اتفاقيات جنيف مازالت تزداد قوة بعد مرور ستين عاماً
07-08-2009 مقابلة
السيد "كنوت دورمان", رئيس الشعبة القانونية باللجنة الدولية للصليب الأحمر, يزن التحديات التي تواجه قواعد الحرب اليوم وجهود المنظمة الدؤوبة لضمان بقاء الاتفاقيات صامدة في وجه اختبار الزمان.
اجتمعت الدول عام 1949 في جنيف لمراجعة اتفاقيات جنيف الموجودة وإضافة اتفاقية رابعة مكرسة لحماية المدنيين. ومنذ ذلك الحين جرى تكميل هذه المعاهدات بثلاثة بروتوكولات إضافية.
وقد ذهب بعض النقاد إلى أن اتفاقيات جنيف تقترب من نهايتها ولم تعد ملائمة لنوع الحروب المعاصرة التي تثور بين جيوش نظامية وجماعات مسلحة, في حقبة تدور فيها رحى معظم الحروب داخل الدول وليس في ما بينها.
لكن المؤيدين يصرون على أن القواعد مازالت ذات أهمية بالتأكيد وأن الاتفاقيات مع البروتوكولات الإضافية إليها, مازالت توفر أفضل إطار متاح لحماية المدنيين والأشخاص الذين كفوا عن القتال.
سؤال: ما هي اتفاقيات جنيف ولأي غرض تصلح؟
إن الاتفاقيات هي أهم مكون من مكونات القانون الدولي الإنساني, كما هو متعارف عليه- مجموعة القواعد التي تحمي المدنيين والأشخاص الذين كفوا عن القتال, بمن فيهم الجرحى والمرضى من أفراد الجيش وأسرى الحرب. فالغرض منها ليس هو إيقاف الحرب ولكن الحد من تعسف النزاعات المسلحة.
ولا تنطبق اتفاقيات جنيف سوى على النزاعات المسلحة الدولية, باستثناء المادة 3 المشتركة بينها, والتي تغطي أيضاً النزاعات المسلحة غير الدولية. وكان اعتماد هذه المادة في 1949 إنجازاً لأن معاهدات القانون الدولي الإنساني السابقة لم تكن تغطي إلا حالات الحروب الواقعة بين الدول. ولــمـَّـا كانت معظم حروب اليوم نزاعات مسلحة غير دولية, فإن المادة 3 تظل تكتسي أهمية بالغة لأنها تضع الأساس لحماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال أو الذين كفوا عن المشاركة فيه; ويتعين على جميع الأطراف الامتثال لهذه المادة, وسا ء كانت دولاً أو كيانات من غير الدول.
ومن الرائع أن اتفاقيات جنيف صادقت عليها جميع دول العالم, ويعني ذلك أن كل دولة من دول العالم هي طرف فيها ( للاطلاع على قائمة الدولة- باللغة الإنجليزية- )
سؤال: ما هي علاقة اللجنة الدولية للصليب الأحمر باتفاقيات جنيف؟
ظلت اللجنة الدولية على ارتباط وثيق مع اتفاقيات جنيف منذ البدائية. وكان مؤسس اللجنة الدولية السيد " هنري دونان " هو صاحب فكرة اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى بالقوات المسلحة في الميدان التي تم اعتمادها عام 1864.
وقد حاولت اللجنة الدولية دائماً منذ أوقات " دونان " مقارنة اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني عمة بواقع النزاعات المسلحة كما نجربها في الميدان. ومنذ البدايات الأولى شاركنا في مسار ديناميكي يضمن تكييف القانون الدولي الإنساني مع التغييرات المتواصلة التي تطرأ على الحرب.
فعلى سبيل المثال وخلال السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية, وضعت اللجنة الدولية صياغة اتفاقية دولية عن أوضاع وحماية المدنيين من جنسية العدو الذين كانوا في أراضي ملكاً لأحد الأطراف المتحاربة أو خاضعة لاحتلاله, كما سعت إلى الموافقة على تلك الاتفاقية. ولم تتخذ أية إجراءات بشأن ذلك النص لأن الحكومات رفضت الاجتماع في مؤتمر دبلوماسي لاتخاذ قرار حول اعتماده.
ونتيجة لذلك لم توقع أية معاهدة محددة لحماية المدنيين من ويلات الحرب العالمية الثانية. وكرد فعل على هذا وافق المجتمع الدولي في 1949 على اعتماد اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين. وكانت تلك لحظة فاصلة من حيث ضمان الحفاظ على سلامة السكان المدنيين وممتلكاتهم في أوقات النزاع المسلح.
أما اليوم فتستمد اللجنة الدولية مهمتها الإنسانية, أو وظيفتها بمعنى آخر, من الاتفاقيات التي تعهد لها بمهمة زيارة المحتجزين وتنظيم عمليات الإغاثة وجمع شمل العائلات المشردة وأنشطة إنسانية مماثلة أثناء النزاعات المسلحة. وقد أشارت العديد من أحكام الاتفاقيات إلى اللجنة الدولية صراحة.
سؤال: البعض يقول إن الاتفاقيات صُمِّمت لعالم مخلف تماماً, وهي الآن بحاجة إلى مراجعتها أو إعادة صياغتها. فما هو ردك على ذلك؟
المشكلة في نظري لا تكمن في القانون. فالواقع أن الاتفاقيات أثبتت بشكل مفاجىء أنها ذات أهمية خلال العقود الستة الماضية. ومنذ عام 1949 جرى تكميل الاتفاقيات ببروتوكولات إضافية وبتطورات مهمة في القانون الدولي الإنساني العرفي, مما عزز حماية المدنيين, لاسيما في النزاعات المسلحة غير الدولية, و أدى بالتالي إلى التكيف مع الوقائع الجديدة.
والتحدي الرئيسي هو أن القانون لا يحظى بما يكفي من الاحترام. فعدد الناس الملمين باتفاقيات جنيف قليل, بينما يتجاهلها أو يستهين بها العديد من الأطراف المتحاربة. ولدي اعتقاد راسخ أنه لو حظيت القواعد القائمة بالاحترام وتأتى الامتثال لها, لتم تفادي الكثير من المعاناة التي تسببها النزاعات المسلحة الحالية.
ولكن في الوقت نفسها يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن اتفاقيات جنيف حققت نجاحاً كبيراً على مر الستين عامة الماضية, بإنقاذ أرواح لا تحصى والمساعدة في جمع شمل آلاف العائلات المشتتة ومواساة الملايين من أسرى الحرب. وفي رأيي أن هذا سبب وافر للاحتفاء بها. ويروعني التفكير في حجم المعاناة التي كان العالم سيشهدها دون وجود هذه الاتفاقيات.
وعلينا أيضاً ألا ننس أن النزاعات المسلحة الدولية والاحتلال ليست شيئاً من الماضي بأي حال من الأحوال. وتعد الحرب التي قامت العام الماضي بين روسيا وجورجيا مثالاً حديثا على نزاع مسلح دولي تنطبق عليه اتفاقيات جنيف الأربع جميعها.
سؤال: بأية طريقة تطور القانون الدولي الإنساني خلال العقود الستة الماضية؟
تطور القانون الدولي الإنساني بشكل واسع نظراً لتطور طابع وأثر الحروب على مر السنين. وجدير بالذكر أن عام 1977 شهد اعتماد بروتوكولين إضافيين. فعزز البروتوكول الأول حماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية فيما عزز البروتوكول الثاني حماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية, بما فيها الحروب الأهلية.
وشهدت سنوات الثمانينات والتسعينات دخول معاهدات دولية أخرى حيز التنفيذ حرمت أسلحة تقليدية معينة, كالألغام الأرضية المضادة للأفراد وكذلك الأسلحة الكيميائية. وحتى العام الماضي وقع أكثر من 100 دولة معاهدة تاريخية ضد استخدام الذخائر العنقودية.
وأخيراً تحقق تقدم كبير في مجال التحقيق في جرائم الحرب والمعاقبة عليها بفضل عمل المحكمتين الدوليتين ليوغوسلافيا السابقة ورواندا وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
وأرى أن كل هذه مؤشرات على أن القانون الدولي الإنساني قادر تماماً على مواكبة العصر.
سؤال: ماذا ينبغي فعله لتطوير القانون الدولي الإنساني وما هي بعض التحديات الأخرى الحالية التي تلاحظها في ما يرتبط باحترام القانون والحقائق الأخرى على أرض الواقع؟
مازال هناك مجال لتعزيز وتوضيح الإطار القانوني القائم. فعلى سبيل المثال نشرت اللجنة الدولية مؤخراً وثيقة تفسيرية عن مفهوم " المشاركة المباشرة في العمليات العدائية " . ولم يرد في الواقع توضيح لما يعنيه ذلك لا في اتفاقيات جنيف ولا في البروتوكولين الإضافيين. إلا أن هذا الأمر حاسم لأن المدنيين يفقدون حمايتهم ضد الهجوم بموجب القانون عندما يشاركون مباشرة في العمليات العدائية وطالما شاركوا فيها. وإذا لم يكن هناك فهم مشترك للمقصود بذلك, فإن هناك خطر وقوع المدنيين ضحايا لهجمات خاطئة وتعسفية.
سأسوق لك مثالاً . لنتصور أن سائق شاحنة مدني ينقل الذخائر إلى موقع لإطلاق النار في الجبهة الأمامية. يكاد يكون من المؤكد أن هذا الأمر يعد مشاركة مباشرة في العمليات العدائية. ولكن ماذا إذا كان السائق نفسه ينقل الذخيرة من مصنع إلى ميناء بعيد عن منطقة النزاع؟ فهذا السائق من وجهة نظرنا, حتى وإن كان يساند المجهود الحربي, فإنه لا يشارك مباشرة في القتال وبالتالي فهو محمي من الهجوم.
كل هذه الأسئلة وثيقة الصلة بالموضوع عندما تجد أن الوظائف العسكرية التقليدية أصبحت تسند أكثر فأكثر لمقاولات خاصة وأن المدنيين يدعمون بانتظام الجماعات المسلحة من غير الدول من خلال مجموعة من الأنشطة التي تشمل الدعم العسكري واللوجيستي وتوفير الغذاء والمأوى للمقاتلين.
وثمة تحديات أخرى تتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية التي تنطوي على مشاكل إنسانية لا تغطيها معاهدات القانون الدولي الإنساني القائمة. وقد سدَّت قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي بعض هذه الثغرات, ولكن هناك مجالات أخرى يحتاج فيها القانون لمزيد من التوضيح والتطوير. فعلى سبيل المثال لا يوجد في الوقت الراهن أي إطار مفصل يضع أسس الضوابط من أجل الأشخاص المعتقلين لأسباب أمنية تتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية. وهذه الضوابط هي ضرورية لضمان احتجاز هؤلاء الأشخاص فقط إذا وجد سبب شرعي لذلك.
سؤال: أفضى ما يسمى "الحرب على الإرهاب" إلى نقاش حول القانون الدولي الإنساني. فماذا تقول اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية فعل في ظاهرة الإرهاب؟
أظن أنه من المواتي القول إن ما حدث في 11 أيلول/سبتمبر 2001 وما تبعه وضع القانون الدولي الإنساني أمام أصعب اختبار له حتى الآن.
فقد ظهرت بالأساس آراء متضاربة بشأن ما إذا كانت " الحرب على الإرهاب " ترقى فعلاً إلى نزاع مسلح. وبالمثل دار نقاش حول ما إذا كان القانون الدولي الإنساني يشمل الإرهابيين المشتبه فيهم المحتجزين في سياق هذا القتال.
وفي اعتقادي الشخصي أن الاتفاقيات والبروتوكولات فيها أجوبة عديدة على ذلك. ومحصلة القول إن الإرهاب ليس ظاهرة جديدة. فاتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية حظرت الأعمال الإرهابية بشكل محدد. ومن حيث معالجة التهديدات الإرهابية أظن كذلك أن الاتفاقيات توازن بشكل جيد بين الانشغالات الأمنية للدولة واحترام الكرامة الإنسانية.
لكن القانون الدولي الإنساني لا ينبغي أن ينطبق سوى على الحالات التي يرقى فيها القتال ذلك الإرهاب إلى مستوى الحرب. فالأعمال الإرهابية المرتكبة خارج نطاق النزاعات المسلحة يجب معالجتها بواسطة تنفيذ القانون الوطني أو الدولي, بدلا من تطبيق القانون الدولي الإنساني. وتشمل هذه الوسائل جمع المعلومات الاستخباراتية والتعاون بين الشرطة والقضاء, أو تجميد الأرصدة أو ممارسة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على الدول المتهمة بدعم الإرهابيين المشتبه فيهم. ولا يجوز تطبيق القانون الدولي الإنساني على الحالات التي لم يوضع من أجلها.
لكن النقاش الذي أثارته أحداث 11 أيلول/سبتمبر أفرز بعض الثغرات الممكنة وأوجه القصور في القانون الدولي الإنساني. مثلا, في ما يخص احتجاز الإرهابيين المشتبه فيهم في حالات النزاع المسلح تعد بعض جوانب المادة الثالثة المشتركة غامضة وتحتاج إلى مزيد من التوضيح. وعندما يتعلق الأمر بظروف الاعتقال يجب أن يتجاوز القانون المفهوم الأساسي للمعاملة الإنسانية وأن يكون أكثر تحديداً. وبالمثل لا توجد توجيهات حول إجراءات الضمانات (مراجعة أسباب الاحتجاز) التي يحق للأشخاص المحتجزين لأسباب أمنية أن يستفيدوا منها.
سؤال: كما ذكرت سابقاً, دفعت الحرب العالمية الثانية باللجنة الدولية إلى تجديد التشجيع على توسيع الاتفاقيات لحماية المدنيين. لماذا كانت هذه المسألة مهمة وكيف تغيرت الأمور من ذلك الحين؟
كان الجميع في عام 1949 ما يزالون يترنحون من الحرب العالمية الثانية, ذلك النزاع المسلح الشامل ذو الأبعاد غير المتناسبة; فقد شارك فيه معظم أمم العالم وحشد أكثر من مائة مليون عسكري. قتل فيه ما يزيد على 70 مليون شخص معظمهم من المدنيين, وكان أكثر النزاعات فتكاً في تاريخ البشرية.
لقد كانت اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية التي جاءت بعدها إنجازات كبيرة من حيث توفير الحماية للمدنيين, لكن الواقع الأليم أنهم مازالوا يتكبدون عبء حروب اليوم.
ومن التحولات الرئيسية التي شاهدناها منذ عام 1949 الطبيعة غير المتكافئة للحرب بشكل متزايد. وأعني بهذا الحالات التي يكون فيها التدريب والسلاح المتوفر لطرف ما يفوق ما لدى الطرف الآخر. وعادة ما يحدث هذا عندما تكون المواجهة بين قوات مسلحة مجهزة ومدربة بشكل جيد وجماعات متمردة. وتستخدم هذه الفوارق في بعض الحالات من قبل الطرف الأضعف لشرح السبب في عدم احتر ام القواعد القانوني الدولي الإنساني الأساسية. وقد ينتج عن ذلك حلقة مفرغة يبرر فيها كل طرف سبب عدم احترامه للقانون الدولي الإنساني بإلقاء اللائمة على العدو.
وثمة تطور آخر جدير بالذكر وهو أن العمليات العسكرية تدور رحاها على نحو متزايد في أماكن حضرية آهلة بالسكان, وتستخدم فيها غالباً أسلحة ثقيلة أو قوية الانفجار. فمن غروزني إلى مقديشو ومن بغداد إلى مدينة غزة, كان للنزاعات أثر مدمِّر على السكان المدنيين.
سؤال: ما رأي الأشخاص الأكثر تضرراً من الحرب في قضايا مثل حماية المدنيين أو السلوك المقبول أثناء الحرب؟ هل يعتقد الأشخاص الذين تسعون لحمايتهم أن اتفاقيات جنيف فعالة؟
أجرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الآونة الأخيرة استطلاعاً للرأي في ثمانية بلدان وأمم متضررة من العنف, وسألت الناس عن وجهات نظرهم بشأن سير العمليات العدائية وقضايا أخرى ذات الصلة.
وعبرت الغالبية العظمى عن دعمها لمبادىء القانون الدولي الإنساني الأساسية كما أيدت الفكرة القائلة حتى الحروب يجب أن تكون لها حدود, لكن البحث يظهر في الحقيقة أن فئة قليلة جداً هي التي تعلم بوجود هذه القواعد. وفي غضون ذلك يشك البعض في أن يكون للقانون أثر فعلي على أرض الواقع.
وبما أن هذا يقترن بقتل المدنيين وانفصالهم عن أحبائهم وإرغامهم على الفرار من ديارهم أثناء النزاعات المسلحة الدائرة في شتى أنحاء المعمورة, فإن ذلك يشير إلى أننا بحاجة فعلاً إلى الامتثال للقانون بشكل أفضل.