الأزمة الإنسانية في أوكرانيا والبلدان المجاورة
لم تتوقف معاناة سكان منطقة دونباس وغيرها طيلة ثماني سنوات من النزاع. ولكن ما نشهده حاليًا من احتدام للنزاع واتساع رقعته ليعم أرجاء البلاد يهدد بحدوث قدر من الخسائر في الأرواح والدمار تقشعر الأبدان من مجرد التفكير فيه، نظرًا للقدرات العسكرية الهائلة المنخرطة في القتال.
في الأول من نيسان/إبريل 2022، استطاع فريق من اللجنة الدولية الوصول إلى المستشفى العسكري في إيربين القريبة من العاصمة كييف. وجد الفريق المستشفى خاليًا ومتضررًا بشدة، وبينما كان يجوب الشوارع، بدأ الناس في الإقبال عليه طالبين الإسعافات الأولية أو الإجلاء الطبي. Alyona Synenko/ICRC
بدأت مرحلة جديدة من القتال في أوكرانيا. وتضع اللجنة الدولية على رأس أولوياتها مساعدة من هم بحاجة إلى المساعدة. وإذا سمح الوضع الأمني، ستواصل فرقنا الموجودة الآن في أوكرانيا عملها لإصلاح البنية التحتية الحيوية، ودعم المرافق الصحية بالأدوية والمعدات، وتزويد العائلات بالأغذية ومستلزمات النظافة الصحية.
وقد وصل أكثر من 170 مدنيًا من آزوفستال ومنطقة ماريوبول إلى زابوروجييه يوم الأحد 8 أيار/مايو، بعد أسابيع من المعاناة من جراء العيش تحت الأرض معظم الوقت، في ظل تناقص الأغذية والمياه والأدوية. وهذه هي ثالث عملية توفير ممر آمن تنفَّذ في الأيام الأخيرة بتنسيق بين اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) وأطراف النزاع والأمم المتحدة.
بدأت العملية التي استمرت أربعة أيام في 5 أيار/مايو وتضمنت إجلاء أكثر من 51 مدنيًا من آزوفستال. وجاءت عقب عمليتين لتوفير ممر آمن أُجلي خلالهما أكثر من 500 شخص من آزوفستال ومنطقة ماريوبول إلى زابوروجييه في 3 و4 أيار/مايو. ومنذ آذار/مارس، ساعدت اللجنة الدولية في تيسير المرور الآمن لأكثر من 10,000 مدني من سومي وماريوبول إلى أماكن أخرى في أوكرانيا.
وفي هذا الصدد قال السيد "باسكال هوندت"، رئيس بعثة اللجنة الدولية في أوكرانيا: "لقد كان وصول القوافل الإنسانية وما قدمته من مساعدات إغاثية حدثًا فارقًا في حياة هؤلاء الناس الذين عانوا ويلات القتال المتلاحم لأسابيع عديدة. لقد تحملوا جميعًا مستوى من الفظائع لا ينبغي لأي إنسان أن يقاسيه".
وتكثف اللجنة الدولية أنشطتها في 10 مواقع في أوكرانيا، منها كييف وبولتافا ودنيبرو وأوديسا، للتعامل مع الوضع وتطوراته المتلاحقة. فالشاحنات تجوب أرجاء البلاد لإيصال الإمدادات الطبية ومساعدات أخرى في حين ستصل قوافل أخرى محملة بمواد إغاثة أساسية في الأيام المقبلة.
ومع دخول النزاع المسلح الدولي في أوكرانيا شهره الثالث، فإن مستوى الموت والدمار والمعاناة الذي ما زال يلحق بالمدنيين بلغ حدًا مقيتًا وغير مقبول.
إذ أفادت الأنباء بفرار أكثر من 5 ملايين شخص من ديارهم إلى البلدان المجاورة، فضلًا عن نزوح أكثر من 6.5 ملايين شخص داخل أوكرانيا، في حين يبقى مئات الآلاف غيرهم محاصرين في المدن وهم بأمس الحاجة إلى ملاذ آمن.
ومنذ بدء النزاع، أجرت اللجنة الدولية محادثات مع السلطات الروسية والأوكرانية حول الالتزامات الملقاة على عاتق كل منها بموجب القانون الدولي الإنساني، والخطوات العملية التي ينبغي اتخاذها لتقليل حجم المعاناة التي ينوء بها كاهل المدنيين وهؤلاء الذين توقفوا عن المشاركة في الأعمال العدائية، ويشمل ذلك الجرحى والمرضى وأسرى الحرب. فما يقلق اللجنة الدولية بشكل بالغ هو أن أطراف النزاع لم تفِ بعدُ بكثير من التزاماتها الأساسية القائمة بموجب القانون الدولي الإنساني، أو تتوصل إلى توافق بشأن القضايا الرئيسية، وليس بوسع أحد سوى هذه الأطراف إحراز تقدم ملموس في هذين المطلبين.
وفي إطار المساعي الرامية إلى دفع المحادثات بشأن هذه القضايا قدمًا، والحد من المعاناة الإنسانية وزيادة حجم المساعدات المقدمة إلى المحتاجين إليها من المدنيين، سافر رئيس اللجنة الدولية إلى كييف أولًا ثم إلى موسكو لإجراء لقاءات مع السلطات هناك. أثارت تلك الاجتماعات مع السلطات في موسكو غضبًا عميقًا لدى بعض الأطراف. وعليه، فإننا نرغب في توضيح موقفنا بأن تلك الاجتماعات الدبلوماسية مع جميع الأطراف ترتكز على مبادئ القانون الدولي الإنساني، وتنطلق من دوافع صادقة لتحقيق المصلحة الفضلى للمدنيين العالقين في مناطق النزاع.
ومن ثم، نطلب من الأطراف المشاركة في القتال أن يأخذوا في الحسبان ما يلي:
- يجب على أطراف النزاع في أوكرانيا الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، وضمان حماية السكان المدنيين والمحتجزين، والامتناع عن شن هجمات غير قانونية. ويجب تجنب استخدام الأسلحة التي تخلف آثارًا واسعة الانتشار في المناطق المأهولة بالسكان.
- ويجب تجنب الإضرار بالهياكل الأساسية الحيوية، مثل نُظم المياه والغاز والكهرباء التي تزود منازل المدنيين والمدارس والمرافق الطبية، على سبيل المثال، بإمدادات المياه والكهرباء الحيوية، ويشمل ذلك عدم تعريضها لهجمات تُستخدم فيها تكنولوجيات حديثة ووسائل سيبرانية.
- يجب حماية الحيز المتاح للعمل الإنساني المحايد وغير المتحيز والمستقل حتى تتمكن الجهات الفاعلة مثل الصليب الأحمر الأوكراني واللجنة الدولية والحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر (الحركة) على نطاق أوسع من الحفاظ على إمكانية الوصول إلى المدنيين.
في الوقت ذاته، يُحتمل أن تؤدي تلك الهجمات المتعمَّدة والموجهة، التي تنشر روايات مزيفة ومعلومات مضللة لتشويه اللجنة الدولية، إلى إلحاق أضرار فعلية بفرق العاملين لدى اللجنة الدولية، وشركائنا في الحركة العاملين على الأرض، وكذلك الناس الذين يستفيدون من خدماتنا. ورغم تزايد حجم الاحتياجات على مدار الساعة، فإن قدرتنا على تقديم المساعدات الإنسانية الماسة تحدق بها تهديدات اليوم بسبب هذه الموجة من المعلومات الخاطئة والمضللة التي تروَّج عن أعمالنا، والدور الذي نؤديه لتخفيف وطأة المعاناة الإنسانية في النزاعات المسلحة.
ونُرسل أيضًا طواقم إلى كل من هنغاريا ومولدوفا وبولندا ورومانيا وروسيا من أجل دعم الاستجابة الإقليمية والتنسيق مع شركائنا في الحركة. وتُقيم اللجنة الدولية أيضًا مراكز لوجستية في البلدان المجاورة لتحسّن فعالية إرسال مواد الإغاثة إلى أوكرانيا، في ظل انقطاع سلاسل الإمداد المحلية.