برنامج إعادة التأهيل البدني في أفغانستان يساعد زهاء 178,000 شخص خلال 30 عامًا
ثلاثون عامًا مرت على إطلاق اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) برنامجها لإعادة التأهيل البدني في أفغانستان. واليوم، هناك سبعة مراكز متخصصة في تركيب الأطراف الاصطناعية تديرها المنظمة وتلبي احتياجات زهاء 178 ألف مواطن من ذوي الإعاقة. ورغم حقيقة احتياج ذوي الإعاقة إلى التأهيل البدني طوال حياتهم وصعوبة حصولهم على الرعاية في هذا البلد الذي تمزقه الحروب، فإن هناك عددًا لا يُحصى من الأفغان لديهم الشجاعة ليقفوا مجددًا على أقدامهم ويحلموا بمستقبل أفضل.
في اليوم الذي خطت فيه "سوده" ذات الخمس سنوات أولى خطواتها عقب تركيب جهاز تقويم لها، عانى والداها ليجعلا طفلتهما الناعسة والمتحمسة في الوقت نفسه تخلد إلى النوم في المساء. ففي البداية مشت هذه الطفلة الشجاعة التي حاربت شلل الأطفال مشية مترددة، لكنها سرعان ما استغرقت في اللعب مع أصدقائها بعد أن اعتادت المشي والجري دون أن تبالي بشيء. تقول "سوده"، التي تعمل الآن أخصائية علاج طبيعي في مركز إعادة التأهيل البدني الذي تديره اللجنة الدولية في هرات، إنها كانت تبلغ عامًا ونصف العام عندما أصيبت بشلل الأطفال في ساقها اليمنى. لكن حياتها تغيرت بعد أن حصلت على جهاز تقويم العظام، وعملت بجد لنشر السعادة التي شعرت بها ودرست لتصبح هي نفسها أخصائية في مجال العلاج الطبيعي.
"سوده" هي واحدة من بين ما يربو على مليون شخص في أفغانستان يعانون شكلًا من أشكال الإعاقة البدنية. إذ عانى البلد على مدار أربعة عقود من الحروب وويلاتها ما جعل معدلات الإعاقة بها من بين الأعلى في العالم. وتتعدد الأسباب التي عرقلت فرص آلاف الأفغان في أن يعيشوا حياة طبيعية، ما بين الألغام الأرضية ومخلفات الحرب وحتى الإصابات التي تتسبب فيها النزاعات، وبين الرعاية الصحية الأولية التي يكاد الوصول إليها أن يكون متعذرًا وحتى الأمراض الخِلقية والحوداث. لكن من بين غيوم اليأس الداكنة، يلوح الأمل في الأفق للكثيرين عبر المساعدة التي تقدمها مراكز إعادة التأهيل البدني التي تديرها اللجنة الدولية، إذ تلبي هذه المراكز احتياجات إعادة التأهيل البدني لما يقرب من 178 ألف شخص، من بينهم هؤلاء الذين أصيبوا بالإعاقة بسبب المرض والحرب.
يُسجَّل ما يقرب من 10 آلاف شخص أفغاني جديد سنويًا لدى اللجنة الدولية لتركيب طرف اصطناعي والحصول على مساعدة في مجال إعادة التأهيل البدني. ويعاني 10% فقط من هؤلاء من إصابات ناجمة عن الحرب؛ أما النسبة المتبقية البالغة 90% فقد أُصيبوا بالإعاقة بسبب عيوب خِلقية، أو أمراض، أو حوادث. يؤثر تدني إمكانية الحصول على الرعاية الصحية الوقائية والأولية على ثلث هذا الرقم، وهي تكلفة باهظة تدفعها أمة تعاني بالفعل بسبب عقود من النزاع. وتُعد أفغانستان واحدة من ثلاثة بلدان في العالم لا تزال العدوى فيها بفيروس شلل الأطفال جامحة، إلى جوار نيجيريا وباكستان.
يقدِّر "ألبرتو كايرو" مدير برنامج إعادة التأهيل البدني التابع للجنة الدولية في أفغانستان أن عدد هؤلاء المحتاجين إلى أطراف اصطناعية أو أجهزة تقويمية لا يقل عن 200 ألف شخص. وتتحمّل أفغانستان أيضًا، باعتبارها واحدة من أكثر البلدان المُلغَّمة في العالم، عبء الألغام الأرضية المضادة للأفراد، إذ تهدد الألغام ومخلفات الحرب غير المنفجرة حياة ما يقارب 750 ألف شخص، كما يخضع ما يزيد على 29,500 شخص من الذين فقدوا أحد أطرافهم بسبب الألغام الأرضية أو مخلفات الحرب الأخرى للعلاج في مراكز اللجنة الدولية.
لا أزال أحلم بأن أتمكن من السير يومًا ما.
مضت ست سنوات منذ أن فقد "سفر مُحمد" قدرته على استخدام طرفيه السفليين بعد التعرُّض لطلق ناري في عموده الفقري خلال إحدى المظاهرات. ويدفع "سفر" ابنُه البالغ من العمر اثنى عشر ربيعًا على كرسي متحرك، في حين يتجول ابنه الأكبر بعربة يد يحمل فيها الخبز الطازج الذي تبيعه العائلة في السوق لتكسب عيشها. ويشاركنا "سفر" آلامه قائلًا: "الناس قاسية حقًا، فهم ينعتونني بألقاب مهينة حتى وأنا أحاول أن أعيش حياة طبيعية". بعد أن أنفق "سفر مُحمد" كل ما يملك من مال على العلاج الطبي، توجه إلى اللجنة الدولية للحصول على قرض لإنقاذ عمله من الغرق. فرغم التشريعات الراسخة المعنية بالأشخاص ذوي الإعاقة، لا يزال من يُصاب بإعاقة في أفغانستان يُعامل معاملة تتسم بالتحامل والتمييز، وهذه حقيقية يعرفها هذا الخباز تمام المعرفة.
لكن الحياة كانت أرحم مع لاعب كرة السلة المُقْعَد "مُحمد الله أحمدي"، الذي جاءته الفرصة ليبدأ حياة جديدة مرتين بدلًا من مرة واحدة. فبعد إصابة "مُحمد الله" في الحبل الشوكي من جرّاء قصف، استفاد من برنامج القروض المتناهية الصغر الذي تنفذه اللجنة الدولية وأنشأ متجرًا. لكن أحلامه كانت أكبر من ذلك؛ فبعد ستة أعوام احترف "مُحمد الله أحمدي" رياضة كرة السلة على الكراسي المتحركة وبفضل عزيمته وإصراره وجد لنفسه مكانًا في الفريق القومي.
"في عام 2014، كنت أحد أعضاء الفريق الوطني الذي شارك في بطولة دولية بإيطاليا، وعند عودتنا، قررنا تحسين أدائنا وأن نكثف من تدريباتنا."
اليوم، هذا الرياضي دمث الخُلق يدرب لاعبي كرة السلة على الكراسي المتحركة المستجدين في صالة التدريبات بمركز الأطراف الاصطناعية الذي تديره اللجنة الدولية بكابول.