صفحة من الأرشيف: قد تحتوي على معلومات قديمة

البوسنة والهرسك: الأسر توفّر معلومات مهمة للبحث عن المفقودين

29-11-2004 تحقيقات

أجرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر وشركاؤها مؤخراً اتصالات بما يربو على 12 ألف أسرة لا يزال لها أقرباء مفقودون نتيجة للحرب التي انتهت قبل نحو عشرة أعوام. وقد تضع المعلومات التي تم جمعها خلال هذه اللقاءات نهاية لسنوات من انعدام اليقين عاشتها أسر مثل أسرة "كاموس".

 

© ICRC 
 
 

شارفت حملة على مستوى البلد بأكمله ترمي إلى جمع معلومات إضافية من الأسر التي لا يزال لها أقرباء مفقودون بسبب الحرب في البوسنة والهرسك على الانتهاء. ركّزت الحملة التي قام بها على نحو مشترك كل من اللجنة الدولية وجمعية الصليب الأحمر للبوسنة والهرسك وروابط تمثّل أسر المفقودين، على جمع بيانات سابقة على الوفاة ـ معلومات حول المفقودين وظروف اختفائهم من شأنها المساعدة على التعرّف على هوية الرفات البشري للآلاف من الأشخاص والذي يُعثر عليه على امتداد البلاد.

وعلى مدى الأشهر الأخيرة قام نحو مائتين من متطوعي الصليب الأحمر وقرابة خمسين من أعضاء روابط الأسر بالاتصال بما يربو على 12 ألف أسرة لها أقرباء مفقودون. وتقدّر اللجنة الدولية أن مصير ما يزيد على 16600 شخص لا يزال مجهولاً بعد قرابة العقد على انتهاء الحرب التي عصفت بالبوسنة والهرسك.

ويتولى خبراء الطب الشرعي فحص البيانات السابقة على الوفاة حيث يقارنونها بما يتم الكشف عنه عند إخراج الرفات البشري من القبور. وتتيح البيانات السابقة على الوفاة إضافة إلى نتائج تحليل الحامض النووي التعرّف على نحو موثوق على هوية الرفات البشري المُكتشَف، وهو ما يسمح في النهاية بإبلاغ الأسر عما حدث لأحبائها المفقودين.

إن حملة جمع البيانات السابقة على الوفاة قد جرى التخطيط لها على نحو دقيق. تم تدريب متطوعي الصليب الأحمر المشاركين على تقديم الدعم للأسر المعنية إذ تخوض العملية المؤلمة المتعلقة بتذكّر اللقاء الأخير مع الأقرباء المفقودين. كما أن نحو 600 أسرة قد قبلت أيضاً الدعم النفسي الذي توفره اللجنة الدولية.

وبموازاة ذلك بدأت اللجنة الدولية تعمل مع عدد من الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر عبر أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا من أجل الاتصال بالأسر الآتية من البوسنة والهرسك والتي استوطنت تلك البلدان. وسوف تضاف البيانات السابقة على الوفاة إلى قاعدة البيانات التي قامت اللجنة الدولية بجمعها في البوسنة والهرسك.

وتبيّن ردود فعل الأسر التي التقتها اللجنة الدولية بوضوح أن السنوات العديدة التي انقضت منذ انتهاء الحرب لم تبدد الأمل في التعرّف على ما حدث. ولهذه الأسر الحق في معرفة ما حدث لأحبائها المفقودين.

التقت " سانيلا بايرامبازيك " العاملة بمكتب اللجنة الدولية في سراييفو إحدى الأسر المعنية.

كانت المرة الأخيرة التي رأت فيها " مييْرا " و " عثمان كامو " ابنهما " ألييا " في مايو (أيار) 1993 حينما جاء إلى المنزل في المساء عائداً من ثكنات " فرانيكا " التابعة للفيلق الرابع في موستار. إن " ألييا " البالغ من العمر 28 عاماً والذي تحوّل من سائق تاكسي إلى جندي قد طلب من أمه أن تغسل زيه العسكري، لكن ما كان يبغيه حقاً هو الاحساس براحة واطمئنان أن يكون المرء في بيته. " أخبرنا أنه سيأتي في اليوم التالي مع صديق للعشاء. وطلب مني أن أُعِد شيئاً جيداً " ، على نحو ما تتذكر " ميْيرا " .

وفي المساء التالي كان " عثمان " و " ميْيرا " يشاهدان التليفزيون انتظاراً لوصول " ألييا " وصديقه لتناول عشاء لم يكن على الأرجح سيزيد عن حساء متواضع. ومثل جيرانهما كانا كثيراً ما يشاهدان القناة التليفزيونية التي يسيطر عليها الطرف الآخر في النزاع، وذلك لكي ما يتسنى لهما فقط التعرّف على حقيقة ما يجري. ولتتخيل ما شعرا به حينما شاهدا فجأة صوراً لابنهما " ألييا " وصديقه وعشرة آخرين إذ يتم اقتيادهم من " فرانيكا " بواسطة القوات المعادية وأيديهم مقيّدة فوق رؤوسهم.

مرت أثنتى عشرة سنة منذ هذا المساء المشؤوم، ولكن " عثمان " ابن الستين ربيعاً وزوجته " مييرا " يشعران أنهما انتظرا لفترة أطول كثيراً. إن لديهما أربع بنات ولكن " ألييا " هو ابنهم الوحيد. ورغم الانتظار الذي لا ينتهي، فإنهما يتمسكان بالأمل في أن يكون " ألييا " لا يزال على قيد الحياة. وتقول " مييرا " : " ذهبت إليهم جميعاً ـ رجال الدين والأئمة والعرافون. وقد قالوا جميعاً إن " إلييا " لا يزال حياً " .

وهما يذكران لا يزالا جميع تفاصيل ما كان ابنهما يرتديه في هذا اليوم وقد أطلعاني على حذائه الذي احتفظا به كل هذه السنين. ولكن على الرغم من آمالهما فإنهم يدركان أن جثمان " إلييا " يرقد على الأرجح بين أكوام الرفات البشري لآلاف الأشخاص والذي عُثِر عليه عبر أنحاء البلاد.

وسوف يستخدم أخصائيو فحوص ما بعد الوفاة المعلومات التي وفّرها " عثمان " و " مييرا " عند تحليل العظام المعثور عليها في المقابر الجماعية والفردية. ولما كان كلاهما قد وافق كذلك على أخذ عينة من دمه فسوف يكون بوسع الأخصائيين أيضاً إجراء تحليل الحامض النووي. وربما كانت هناك فرصة للعثور على رفات " ألييا " والسماح لعثمان ومييرا أن يعرفا أخيراً ما حدث لابنهما الحبيب.