جميع المناطق المأهولة في البلدان المتضررة من النزاع وهشاشة الدولة والعنف.
إن مواجهة التحديات المذكورة في هذه الكلمة ستكون علامة مهمة على الالتزام بإنسانيتنا المشتركة والعمل الإنساني القائم على المبادئ واتفاقيات جنيف في نهاية عام يشهد حلول الذكرى السنوية السبعين لتوقيع الاتفاقيات. واللجنة الدولية للصليب الأحمر مستعدة لتقديم العون للدول في تنفيذها تعهداتها والتزاماتها في هذا العام والأعوام القادمة.
شكرا لكم