السنغال: كازامانس والعيش على هامش الحياة

09-06-2010 تحقيقات

أجبر العنف المسلح الذي ساد كازامانس السنوات الأخيرة آلاف السكان على هجر بيوتها. وتسعى اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى مساعدة أشد النازحين استضعافا على تأمين احتياجاتهم الأساسية في انتظار العودة المفترضة.

 
©CICR      
   
"كاوسو سانيا" غادر بلدته "باراف" (كازامانس) ليقيم في قرية مجاورة مع عدد من العائلات. والكل ينتظر أن تحين ساعة العودة إلى البيت.  
           

   
©CICR      
   
يقول "جان ماري سامبو", أحد أبناء قرية "باراف" والذي نزح إلى "بوروفاي ديولا": "ها هي جميع موارد رزقنا تختفي أمام أعيننا ".  
           

   
©CICR      
   
بيت في "باراف" تدمر خلال أعمال العنف المسلح عام 2009.  
           

اضطر سكان بلدة " باراف " في أيلول/سبتمبر 2009 إلى الفرار من العنف المسلح الذي نشب فيها تاركين بيوتهم وأراضيهم وبساتينهم. وقد لجأ قرابة 1000 شخص من الفارين من " باراف " وغالبيتهم من المزارعين, إلى مدينة " زيغينشور " الواقعة على بعد 5 كيلومترات, وفي المناطق المجاورة لها, ليرتفع بذلك عدد النازحين بسبب انعدام الأمن الذي يخيم على المنطقة منذ أكثر من عشرين سنة. 

نزل " كاوسو سانيا " من على ظهر دراجته وركنها إلى جذع شجرة المنجا. كانت تلك الدراجة كل ما استطاع أن يأخذ معه عندما غادر قريته. أما الآن فهو يعيش في قرية " بوروفاي ديولا " المحاذية لبلدة " باراف " مثله مثل العائلات الاثنتا عشرة التي لجأت إلى هذا المكان في انتظار الفرج. ويصف وضعه قائلا: " قدمنا إلى هنا لأن المكان قريب من قريتنا ولأن الكل يعرف شخصا أو آخر هنا يمكن أن يقدم له يد المساعدة " .وظهر هنا التضامن بين أهل القرية . فلم يوقفهم ضيق المنازل وسعى الجميع إلى ترك مكان للجار والصديق وتمت استضافة كل العائلات.

  مخاطر الألغام  

     

تعيش الآن " مارياما كولي " مع زوجها وأولادها الثمانية في " زيغينشور " عند إحدى قريباتها. وكانوا قبل ذلك يملكون حقولا وبساتين في " باراف " , وبيتا صغيرا بنوه بأيديهم. وكانوا يعملون في الحقول عندما سمعوا الرصاصات الأولى التي فاجأتهم. فاعتقدوا أنه حادث عابر لكن سرعان ما اضطروا إلى الفرار كغيرهم من السكان.

كانت " مارياما كولي " من بين النازحين الأوائل في " زيغينشور " الذين سبقوا بالعودة إلى " باراف " , فتقول: " لم أكن أتحمل الانتظار دون معرفة ما حل ببيتنا وحقولنا وحياتنا هناك " . وتمكنت, بإصرا رها الشديد لدى السلطات, من عبور الحواجز والوصول إلى القرية رغم المخاطر التي كانت تشكلها الألغام والذخائر غير المنفجرة. وتستطرد قائلة: " ذهبت لأرى وأعرف إن كنا نستطيع العودة عن قريب " . لكنها وجدت بيتها مدمراً وجزءا من السقف مهدما ومخزون المحاصيل محروقا.

انخفض مستوى عيشهم جميعاً إلى حد كبير. وفي السابق, كان المزارعون يحرثون أراضيهم بمساعدة زوجاتهم وأولادهم. وكانوا يستهلكون ما يحتاجون إليه ويبيعون ما تبقى أو يحتفظون به.

  تأمين الاحتياجات الأساسية  

يعتاش اليوم المزارعون مما تيسّر لهم في ظروف اقتصادية اشتدت صعوبة بسبب انعدام الأمن الذي انتشر في المنطقة. وتحولت النساء بين ليلة وضحاها إلى تاجرات يبعن ويشترين في الأسواق بينما يعمل الرجال من حين إلى حين في الحقول مقابل أجر يدفع لهم.

وتعد الزراعة في أرض كازامانس الخصبة مصدر الدخل الأول. لكن اليوم لم يعد بوسع المزارعين في " باراف " لا زرع أراضيهم ولا حصدها. كما اختفى الدجاج والماعز والخرفان من القرية. ويقول " جان ماري سامبو " , أحد أبناء قرية " باراف " الذين نزحوا إلى " بوروفاي ديولا " : " ها هي جميع موارد رزقنا تختفي أمام أعيننا " .

وتقدر اللجنة الدولية عدد النازحين, القدامى منهم والجدد, بما يقارب 000 10 شخص في " زيغينشور " و000 40 شخص في كازامانس كاملة. ويضاف عدد النازحين " الجدد " القادمين من " باراف " إلى الأعداد الكبيرة من السكان الذين نزحوا " منذ زمن طويل " , وقبل أكثر من عشر سنوات بالنسبة إلى البعض منهم.

  المساعدات المقدمة إلى العائلات الأشد استضعافاً  

تمشياً مع المهمة المنوطة باللجنة الدولية لتوفير الحماية والمساعدة لضحايا النزاعات المسلحة أو حالات العنف الأخرى, قامت المنظمة عن طريق مكتبها في " زيغينشور " , بإعداد برنامج مساعدة إلى النازحين من " باراف " .

وأجريت دراسة استقصائية بالتعاون مع الصليب الأحمر السنغالي في نيسان/ أبريل 2010, من أجل تحديد العائلات التي تعيش في ظروف شديدة الصعوبة بناء على معايير من مثل إمكانية الحصول على الرعاية الصحية والغذاء, وتردد الأولاد على المدارس, ونوع السكن الذي تعيش فيه العائلات, وعدد الأشخاص الذين يعيلهم رب الأسرة. و بفضل مساعدة شيخ القرية, سمحت الدراسة بالتعرف على 52 عائلة وتقييم احتياجاتها التي ازدادت إلحاحاً بقدوم موسم الأمطار.

وانطلاقا من ذلك, قامت اللجنة الدولية مؤخرا بتوزيع الأرز والفاصوليا والزيت والأغطية البلاستيكية والناموسيات والدلاء على كل عائلة لسد احتياجاتها من المواد الأساسية.

ويجمع النازحون من أهل " باراف " على الرغبة في العودة قائلين: " حتى إن كانت الأمور تسير على ما يرام مع العائلات المضيفة فما يهمنا هو العودة إلى البيت مهما كانت الظروف. إننا نريد أن نعود إلى بيوتنا " .