سوريا: برنامج الدعم الطارئ للمحتجزين المفرج عنهم

في كانون الأول 2024، أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر برنامج. الطوارئ لدعم المحتجزين السابقين الذين أُفرج عن خلال الأحداث التي أدت إلى تغيير الحكومة في سوريا. كان الهدف من البرنامج دعم المحتجزين السابقين وتلبية الاحتياجات الصحية والاجتماعية والنفسية الكبيرة، خاصة لأولئك الذين تحملوا ظروف احتجاز صعبة أو كان وصولهم إلى الرعاية الصحية والاتصال بعائلاتهم محدوداً.
برنامج الدعم الطارئ للمحتجزين المُفرج عنهم في سوريا
استجابت هذه المبادرة للاحتياجات الملحّة المرتبطة بالإفراج عن الآلاف من الأشخاص الذين حُرموا من حريتهم وللتحديات التي واجهوها بعد إطلاق سراحهم المفاجئ خلال الأحداث التي أدت إلى تغيير الحكومة في كانون الأول 2024. وكجزء من هذا البرنامج المتعدد التخصصات، قدمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدعم للمحتجزين السابقين لتغطية بعض النفقات التي تكبّدوها ومنها تكاليف علاج الحالات الصحية التي نشأت عن فترة الاحتجاز، بما في ذلك الجراحة، والأجهزة المساعدة (كأجهزة السمع)، والاستشارات الطبية التخصصية. وفي بعض الحالات، تم نقل بعضهم بسيارات الإسعاف وتقديم الرعاية الطبية اللازمة. شمل هذا البرنامج أيضًا خدمات التأهيل البدني والأطراف الصناعية، والدعم النفسي، ورسوم التنقل للوصول الى مواعيد الاستشارات الطبية. وقد صُمّمت هذه الخدمات لتلبية الاحتياجات العاجلة وطويلة الأمد لهؤلاء المحتجزين المفرج عنهم، ومساعدتهم على إعادة بناء حياتهم وضمان سلامتهم النفسية بعد الإفراج.
الأثر الإنساني لبرنامج الدعم بعد الإفراج
تغيرت الكثير من الأمور في سوريا في 8 كانون الأول 2024، خاصة بالنسبة لأولئك الذين أُفرج عنهم بشكل مفاجىء من مراكز الاحتجاز. بشكل عام وفي جميع أنحاء العالم، تُعد فترة ما بعد الإفراج عن المحتجزين مرحلة حرجة، إذ يواجه العديد منهم حالات صحية جديدة أو متفاقمة، بما في ذلك الأمراض المعدية، وحالات مزمنة غير مُعالجة، وتحديات نفسية. وفي الوقت ذاته، تعيقهم عدة صعوبات من الحصول على الرعاية الطبية، مثل التكاليف المالية، والوصمة الاجتماعية، وغياب السجلات الطبية، وصعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية.
علاوة على ذلك، يتعيّن عليهم مواجهة أولويات ملحّة كإعادة بناء العلاقات، وتأمين السكن، والاستقرار الاقتصادي. وقد تجلّت هذه التحديات مجتمعة لآلاف الأفراد الذين أُفرج عنهم من السجون في سوريا.
منذ إطلاق البرنامج في كانون الأول 2024، تواصل أكثر من 500 من المحتجزين السابقين مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لطلب المساعدة في إعادة الاتصال بالعائلة، ومعالجة المشكلات الصحية والنفسية وتلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى.
وبفضل خبرتها الواسعة في العمل في مراكز الاحتجاز، تمكنت اللجنة الدولية للصليب الأحمربشكل سريع من تطوير برنامج الدعم الطارئ ما بعد الإفراج لمعالجة الاحتياجات الطبية والنفسية والاقتصادية المتوقعة لهؤلاء الأفراد. ومن خلال التعاون مع المستشفيات، ومقدمي الرعاية الصحية الأولية، والمنظمات غير الحكومية، والهلال الأحمر العربي السوري، استطاعت اللجنة الدولية ضمان توفير رعاية طبية للمحتجزين السابقين بوقت مناسب وبجودة عالية.
وفي غضون سبعة أشهر، ساعد البرنامج 176 شخصًا في الحصول على العلاج الطبي الضروري، بينما يجري حاليًا تقييم حالات أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، تلقى 140 من المحتجزين السابقين دعمًا نفسيًا من قبل أخصائيين نفسيين يعملون في العيادات المتعددة التخصصات، وعيادات الصحة النفسية، ومراكز التأهيل البدني. ويخضع هؤلاء الأخصائيون لتدريب وإشراف مستمرين من قبل فريق الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي التابع للجنة الدولية، لضمان استجابة مناسبة تلبي الاحتياجات الخاصة للمحتجزين السابقين، مثل الآثار النفسية الناتجة عن ظروف الاحتجاز الصعبة.
بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، سواء كان الأمر يتعلق بإجراء جراحة منقذة للحياة، أو استعادة حاسة السمع، أو استعادة القدرة على المشي مجددًا بشكل مستقل، فقد عمل هذا الدعم على تغييّر حياتهم بشكل جذري، وفتح أمامهم طريقًا لإعادة الاندماج في مجتمعاتهم وبناء حياتهم من جديد.
قصة ريما: فرصة جديدة للحياة
من خلال البرنامج، تعرفنا على قصة ريما المؤلمة، الطفلة البالغة من العمر أربع سنوات، والتي طبعت المعاناة حياتها في وقت مبكر. قضت ريما تسعة أشهر طويلة مع والدتها البالغة من العمر 25 عامًا في مرفق احتجاز تابع لأحد فروع الأمن ، ما ترك أثرًا جسديًا ونفسيًا كبيرًاعليهما في ظل عدم إمكانية التواصل مع العالم الخارجي، بما في ذلك العائلة، والممثلين القانونيين، والرعاية الصحية.
وُلدت ريما بتشوه خلقي في القلب — وهو حالة تتطلب، في الظروف الطبيعية، رعاية ومراقبة دقيقة وتدخلًا طبيًا مبكرًا. ومع مرورالوقت دون تلقي أي علاج طبي، تدهورت حالة ريما الصحية. وكانت والدتها، والتي هي بدورها ضحية للظروف، عاجزة عن فعل أي شىء سوى مشاهدة صحة طفلتها تتدهور داخل جدران قاسية وخانقة.
في كانون الأول، تم الإفراج عن ريما ووالدتها. وأُتيحت لريما أخيرًا الفرصة للخضوع للتقييم الطبي الذي كشف عن الحاجة الماسة لإجراء جراحة قلبية وتلقي علاج طويل الأمد بالأكسجين. اعتُبرت الجراحة منقذة للحياة، إلا أن تكلفتها الباهظة كانت خارج قدرة العائلة المالية. شعرت العائلة باليأس، وطرقت أبواب العديد من الجمعيات الخيرية، لكن جميعها أُغلقت في وجههم بسبب التكلفة الباهظة.
أحال شركاؤنا في الهلال الأحمر العربي السوري حالة ريما إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ورغم خطورتها على حياتها، إلا أنها كانت قابلة للعلاج، وكان الأطباء متفائلين بفرص التعافي.
ورغم التحديات، رأينا في هذه الحالة فرصة حقيقية لتغيير قصة ريما ومنحها فرصة للتعافي وأمل في المستقبل.
وبالتعاون مع مستشقى أمية ، الذي وافق فريقه الطبي على تخفيض أتعابه ، تمكنّا من رفع العبء المالي عن العائلة. هذا التعاون المبني على التعاطف والإنسانية المشتركة أتاح لنا ضمان وصول ريما وأسرتها إلى الرعاية الصحية والعلاج اللازمين وبشكل عاجل.
تستذكر جدة ريما اللحظة التي تلقت فيها مكالمة تفيد بأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر سوف تغطي نفقة الجراحة – لحظة لا تُنسى..
بالنسبة لريما، لم يكن الأمر مجرد إجراء طبي منقذ للحياة، بل استعادة لطفولتها، ولإمكانية الضحك واللعب من جديد.

ريما الآن في طريقها إلى التعافي. رحلتها تذكّرنا بأنه خلف كل حالة وكل مورد صغير يُخصص، هناك إنسان له قصة وعائلة وحياة تستحق العيش.

العمل لصالح الأشخاص المحرومين من حريتهم
في كل يوم، وفي مناطق النزاع حول العالم، يُحتجز رجال ونساء وأطفال ويُحرمون من حريتهم. وقد ينقطع تواصلهم مع عائلاتهم ، ويُجبرون على العيش في ظروف غير إنسانية، مع وصول محدود إلى الغذاء والمياه، و خدمات رعاية صحية متردّية.
و رغم اختلاف أسباب وظروف احتجازهم ،فإن الاحتياجات الإنسانية للمحتجزين تبقى واحدة في جميع أنحاء العالم .إن العمل الذي تقوم به اللجنة الدولية للصليب الأحمر لصالح الأشخاص المحرومين من حريتهم يجلب الأمل في ظروف شديدة الصعوبة.
- نظرا لانتهاء برنامج الدعم الطارئ الذي أطلق في ديسمبر/كانون الأول 2024 للاستجابة للاحتياجات العاجلة المرتبطة بالإفراج المفاجئ عن آلاف الأشخاص المحرومين من حريتهم، أوقفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الخط الساخن المخصص للمحتجزين السابقين في مايو/أيار 2025.