حق الحصول على الطعام أثناء حالات النزاع المسلح: الإطار القانوني

31-12-2001 مقال، المجلة الدولية للصليب الأحمر، العدد844، بقلمجيلينا بليك

  جيلينا بليك هي مستشار قانوني لدى القسم القانوني للجنة الدولية للصليب الأحمر.  

     

     

* * *

تعد النزاعات المسلحة أحد العوائق الرئيسية لحق الحصول على قدر كاف من الطعام في كثير من أجزاء العالم اليوم. فالحرب تعرقل كل مراحل التغذية البشرية: إنتاج الأغذية وتوفيرها وإعدادها وتوزيعها واستهلاكها واستخدامها البيولوجي, وتخلف بالتالي سوء التغذية والأمراض والموت في أعقابها. ونظراً إلى أن القانون الدولي الإنساني هو مجموعة القواعد التي تطبق بالتحديد في حالات النزاع المسلح, وأن الكثير من أحكامه تتصل بالطعام, فلا بد أن ينظر إليه كمكمل لقواعد حقوق الإنسان التي تتصل بحق الحصول على طعام كاف.

 

وبينما تتفق أهداف القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان, أي حماية حياة وصحة وكرامة الأفراد أو المجموعات من الناس, فإن السبيل الذي يتخذه كل منهما لكفالة هذه الحماية يختلف اختلافاً كبيراً نتيجة لاختلاف الظروف التي يطبق كل منهما فيها. ولأغراض هذه الدراسة, ثمة ثلاث خصائص للقانون الدولي الإنساني تتسم بأهمية خاصة: 1) أنه يشتمل على قواعد محددة, وغالباً مفصلة, يتعين على أطراف النزاعات المسلحة تطبيقها في الحال وليس تدريجياً, 2) أنه ملزم للدول وغير الدول بلا نقاش, ولذا فليس هناك أي التباس فيما يختص بالالتزامات القانونية للأطراف الأخيرة, 3) لا يجوز الاستثناء من قواعد هذا القانون حيث إنه وضع خصيصاً لمعالجة حالات النزاع المسلح الاستثنائية بطبيعتها.

 

وإذا كان القانون الدولي الإنساني لا يشير إلى " حق الحصول على الطعام " , فإن الكثير من أحكامه تستهدف عدم حرمان الأشخاص أو المجموعات التي لا تشارك في الأعمال العدائية, أو لم تعد تشارك فيها, من الطعام أو من الحصول عليه. وسيتم تحديد هذه الأحكام فيما يلي وتقسيمها إلى قواعد ذات وظيفة وقائية وقواعد خاصة بالمساعدة الإنسانية للسكان المدنيين. وفي الختام, يأتي ذكر القواعد الخاصة بفئات معينة من الأفراد. إن هذا الاستعراض ليس كاملاً وإنما الغرض منه هو إبراز أحكام القانون الدولي الإنساني الأكثر اتصالاً بالموضوع.

 

  قواعد ذات وظيفة وقائية  

يستكمل القانون الدولي الإنساني قواعد الحقوق الإنسانية الخاصة بحق الحصول على الطعام الكافي عن طريق تحديد سلوك معين وحظر سلوك آخر وذلك بغية الحيلولة دون نقص الطعام أو الحرمان من الوصول إلى الطعام في حالات النزاع المسلح.

 

ويتمثل أحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني في أنه يتعين على أطراف النزاعات الدولية المسلحة التمييز في جميع الأوقات بين السكان المدنيين والمحاربين وبين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية, ويتعين عليها بالتالي توجيه عملياتها ضد الأهداف العسكرية فقط. ويتم تعريف الأهداف المدنية سلبياً على أنها كل الأهداف التي لا تعد أهدافاً عسكرية وتتضمن المواد الغذائية والمناطق الزراعية لإنتاج المواد الغذائية والحاصلات الزراعية والماشية والمنشآت والإمدادات الخاصة بمياه الشرب وأعمال الري. وفي أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية, توفر الحماية العامة للسكان المدنيين وللأفراد من المخاطر الناجمة عن العمليات العسكرية, والتي تتضمن التزام الأطراف بالتمييز بين المدنيين ومن يشتركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية.

 

وفي أي نزاع مسلح, لا يعد حق أطراف النزاع في اختيار أساليب ووسائل القتال حقاً مطلقاً, لذلك يحظر صراحة تجويع المدنيين كوسيلة للحرب أو القتال في أثناء النزاعات الدولية المسلحة وغير الدولية. وهذا الحظر لا يتم انتهاكه فقط عندما يؤدي نقص الطعام أو الحرمان من الوصول إليه إلى الموت, ولكن أيضاً عندما يتعرض السكان للجوع نتيجة للحرمان من مٍصادر الطعام وإمداداته.

 

ويرد شرح تفصيلي لمسألة حظر استخدام الجوع كأسلوب للحرب أو القتال في الأحكام ال قابلة للتطبيق بغض النظر عن نوع النزاعات المسلحة, والتي يحظر بموجبها مهاجمة أو تدمير أو نزع أو إتلاف الأغراض التي لا يمكن الاستغناء عنها لبقاء السكان المدنيين, مثل المواد الغذائية والحاصلات الزراعية والماشية والمنشآت والإمدادات الخاصة بمياه الشرب وأعمال الري, عندما يكون الغرض من هذه الأفعال هو التجويع. ومن الواضح أن الأغراض التي تم ذكرها ليست مستوفاة. والمقصود من " مهاجمة " أو " تدمير " أو " نزع " أو " إتلاف " هو تغطية كل الاحتمالات  بما فيها تلوث مستودعات المياه بالمواد الكيميائية أو المواد الأخرى أو تدمير الحاصلات بواسطة المنزورات. وبالمثل, فإن زرع الألغام الأرضية في المناطق الزراعية أو قنوات الري بغرض محدد هو منع استخدامها لإبقاء السكان المدنيين على الحياة, يمثل انتهاكا لهذا الحظر.