كلمة رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر: تمسكوا بالمبادئ التي تصون الإنسانية

24 آيار/مايو 2016

الكلمة التي ألقاها السيد بيتر ماورير رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر أمام مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني في إسطنبول، تركيا.

أصحاب المعالي،

السيدات والسادة،

أتحدث إليكم اليوم عن دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر بوصفها الوصي على اتفاقيات جنيف – تلك المعاهدات المصدّق عليها عالميًا والمنطبقة على أطراف النزاع كافة.

وفي قلب القانون الدولي الإنساني تأتي حماية المدنيين والمحتجزين والجرحى والمرضى وغيرهم ممن لا يشاركون في العمليات العدائية. وهذه الإنسانية المشتركة هي التي تُضفي على القانون الدولي الإنساني أهميته وشرعيته ومغزاه العالمي.

أتحدث إليكم، كذلك، لأن الملايين من الناس ممن يعانون من أثر النزاعات المسلحة حول العالم لا تصل أصواتهم للآخرين.

ولنتأمّل، ما الذي سيذكُره مؤرخو المستقبل عن زمننا هذا؟ أن ملايين البشر استُهدِفوا عن عمد أوعلى الأقل بلا اكتراث؛ أن منازلهم ومستشفياتهم ومدارسهم دُمِّرت وأن مدنًا بأكملها سُوّيت بالتراب؛ وأن ملايين الرجال والنساء والأطفال أُرغِموا على النزوح من ديارهم؟

ما يزال بإمكاننا أن نكتب سطورًا أخرى مختلفة في صفحات التاريخ.

وفي هذا السياق تحديدًا بإمكان القانون الدولي الإنساني أن يكون لنا – وللأجيال القادمة – هاديًا ومنيرًا في مسعانا الرامي إلى اجتياز أزمنة الحروب المظلمة وحتى ننحاز للاختيارات السديدة حينما نجد أنفسنا في دوامات العنف والكراهية، وأمام أيديولوجيات راديكالية تدعو للإقصاء والتدمير.  

وقد حان الوقت لسد الفجوة الهائلة جدًا التي تفصل الخطاب الدائر حول القانون الدولي الإنساني عن الممارسات الفعلية في الحروب. ويجب الحفاظ على إجماع الأطراف المتحاربة والتفافهم حول القانون.

احترام القانون هو الخطوة الأولى حتى تستقيم الموازين. الأمر بسيط، لكنه يتطلب ما يلي:

  • لا تستهدف المدنيين
  • لا تغتصِب أو تعذِّب أحدًا أو تنفِّذ إعدامات بإجراءات موجزة بحق أحد
  • لا تقصف مستشفيات ومدارس بالقنابل أو تهاجمها بطرق أخرى
  • لا تهدد أو تخطف أو تقتل الأشخاص المعنيين بتقديم المساعدة للمتضررين
  • لا تستخدم المدنيين كدروع بشرية
  • لا تستخدم أسلحة غير قانونية ولا تستخدم الأسلحة المشروعة بطريقة غير قانونية

وإذا رأيت أيًّا من هذه الانتهاكات تحدث: افعل شيئًا حيالها بما تتيحه سلطاتك وبما أوتيت من قوة. ولا تستمرئ غسل اليد من دماء كل الضحايا المدنيين بالإعلان عن أن سقوطهم مجرد أضرار جانبية.

احترم القانون الدولي الإنساني:

  • ابذل كل ما بوسعك لحماية المدنيين باختيارك للأسلحة والتكتيكات العسكرية؛
  • وفّر الإغاثة للذين يعانون واسمح بالوصول لمن يقدمون المساعدة بطريقة محايدة ومستقلة وغير متحيزة؛
  • اعتنِ بالذين يفرّون من ديارهم من جرّاء العنف؛
  • عامِل المحتجزين معاملة إنسانية.

مع ارتكاز القانون الدولي الإنساني على المبادئ لا يزال يتسم أيضًا بأنه عملي: فهو لا يستبعد نشوب الحرب إنما يضع حدودًا لسير القتال، وبالتالي يقر هذا القانون بالمعضلة الفعلية المتمثلة في إحداث توازن بين الضرورة العسكرية والواجب الإنساني.

غير أن القانون لا يمكن أن يكون إلا وسيلة لغاية ما. فالقانون ليس غاية في حد ذاته.

يمكن أن يكون القانون الدولي الإنساني وسيلة عظيمة إذا طُبِّق بنية حسنة وفُسِّر وطُوِّر باستمرار ليتوائم والتحديات الجديدة.

ويجب ألا يُساء استخدام القانون كوسيلة سياسية ضد الأعداء، ما يفاقم الأوضاع المتوترة بالفعل.

ويجب أن يساعد على خلق مساحة للحوار بين الأطراف المتحاربة.

ويجب أن يكون القانون أساسًا للحوار المتجدد حول التحديات والمعضلات الخاصة بالحفاظ على الحد الأدنى من الإنسانية أثناء الحرب، ومن ذلك: إدخال طرود غذائية وأطباء للمناطق المحاصرة وإدخال الفرق لزيارة السجون للتصدي لسوء التغذية وتفشي الأمراض وإدخال مهندسين لإعادة بناء شبكات الصرف الصحي وغيرها من أعمال إعادة الإعمار.

ولأن الحرب تحشد آلتها لتوقِع أشد الخسائر بعبثية خالصة، فنحن بحاجة إلى الاستمرار في الاستثمار والتعاون والتفاوض حتى نترجم روح القانون إلى واقع يلمسه الأشخاص الذين هم في أمسّ الحاجة للحماية.

ولا يقتصر الاهتمام بالقانون الدولي الإنساني على حفنة من العسكريين والقانونيين وحسب، بل صار حديث الساعة وجزء لا يتجزأ من المشهد الإنساني. ولهذا القانون بوجه عام قيمته المعتبرة بوصفه منظومة معيارية قوية، وأهميته لا تقل عن ذلك بالنسبة لكل الذين يعانون من جرّاء الحرب.

ومن خلال خبرتنا على الخطوط الأمامية للنزاعات المسلحة فإننا على أهبة الاستعداد للتعاون معكم، جمعًا وأفرادًا، على الملأ أو بصورة سرية، بحسب ما ترونه ملائمًا، لنتحرك قدمًا إلى المستوى التالي لنصوغ حلولًا عملية للمعضلات ولنفهم خصوصيات بيئاتكم الخاصة ونستقي المعرفة سويًا من أنجح الممارسات.

إنني أدعوكم لاحترام القانون الدولي الإنساني والعمل على ضمان كفالة احترامه حتى نحفظ التوازن في عالم تسعي فيه قوى عديدة مختلفة إلى الاستقطاب في جميع الاتجاهات المختلفة. 

وإذا كانت هذه القمة تسعى إلى إحراز نجاح، يجب أن تركز نتائجها على الناس لا الأنظمة.

ويجب أن تتبع الالتزاماتِ خطواتٌ ملموسة وتغيّرٌ عميق في سلوك الأطراف كافة. إن أقل ما يستحقه البشر الذين يعانون من جرّاء الحروب أن تُتَّخذ خطوات فعلية توفر الحماية لأرواحهم وتصون كرامتهم الإنسانية.

إنني أهيب بكم إلى اغتنام فرصة انعقاد هذه القمة لتجديد الالتزام بالعقد العالمي للإنسانية الماثل في نصوص القانون الدولي الإنساني – لِما في ذلك من تحقيق لمصلحتكم، وأجل، لمصلحة أعدائكم أيضًا.

استغلوا سلطاتكم حتى تضمنوا أن يكون للحرب حدود – وليكن ذلك في كل يوم وفي كل نزاع مسلح ولمصلحة الجميع – لأن الحروب إذا كانت بلا حدود فلن يُكتَب سطرها الأخير أبدًا.

 

شكرا جزيلا لكم!