سورية: الوضع الإنساني كارثي

15-02-2013 مؤتمر صحفي

" تشارف الأوضاع في سورية مستوى الكارثة ". بهذه الكلمات وصف السيد "بيير كراهينبول" مدير العمليات في اللجنة الدولية الأوضاع في سورية بعد زيارة استغرقت أربعة أيام. فالسكان المدنيون يتعرضون للقتل والإصابات. واضطر ملايين الأشخاص إلى النزوح بينما أصبح الآلاف في عداد المفقودين أو تم توقيفهم.

وكان السيد "كراهينبول" يتكلم في مؤتمر صحفي قدم فيه مع السيد "والتر كوت" وكيل الأمين العام لخدمات البرامج في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر عرضاً عن زيارتهما الأخيرة إلى سورية.

وفيما يلي ملخص للمعلومات التي قدمها في هذه المناسبة السيدان "كراهينبول" و"كوت".

الوضع العام

بعد عامين من بدء النزاع وفيما لا تلوح في الأفق أية إشارات عن انتهاء العمليات العسكرية، أصبح وضع السكان مأساوياً إذ يتعرض المدنيون للقتل والإصابات، واضطر ملايين السكان إلى النزوح بينما أصبح الآلاف في عداد المفقودين أو تم توقيفهم.

وفي مناطق من ريف دمشق، دُمرّت الممتلكات والبنى التحتية الأمر الذي فاقم من مأساة الشعب السوري. وتتكلم فرق اللجنة الدولية العاملة في مختلف انحاء البلاد عن حالة اليأس التي يعيشها المدنيون الذين اضطروا إلى الهرب المرة تلو المرة كلما تنقلت جبهات القتال.

ولجأت النساء والأطفال إلى الجوامع والمدارس والمراكز الرياضية وغيرها من المباني العامة. وتعاني أعداد أكبر بكثير مشقة العيش في الحدائق العامة والملاجئ المرتجلة. وهم يكافحون أسابيع طويلة للبقاء على قيد الحياة بالحد الأدنى من الإمكانيات وغالباً بدون كهرباء أو ماء جارية.

ولا تزال تعاني المرافق الطبية والعاملون فيها من أعمال العنف. وتشيع التقارير التي تتحدث عن عمليات توقيف المرضى داخل المستشفيات، والأعمال الانتقامية ضد الأطباء والممرضين، والهجمات على سيارات الإسعاف وسوء استعمال هذه السيارات. ومع أن من الصعب التحقق من كل عمل من هذا النوع، فإن هذه الأشكال من أعمال العنف واسعة الانتشار وتثير قلقاً بالغاً.

إن العمليات الإنسانية في سورية شديدة التعقيد. فثمة قيود عديدة أكثرها هولاً حالة انعدام الأمن القصوى، والتغير المستمر في خطوط المواجهة، وتعدد الأطراف المسلحة بما في ذلك قوات الأمن الحكومية وجماعات المعارضة المسلحة المختلفة.

الأنشطة التي تنفذها اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري

تمكنت اللجنة الدولية من تنفيذ عدد كبير من الأنشطة الميدانية مع شريكها الهلال الأحمر العربي السوري ، كما استطاعت القيام بمثل هذه الأنشطة الإنسانية في مناطق تقع تحت سيطرة المعارضة.

وخلال العام 2012، قامت اللجنة الدولية والهلال الأحمر العربي السوري بأكثر من 100 رحلة إلى مناطق مختلفة من البلاد.  ووزعنا المواد الغذائية ومستلزمات النظافة على مليون ونصف المليون من السكان معظمهم من النازحين الذين لم يتمكنوا من الحصول على اللوازم أو الخدمات الأساسية منذ هروبهم من منازلهم.

وساعدت مشاريع المياه ملايين الأشخاص، في كل المحافظات، بغض النظر عن مكان إقامتهم الأصلي. وشملت هذه المشاريع عمليات إصلاح الأنابيب التي نفذها مقاولون محليون في حلب، وتركيب مولّد كهربائي في حمص وفّر الماء إلى 800000 شخص، ونقل المياه براً لتسليمها إلى المراكز التي لجأ إليها النازحون. ونفذت حملة لتطهير الماء بالكلور في مختلف انحاء البلاد ضماناً لبقاء المياه صالحة للشرب.

إضافة إلى ذلك، عملنا على تحسين ظروف العيش وإمدادات الماء في 290 مركزاً لجأ إليها 88000 نازح في مدن مثل حلب وحمص والسويداء ودير الزور.

وقمنا أيضاً بتوزيع الإمدادات الطبية في أماكن كثيرة من البلاد.  

وقد أثار تغيير وتيرة العمل صعوبات كبيرة لدى الهلال الأحمر العربي السوري. ففي دمشق على سبيل المثال، كان مركز التنسيق التابع له يهتم عادة بحوالي 25 عملية لسيارات الإسعاف يومياً. وقد تضاعف هذا العدد ليصل إلى 50 عملية في اليوم وتطلّب ذلك زيادة في الموارد. وإضافة إلى عمله مع اللجنة الدولية، يقدم الهلال الأحمر الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال بصورة خاصة. ويعمل مع الهلال الأحمر العربي السوري 11000 متطوع يعملون على الأرض بالتزام وتفان عظيمين بالقرب من المجتمعات المحلية التي ينتمون إليها. ولقي ثمانية منهم حتفهم أثناء أداء واجبهم ودفعوا بذلك حياتهم ثمناً لإخلاصهم .

التحديات

العمليات عبر الحدود في مقابل العمليات عبر الخطوط

جرت خلال الأشهر الأخيرة نقاشات كثيرة حول عدم التحيز في تسليم المساعدات وحول إيجاد طرق أخرى للوصول إلى الناس في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، وقُدمت اقتراحات بإجراء عمليات عبر الحدود. إن اللجنة الدولية ترى من المشروع البحث عن طرق مختلفة لضمان وصول المساعدات إلى من هم بحاجة إليها، لكننا اخترنا إجراء عمليات عبر الخطوط. وهذا لا يعني أن اللجنة الدولية تستبعد إمكانية إجراء عمليات عبر الحدود ولكننا لن نقوم بمثل هذه العمليات إلا بموافقة جميع المعنيين – الحكومة السورية، والمعارضة، وحكومات البلدان المجاورة المعنية. وقد أظهرت زيارتنا الأخيرة إلى الحولة أن بإمكاننا عبور خطوط المواجهة لتقديم المساعدة.

يطرح الإعداد لعمليات عبر الخطوط تحديات كثيرة ليس أقلها – وكما هو الحال في كل النزاعات – أن أياً من الطرفين لا يرغب في رؤيتنا نعبر إلى المنطقة الخاضعة لعدوه. ولكن هذه طريقتنا في تقديم المساعدة الإنسانية وكسب القبول بعملنا والسعي إلى الوصول إلى المناطق الأكثر تضرراً. وفي اجتماعاتي مع معاون وزير الخارجية السوري (السفير حسام الدين آلا)، شددت على أهمية إتاحة إمكانيات أفضل للجنة الدولية  والهلال الأحمر العربي السوري بالوصول إلى جميع المناطق التي توجد فيها حاجات ملحة بما في ذلك المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة.  

ضرورة توسيع العمليات

بعد أن شهدت فرق اللجنة الدولية  والهلال الأحمر العربي السوري فترة صعبة ما بين تموز/يوليو وتشرين الأول/أكتوبر 2012 كانت خلالها التحركات الميدانية محدودة للغاية، ارتفع من جديد خلال الأشهر الأربعة الماضية عدد الفرق التي تستطيع الوصول إلى مناطق حساسة . وفي أواخر شهر كانون الثاني/يناير استطعنا تسليم المساعدات في الحولة الخاضعة لسيطرة المعارضة وهو مؤشر لحدوث تحسن في تقديم المساعدات. وقد عدت من سورية وأنا على قناعة بأن من الممكن ومن الواجب علينا توسيع عملياتنا خلال الأسابيع والأشهر القادمة، وأن من الممكن ومن الواجب تعزيز وجودنا المتزايد في المناطق الأكثر حساسية بما في ذلك المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة.

ظروف عيش المحتجزين

لم تُحرز زيارات المحتجزين التقدم الذي كنا نتمناه خلال الأشهر الستة الماضية.  

وكانت اللجنة الدولية قد أجرت منذ العام 2011 زيارتين إلى السجنين المركزيين في حلب ودمشق. وكان ذلك جيداً ولكن غير كاف. إن بعض أماكن الاحتجاز تقع بالطبع في مناطق يشكل الدخول إليها خطراً علينا. ولكن الإمكانيات المحدودة بالوصول إلى أماكن الاحتجاز تعني غياب أية مراقبة لوضع المحتجزين. وهذا الأمر مقلق أصلاً في أي نزاع مسلح وهو بالتأكيد مصدر قلق بالغ في سورية.

وخلال اجتماعه في وزارة الخارجية ، طلب السيد "كراهينبول" من السلطات اتخاذ إجراءات ملموسة بشأن خطة لزيارة عدة سجون خلال الأسابيع المقبلة، بناء على التعهد الذي كانت قد قطعته وأعادت تأكيده في هذا الاجتماع. إنه لأمر حيوي أن تتمكن اللجنة الدولية من استئناف زيارات السجون سريعاً من أجل ضمان المراقبة الفعلية لظروف الاحتجاز ومعاملة المحتجزين وفقاً للإجراءات المعتادة التي تطبقها اللجنة الدولية في كل أنحاء العالم. وسوف تستمر اللجنة الدولية في حث السلطات على معالجة هذه المسألة في الأيام المقبلة.

وأخيراً تجدر الإشارة إلى الآثار المدمرة للهجمات الموجهة ضد المرافق الطبية والعاملين في مجال الصحة . لقد سمعنا مؤخراً بحادث وقع في شمال سورية حيث تم توقيف جرحى داخل أحد المستشفيات، وقُتل أفراد من الطاقم الطبي لاحقاً لاشتباههم بإعطاء المعلومات التي أدت إلى عمليات التوقيف. وتساهم حوادث من هذا النوع في تحويل ما كان يعتبر نظاماً صحياً فعالاً إلى خراب تام في بعض أجزاء من البلاد. وقد استولت جماعات مسلحة على بعض المستشفيات وهرب عدد كبير من الأطباء والممرضين المخلصين من المناطق الأكثر خطراً.

آفاق المستقبل

منذ بداية النزاع السوري، تساءل الكثيرون عما إذا كان العمل داخل سورية "مهمة مستحيلة"، محفوفة بالعقبات وخطر التحول إلى أداة بيد هذا الطرف أو ذاك. فمن الضروري تعزيز الاستجابة الإنسانية المشتركة إلى حد كبير، وتبذل اللجنة الدولية والهلال الأحمر العربي السوري كل جهد ممكن لذلك. وظهرت تعليقات تتكلم عن سذاجة اللجنة الدولية في اعتقادها أنها تستطيع الإعداد لعملية غير متحيزة فعلاً من داخل سورية والوصول إلى المدنيين من جميع الأطراف. وترى اللجنة الدولية ألا يثنينا هذا النقاش عن العمل وتقّر بأن المعضلات كثيرة. لكننا كنا دائماً نفضل أن تصاحب المعضلات وجودنا في المكان وسعينا إلى الوصول إلى أكبر عدد ممكن . وهذا بالضبط ما تفعله الآن اللجنة الدولية.

الصور

عائلة تسيربين الأنقاض 

حي الميسر، حلب، سورية.
عائلة تسيربين الأنقاض
© Reuters / M. Salman