المشاركة المباشرة في العمليات العدائية: أسئلة وأجوبة
02-06-2009 الأسئلة الشائعة
نشرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤخراً وثيقة توجيهات تفسيرية حول ما جاء في القانون الدولي الإنساني بشأن المدنيين الذين يشاركون مباشرة في العمليات العدائية. والغرض من الوثيقة هو المساعدة على التمييز بين المدنيين الواجب حمايتهم من الهجوم وأولئك الذين يجوز استهدافهم شرعاً في حالات استثنائية للغاية. وتلخص هذه الأسئلة والأجوبة الوثيقة التوجيهية.

إن الهدف الأول من القانون الدولي الإنساني هو حماية ضحايا النزاعات المسلحة وتنظيم سير العمليات العدائية. ويجب على المشاركين في القتال التمييز أساساً بين المقاتلين الذين يجوز مهاجمتهم شرعاً والمدنيين المحميين من الهجوم إلا إذا شاركوا في العمليات العدائية وطيلة مشاركتهم فيها مباشرة.

لقد ساهم المدنيون على مر التاريخ في المجهود الحربي العام، وذلك على سبيل المثال من خلال إنتاج الأسلحة وتوفير إمداداتها والمعدات والمواد الغذائية والمأوى أو من خلال تقديم الدعم السي اسي والمالي. وتم القيام بهذه الأنشطة بعيداً عن ساحة المعركة. ولم يشارك في المعركة الفعلية عادة سوى القليل من المدنيين.
بيد أن طبيعة الحرب تغيرت بشكل جوهري خلال العقود الأخيرة، وساهم عدد من العوامل في جعل التمييز بين المدنيين والمقاتلين ضبابياً. فانتقلت العمليات العسكرية من ميادين المعركة الواضحة وأصبحت تدور رحاها أكثر فأكثر داخل مراكز سكانية، كمدن غزة وغروزني ومقديشو على سبيل المثال. كما زادت مشاركة المدنيين في الأنشطة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمعارك الفعلية. فالمقاتلون لا يميزون دائماً أنفسهم بوضوح عن المدنيين، ويفضلون على سبيل المثال العمل " كمزارعين أثناء النهار وكمقاتلين أثناء الليل. " علاوة على هذا جرى في بعض النزاعات إسناد المهام العسكرية التقليدية لشركات خاصة تم التعاقد معها أو مدنيين يعملون لمصلحة القوات المسلحة للدولة أو لجماعات مسلحة منظمة.
ومن خلال عملها الإنساني الواسع النطاق في النزاعات المسلحة المعاصرة أدركت اللجنة الدولية أن التمييز غير الواضح بين الوظائف المدنية والعسكرية والمشاركة المتزايدة للمدنيين في العمليات العسكرية أحدث خلطاً بشأن من الذي يعد هدفاً عسكرياً مشروعاً ومن الذي يجب حمايته من الهجوم المباشر. ونتيجة لهذا الخلط أصبح من الأكثر ترجيحاً أن يقع المدنيون ضحايا جمات خاطئة أو غير ضرورية أو تعسفية، في حين يواجه الجنود غير القادرين على التعرف إلى عدوهم بشكل ملائم خطر التعرض للهجوم من قبل أشخاص لا يمكنهم أن يميزونهم عن المدنيين.

عقدت اللجنة الدولية عدة اجتماعات بين 2003 و2008 حضرها ما بين 40 و50 خبيراً قانونياً من الأوساط الأكاديمية والعسكرية والحكومية وغير الحكومية؛ وشاركوا جميعاً بصفتهم الشخصية. واستناداً إلى المناقش ات والبحوث التي أجراها الخبراء وضعت اللجنة الدولية مسودة وثيقتها بعنوان " التوجيهات التفسيرية حول مفهوم المشاركة المباشرة في العمليات العدائية تحت طائلة القانون الدولي الإنساني " (التوجيهات التفسيرية). وإذا كانت وجهات النظر العريضة والمتنوعة التي أعرب عنها خلال مناقشات الخبراء قد سُجِّلت ونُشرت في تقارير منفصلة حول اجتماع الخبراء، فإن التوجيها التفسيرية نفسها لا يُقصد منها أن تعكس رأيا بالإجماع أو بالأغلبية للخبراء المشاركين بشأن المسائل المعالجة. بل على العكس من ذلك تقدم التوجيهات التفسيرية توصيات اللجنة الدولية حول كيفية تأويل أحكام القانون الدولي الإنساني ذات العلاقة بمفهوم المشاركة المباشرة في العمليات العدائية.

تهدف التوجيهات التفسيرية إلى الإجابة على الأسئلة التالية:
مَن هو مدني وبالتالي مَن الذي يحق له التمتع بالحماية ضد الهجوم المباشر إذا لم يشارك مباشرة في العمليات العدائية وطالما لم يشارك فيها؟
ما هو السلوك الذي يرقى إلى المشاركة المباشرة في العمليات العدائية والذي يؤدي بالتالي إلى فقدان المدني للحماية من الهجوم المباشر؟
ما هي الشروط التي تحكم فقدان الحماية من الهجوم المباشر؟
مَن هو المدني لأغراض مبدأ التمييز؟
من المهم التمييز بين أفراد القوات المسلحة للدولة أو الجماعات المسلحة المنظمة (الذين تتمثل وظيفتهم في خوض عمليات عدائية لصالح أحد الأطراف في نزاع مسلح ما) عن المدنيين (الذين لا يشاركون مباشرة في العمليات العدائية أو الذين لا يشاركون فيها سوى بصورة عفوية أو متقطعة أو غير منظمة). وتذهب وثيقة التوجيهات التفسيرية للجنة الدولية إلى أن كل الأشخاص الذين لا ينتسبون إلى القوات المسلحة للدولة أو إلى الجماعات المسلحة المنظمة والمنتمين إلى طرف في النزاع المسلح هم مدنيون وبالتالي هم محميون ضد الهجوم المباشر إلا إذا شاركوا مباشرة في العمليات العدائية وطيلة مشاركتهم فيها.
تشمل القوات المسلحة للدولة في النزاعات المسلة الدولية وغير الدولية كل القوات المسلحة المنظمة أو الجماعات أو الوحدات الواقعة تحت قيادة مسؤولة تابعة لدولة طرف في النزاع. أما في النزاعات المسلحة غير الدولية كالحروب الأهلية تفشكل الجماعات المسلحة المنظمة القوات المسلحة لطرف في النزاع لا يكون دولة.
وقد يكون من الصعب تحديد الفارق بين أفراد الجماعات المسلحة المنظمة والسكان المدنيين. فالمدنيون يدعمون حركات التمرد بطرق مختلفة، وذلك بالمشارة أحياناً مباشرة في العمليات العدائية عفوياً أو بصورة متفرقة أو غير منظمة. لكن لا يمكن النظر إلى المدنيين على أنهم أفراد في الجماعات المسلحة المنظمة إذا لم يأخذوا على عاتقهم " مهمة القتال المتواصل " ، أي ما لم يقوموا بمهمة متواصلة تشمل مشاركتهم المباشرة في العمليات العدائية. ولا يتمتع أفراد الجماعات المسلحة المنظمة بنفس الوضع المتميز الذي يتمتع به مقاتلو القوات المسلحة للدولة، وبالتالي يمكن مقاضاتهم داخل وطنهم حتى لمجرد حمل السلاح.
ما هو السلوك الذي يرقى إلى المشاركة المباشرة في العمليات العدائية؟
شارك أشخاص في العمليات العدائية مباشرة عندما ينفذون أفعالاً الغرض منها دعم أحد أطراف النزاع بإلحاق الأذى المباشر بطرف آخر، إما بالقتل أو الجرح أو التدمير المباشر وإما بإلحاق الضرر مباشرة بعمليات العدو العسكرية أو إضعاف قدرته. وإذا اركتب المدنيون هذه الأفعال وطالما ارتكبوها فإنهم يشاركون مباشرة في العمليات العدائية ويفقدون حمايتهم ضد الهجوم.
ومن أمثلة إلحاق الضرر بطرف آخر إلقاء القبض على أفراد الجيش أو جرحهم أو قتلهم؛ أو تدمير أهداف عسكرية أو تقييد أو إعاقة الانتشار أو الدعم اللوجيستي أو الاتصالات، مثلا من خلال التخريب أو إقامة حواجز أو قطع إمدادات الطاقة عن محطات الرادار. ومن الأمثلة الأخرى أيضاً التشويش الإلكتروني على شبكة الكبيوتر التابعة للجيش (الهجوم على شبكة الكمبيوتر) ونقل معلومات استخباراتية لضرب التكتيك بغية شن هجوم ما. وتعد استخدام الأسلحة الموقوتة كالألغام أو الشراك أو نظم الأسلحة التي يتم التحكم فيها عن بعد كالطائرات بدون طيار، كلها أفعالاً تسبب أيضاً ضرراً " مباشراً " للعدو، وبالتالي ترقى إلى المشاركة المباشرة في العمليات العدائية.
أما المشاركة " غير المباشرة " في العمليات العدائية فتساهم في المجهود الحربي العام لإحدى الأطراف، لكنها لا تسبب ضرراً مباشراً وبالتالي لا تؤدي إلى فقدان الحماية من الهجوم. وقد يشمل ذلك على سبيل المثال إنتاج وشحن الأسلحة وبناء الطرقات والبنية التحتية الأخرى وتقديم الدعم المالي والإداري والسياسي.
قد يكون من الصعب تحديد الفارق بين المشاركة " المباشرة " و " غير المباشرة " لكنه مسألة حيوية. فعلى سبيل المثال نقل الذخيرة بواسطة سائق شاحنة مدني إلى موقع لإطلاق النار في الخطوط الأمامية يمكن اعتباره تقريباً جزءاً لا يتجزأ من المعركة المستمرة، وبالتالي من شأنه أن يشكل مشاركة مباشرة في العمليات الحربية. وعلى النقيض من ذلك، يعد نقل الذخيرة من مصنع إلى ميناء بعيد عن منطقة النزاع أقل ارتباطاً باستخدام تلك الذخيرة في عمليات عسكرية محددة حتى يمكن اعتباره فعلاً يسبب ضرراً " مباشراً " . وبالرغم من أن الشاحنة تظل هدفاً عسكرياً مشروعاً، فإن سياقتها لا ترقى إلى المشاركة المباشرة في العمليات العدائية، وبالتالي لا يمكن استهداف السائق المدني بمعزل عن الشاحنة.
ولا ترقى كل أعمال العنف التي تحدث في نزاع مسلح ما إلى مشاركة مباشرة في العمليات العدائية. وكي يشكل عمل من أعمال العنف مشاركة مباشرة لا يجب أن يسبب ضرراً مباشراً بصورة موضوعية فحسب، وإنما ينبغي أيضاً أن يكون مصمماً خصيصاً لتسبيب الضرر بتقديم الدعم لأحد أطراف النزاع المسلح وعلى حساب الطرف الآخر. ومن بين الأفعال التي لا ترقى إلى المشاركة المباشرة في العمليات العدائية على سبيل المثال، المظاهرات السياسية العنيفة أو سرقة بنك لا علاقة لها بالحرب أو حدث يدفع بأعداد كبيرة من المدنيين الفارين إلى سد إحدى الطرقات، لا لمساعدة طرف في النزاع المسلح بل كمحاولة لحماية أنفسهم من العمليات العدائية.
ما هي الشروط التي تحكم فقدان الحماية من الهجوم المباشر؟
طالما شارك المدنيون في العمليات العدائية مباشرة، فإنهم يفقدون حمايتهم من الهجوم. ولكن ما هي القواعد والمبادىء التي تنظم استخدام القوة ضدهم؟ وفي أية ظروف يستعيدون الحماية؟ وتخلص الوثيقة التفسيرية إلى النتائج التالية:
يفقد المدنيون الحماية من الهجوم المباشر طيلة فترة ارتكاب كل فعل بعينه يرقى إلى المشاركة المباشرة في العمليات العدائية. ويشمل هذا أي استعدادات وعمليات انتشار جغرافي أو انسحاب تكون جزءاً لا يتجزأ من عمل عدائي محدد. ويفقد أفراد الجماعات المسلحة المنظمة الذين ينتسبون إلى طرف في النزاع الحماية من الهجوم المباشر طيلة فترة انتسابهم إلى ذلك الطرف (أي طالما أنهم يتولَّون مهمة القتال المتواصل).
ولتفادي الاستهداف الخاطىء أو التعسفي للمدنيين يتعين على أطراف النزاع اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لتحديد ما إذا كان الشخص مدنياً وما إذا كان يشارك مشاركة مباشرة في العمليات الحربية، إذا كان مدنياً. وفي حالة الشك يجب الافتراض أن الشخص المعني بالأمر محمي من الهجوم المباشر.
إن فقدان الحماية من الهجوم المباشر، سواء بسبب المشاركة المباشرة في العمليات العدائية (مدنيون) أو ممارسة وظيفة القتال المستمر (أفراد الجماعات المسلحة المنظمة) ليس مفاده أن الأشخاص المعنيين يقعون خارج نطاق حماية القانون. فحتى الهجمات على الأهداف العسكرية المشروعة تخضع لقيود قانونية، سواء استناداً إلى القانون الدولي الإنساني أو إلى فروع القانون الدولي الأخرى، كقانون حقوق الإنسان. ويجب أن تكون كل عملية عسكرية متطابقة مع قواعد القانون الدولي الإنساني التي تحظر أو تقيد اللجوء إلى وسائل وأساليب معينة في الحرب. بالإضافة إلى هذا تستوجب مبادىء الضرورة العسكرية والإنسانية عدم ارتكاب القتل أو الإصابة بالجرح أو التدمير أكثر مما هو ضروري لتحقيق هدف عسكري مشروع في الظروف السائدة. وبينما لا يجوز مطالبة المقاتلين بتعريض أنفسهم أو تعريض السكان المدنيين للمزيد من الخطر بغية القبض على أحد أفراد الخصم حياً، قد يكون من المخالف للمفاهيم الأساسية للإنسانية قتل خصم أو الامتناع عن منحه فرصة للاستسلام حينما لا تكون هناك حاجة ظاهرة لاستخدام القوة للقتل.
إن القانون الدولي الإنساني لا يحظر ولا يستحسن مشاركة المدنيين المباشرة في العمليات العدائية. وبالتالي فإن هذه المشاركة لا تشكل في حد ذاتها جريمة حرب. إلا أنه يمكن مقاضاة المدنيين الذين شاركوا مباشرة في العمليات العدائية على أية جريمة ارتكبوها بموجب القانون الوطني حتى وإن كانت جريمتهم هذه لا تشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني. وحتى إذا استعاد المدنيون الحماية الكاملة من الهجوم المباشر بعدما يكفون عن المشاركة المباشرة في العمليات العدائية، فإن ذلك لا يستبعد استخدام القوة اللازمة والمتناسبة ضدهم طبقاً لمعايير إنفاذ القانون. وينسحب الأمر نفسه على أفراد الجماعات المسلحة المنظمة بعدما يكفون عن ممارسة وظيفتهم، التي هي القتال المستمر.

إن الوثيقة التفسيرية لا تغير شيئاً من قواعد القانون الدولي الإنساني ومبادئه القائمة، بل تسهل تأويلها بصورة متماسكة.
فهذه الوثيقة لم توضع لكي تعكس آراء الخبراء المشاركين في العملية بالإجماع أو بالأغلبية، بل تمثل وجهات نظر اللجنة الدولية للصليب الأحمر كمنظمة إنسانية محايدة ومستقلة أسندت إليها الدول مهمة التعريف بالقانون الدولي الإنساني والعمل على ضمان فهمه فهما أفضل. وهناك نظرة شاملة لمناقشات الخبراء تضمنتها تقارير منفصلة عن اجتماع الخبراء، ستنشر مع الوثيقة التفسيرية.
وفي حين أن الوثيقة التفسيرية ليست ملزمة قانوناً، فإن اللجنة الدولية تأمل أن تكون مقنعة للدول والفرقاء من غير الدول والممارسين والأكادميين على حد سواء وأن تساعد في نهاية المطاف على ضمان حماية أفضل للسكان المدنيين من أخطار الحروب.