الصومال: جفافٌ استحال إلى كارثة وعائلةٌ لا تجد ما يسدّ رمقها
داخل كوخ منعزل من القش يطلّ على مجرى نهر جاف، يجلس عبد الله ومعه أصغر ثلاثة من أطفاله. يرتسم البؤس على صفحة وجهه. والبيت يخلو من الطعام.
يبوح عبد الله بمكنون صدره، فيقول: "الأطفال الثلاثة الذين تراهم هنا لم يتناولوا عشاءهم الليلة الماضية."
طفلان منهم يلعبان بحاويات فارغة بينما الثالث يشدّ أبيه من قميصه جذبًا لانتباهه. والثلاثة جميعًا بما يبدوا عليهم من أمارات البراءة الطفولية غير مدركين لما ينتاب والدهم من مشاعر القلق.
نَقَل عبد الله زوجته و أطفاله الأحد عشر منذ شهرين إلى هذا المكان الذي يبعد 25 كيلو مترًا شمال "غاروي" في إقليم "نوغال" بالصومال، بعد ما نَفَقت ماشيته خلال موجة الجفاف الذي حلّ بالبلاد. لم ينجُ من الجفاف إلا 30 نعجة وخروفًا من بين قطيعِه الذي كان يبلغ يومًا ما 270 رأسًا. والأسوأ من هذا أن الماشية المتبقية معه هزيلة ويكاد يكون من المستحيل بيعها. وهي لا تدرّ لبنًا، وإن ذُبحت فأيّ لحم ستجودُ به على نحافتها هذه! وركونًا إلى آخر ملاذ أمامه انتقل عبد الله إلى مجرى النهر الجاف أملاً في أن يتمكن من بيع الرمال. لكن هذه المحاولة أيضًا لم تؤتِ ثمارها.
وبصوت متهدّج وعينين مغرورقتين بالدموع قال: "إن كنّا نعجز عن أن نسدّ رمقنا بهذه الماشية أو مما تنبته الأرض، فلا أدري كيف سيعيش أطفالي."
"هؤلاء الأطفال أمامك لم يتناولوا طعاماً الليلة الماضية." #الصومال pic.twitter.com/VpJwbQgrPT
— اللجنة الدولية (@ICRC_ar) March 7, 2017
الماشية حياة
أَلِف كثير من الصوماليين هذا الواقع القاسي. وقد رأى "محمد صلاة"، وهو راعي ماشية أيضًا يعيش في منطقة أبعد في هذا المجرى، قطيعَ ماشيته يتقلص من 360 نعجة وخروفًا إلى 90 رأسًا فقط. وقد ساق ماشيته إلى مورد الماء، بئر بمحازاة مجرى النهر الجاف.
"خلال حياتي، وأنا أبلغ من العمر 43 عامًا، لم أرَ أو أسمع بجفافٍ مثل الذي أراه الآن". ويضيف قائلاً: "في ما سبق لم نصحُ يومًا أبدًا لنجد ضروع نِعاجنا جافة."
وفي حين أن فترات الجفاف ليست بالشيء الجديد على الصومال، فقد تفاقمت الأحوال هذا العام بسبب موسم الأمطار الهزيل العام الماضي. والمثل الصومالي السّيّار، "الماشية حياة"، يتردد صداه ترددًا أعمق في مثل هذه الفترات العصيبة. فقد أفضى نقص المراعي وندرة المياه إلى نفوق الماشية، فحُرِم الناسُ من مصدر دخلهم وغذائهم. اضطّر الرعاة إلى الانتقال إلى المناطق الحضرية بحثًا عن الغذاء والماء. وواجه المسؤولون في المجال الطبي ارتفاعًا كبيرًا في عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية فيقصدون مراكز التغذية طلبًا للعلاج. وهذه جميعها آثار تبعث القلق إذ تنطوي على استدعاء مشاهد مجاعة عام 2011، وهي الكارثة التي حصدت ما يقدر بزهاء 260,000 شخصًا.
الأزمة تترك آثارها على الناس في أرجاء البلاد
مما يثير مشاعر القلق أن الآثار السلبية لموجة الجفاف باتت محسوسة في مناطق أكبر بكثير مما كان الأمر عليه في عام 2011. ففي إقليم "صول" الذي يبعد عن المكان الذي يعيش فيه عبد الله ومحمد بمئات الكيلومترات تقع قرية "غودكابوب". هذه القرية الصغيرة تقع على الطريق الرئيسي في الصومال الذي يربط بين شمال البلاد وجنوبها. تعيش "ساريد حجي جمعة"، وهي راعية مسنّة، في مخيم للنازحين يحيط بالقرية.
ومثل مواطنين آخرين كُثر في المخيمات الآخذة في النمو في الصومال تعيش هذه العجوز في فقر مدقع بعد ما التهمت موجة الجفاف قطيعها.
عندما سُئلت "ساريد حجي" عن عدد رؤوس الماشية التي امتلكتها في السابق، ضحكت ضحكة مكتومة تنبئ بحجم الخسارة التي مُنيت بها هذه المرأة، وقالت: "ما عدنا نتحدث عن ذلك." الماشية التي ما تزال على قيد الحياة تشكل عبئًا أكثر مما تدرّ من منا وتستطرد مبينة: "هذه الماشية لا تقوى على حمل أجسامها. ونحن نساعدها على الانتصاب على أقدامها في الصباح بمساعدة من الجيران."
وختمت كلامها بقولها: "نحن نطعم الماشية بل ونطبخ طعامًا لها. نطبخ لها طعامًا كما نفعل للبشر." ليس هناك غذاء يمكن لهذه الحيوانات أن تعثر عليه بنفسها.
التوقيت مسألة حياة أو موت
وقد شَرَعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالفعل في استجابتها، فقدّمت مساعدات غذائية وزادت من تيسير سبل الحصول على المياه، لإغاثة العائلات الأشد استضعافًا التي ضربتها موجة الجفاف، فابتدرت بإغاثة المناطق المعرّضة لاندلاع نزاعات فيها ويتعذّر على منظمات إغاثة عديدة الوصول إليها. وعائلة ساريد واحدة من هذه العائلات.