الأسلحة الكيمائية والبيولوجية

08-04-2013 نظرة عامة

أقبل المجتمع الدولي على حظر استعمال الأسلحة الكيميائية والبيولوجية بعد الحرب العالمية الأولى وأكد على هذا الحظر مجدداً في عامي 1972 و1993 عن طريق منع تطوير هذه الأسلحة وإنتاجها وتخزينها ونقلها. وجاءت التطورات الحديثة في العلوم الحيوية والتكنولوجيا البيولوجية، فضلاً عن التغييرات في البيئة الأمنية لتزيد من القلق إزاء احتمالات تجاهل القيود طويلة الأمد المفروضة على استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية أو حتى تقويضها.

وكان سوء تسخير العلوم أو الإنجازات العلمية في صنع أسلحة تنشر السموم والأمراض يثير دائمًا الذعر والمقت لدى الرأي العام. ولخصت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الرهبة العامة حيال استخدام هذه الأسلحة في النداء الذي وجهته في شباط/فبراير عام 1918 ووصفت فيه هذه الأسلحة "بالاختراعات الهمجية" التي "لا يمكن وصفها إلا بالإجرامية".

وكان اللجوء إلى هذه الأسلحة من قبيل المحرمات على مدى قرون طويلة، إلا أن استخدام الغازات السامة في الحرب العالمية الأولى أدى إلى إبرام أول اتفاق دولي وهو بروتوكول جنيف لعام 1925 الذي حظر استعمال الغازات الخانقة أو السامة أو ما شابهها وللوسائل البكتريولوجية في الحرب.

ورغم الخسائر البشرية الفادحة والدمار الهائل الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، لم تكن الأطراف المتحاربة الرئيسية قد استعملت الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية ضد بعضها البعض. وربما يُعزى ذلك إلى الخشية من الأعمال الانتقامية باستخدام أسلحة مماثلة. لكن بروتوكول جنيف لعام 1925 أرسى مع ذلك قاعدة قانونية جديدة وواضحة في القانون الدولي.

وحظيت قواعد هذا البروتوكول بالاحترام في مئات النزاعات المسلحة التي وقعت منذ عام 1925 تقريبًا. أما الانتهاكات القليلة المعروفة والبارزة التي ارتكبت، فقد أثارت إدانة دولية واسعة النطاق وملاحقات جنائية في بعض الحالات.

وكان بروتوكول عام 1925 من العلامات الفارقة في القانون الدولي الإنساني، وتبعته صكوك قانونية أخرى في شكل اتفاقيات اعتمدتها الدول عامي 1972 و1993.

وشكلت اتفاقية عام 1972، المشار إليها عادة باسم اتفاقية الأسلحة البيولوجية أو اتفاقية الأسلحة البيولوجية والتكسينية، خطوة رئيسية في العمل على إزالة هذه الأسلحة الشنيعة كلية. ولما كان استخدام هذه الأسلحة محظوراً بموجب بروتوكول عام 1925، نصت الاتفاقية على حظر استحداث وإنتاج وتخزين وحيازة ونقل الأسلحة الكيمائية، بما في ذلك نظم إطلاقها، وطالبت بتدميرها.

ودعت الاتفاقية أيضا كل بلد إلى العمل على سن تشريعات وطنية من أجل إنفاذ الحظر المنصوص عليه فيها. وتُعقَد بانتظام مؤتمرات استعراضية تضم كافة الأطراف الموقعة من أجل رصد الامتثال لأحكام الاتفاقية واعتماد توصيات تهدف إلى تشجيع تنفيذها وتعزيز فعاليتها.

أما اتفاقية عام 1993 الخاصة بالأسلحة الكيميائية فشكلت تطوراً قانونياً مماثلاً، إذ وسعت نطاق الحظر المفروض على استخدام الأسلحة الكيمائية والمنصوص عليه في بروتوكول عام 1925، ليشمل حظر استحداث وإنتاج وتخزين وحيازة ونقل الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك نظم إطلاقها، وشملت أيضًا تدمير تلك الأسلحة.
ونظرًا لأن الإنجازات في مجال الكيمياء يمكن أن تعود مع ذلك بمنافع كبيرة على البشرية، فالاتفاقية تشجع الصناعة الكيميائية في العالم بأسره وتراقب تطورها.

وتتولى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، تنفيذ إجراءات التحقق على الصعيد الدولي. وتقدم مساعدة تقنية إلى الدول في مجال تنفيذ أحكام الاتفاقية. ويتعين على كل دولة إنشاء سلطة وطنية تكون نقطة وصل مع المنظمة وتسهر على تنفيذ الاتفاقية.

إن الإمكانيات الهائلة لتوظيف التطورات الهامة في مجال العلوم الكيميائية والبيولوجية في الخير والشر على حد سواء، تعني أن اليقظة والحذر من سوء استخدام هذه التطورات لاستحداث أسلحة كيميائية وبيولوجية يبقى ذا أهمية بالغة.
وأمام هذه المخاوف، وجهت اللجنة الدولية في أيلول/سبتمبر 2002 نداءً تناول موضوع "التكنولوجيا البيولوجية والأسلحة والإنسانية". ولم يركز هذا النداء على القدرات الحالية لإساءة استخدام العلوم فحسب، وإنما تناول أيضاً القدرات الناشئة مثل تغيير خصائص الأمراض الموجودة لجعلها أكثر فتكاً أو تصنيع فيروسات من مواد تركيبية واستحداث مواد كيميائية تغير من وظائف الجسم مثل الوعي أو السلوك أو الخصوبة.

ودعا النداء إلى تجديد الجهود من أجل مواجهة التهديدات الناشئة ولاسيما عن طريق حشد ما يُسمَّى "بالشبكة الوقائية"، وهي عبارة عن شبكة عالمية تصل بين كل المعنيين بالعلوم الحيوية والتكنولوجيا البيولوجية، سواء كانوا من القطاع العام أو الخاص أو من الأوساط العلمية أو عامة الناس، القادرين على تقديم العون للحيلولة دون العواقب المأساوية لتطوير التكنولوجيا البيولوجية دون ضوابط تنظيمية.

أثارت اللجنة الدولية في الآونة الأخيرة المخاوف إزاء الاهتمام السائد بين قوات الشرطة والأمن والقوات المسلحة باستخدام المواد الكيميائية السامة – لاسيما العقاقير المخدرة الخطيرة – كوسائل لإنفاذ القوانين مصممة لتتسبب في فقدان الوعي أو العجز الكامل بصورة أخرى. وقد وصفت هذه المواد بأنها "مواد كيميائية مسببة للعجز".

ولا تشكل هذه المواد جزءًا من عوامل مكافحة الشغب المعروفة "بالغازات المسيلة للدموع" المسموح بها فقط بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية كوسيلة "لإنفاذ القانون"، بما في ذلك "لأغراض السيطرة على أعمال الشغب على المستوى الوطني".

وقد وجهت اللجنة الدولية الدعوة إلى عقد اجتماعين لخبراء دوليين في عامي 2010 و2012 لاستكشاف تداعيات "المواد الكيميائية المسببة للعجز". واستقر الرأي أثناء هذين المحفلين على أن استخدام هذه الأسلحة قد يعرض حياة المصابين بها وصحتهم للخطر، وقد يهدد بتقويض القانون الدولي الذي يحظر الأسلحة الكيميائية، وقد يشكل "منحدرًا خطيرًا" نحو العودة إلى استخدام الأسلحة الكيميائية مجددًا أثناء النزاعات المسلحة.
من أجل مواجهة هذه المخاطر، وجهت اللجنة الدولية نداءًا إلى كافة الدول في شباط/فبراير 2013 تدعوها فيه إلى الاكتفاء باستخدام مواد مكافحة الشغب فقط لأغراض إنفاذ القانون بدلاً من اللجوء إلى استخدام المواد الكيميائية السامة.

الصور

 

© CDC

الحرب العالمية الأولى. جنود مصابون بالعمى من جراء الغازات يصطفون خارج مركز للإسعافات الأولية بالقرب من مدينة  

الحرب العالمية الأولى. جنود مصابون بالعمى من جراء الغازات يصطفون خارج مركز للإسعافات الأولية بالقرب من مدينة "بيتون" في فرنسا.
© Imperial War Museum London / hist-00321