تخيم مشاعر الخوف وانعدام اليقين على ضحايا الأزمة الإنسانية في ميانمار حيث عصفت حالة انعدام الأمن بحياة الناس ودمرت منازلهم.
تعاني المجتمعات المحلية كافة من صدمة شديدة حاليًا عقب أحداث العنف التي وقعت واضطرار السكان إلى الفرار من منازلهم خوفًا من أن تطالهم هذه الأحداث بأذى. فالناس يشعرون بالخطر إذا ما انتقلوا لذا يبقون في أماكنهم، وهذا يعني تقييد وصولهم إلى المدارس والحقول الزراعية والأسواق، وصعوبة حصولهم على خدمات الرعاية الصحية.
كيف يمكن للأسر المضي قدمًا في حياتها؟ لكي يمكن التغلب على الخوف الجارف الذي تشعر به هذه الأسر، وإيقاف تدفقهم عبر الحدود، والوصول إلى المرحلة التي تفكر فيها في الرجوع إلى منازلها، يجب إعادة بناء الثقة على جميع المستويات بين المجتمعات المحلية، حتى يتسنى لها التعايش في ما بينها بسلام.
فمنذ عقود والناس يعانون في ولاية راخين من التخلف والفقر والعنف الطائفي. وإذا كنا نرغب في كسر دائرة العنف، فعلينا النظر في مظالم المجتمعات.
الآن وبعد أن وصل عدد من يحتاجون إلى المساعدة إلى مئات الآلاف من الأشخاص، فإن الحل طويل الأمد الذي علينا إيجاده هو استعادة سيادة القانون والنظام على المدى الطويل وليس الاستجابة للوضع عبر زيادة الاعتماد على المساعدات الإنسانية. كما يجب إعادة الخدمات العامة مثل الرعاية الصحية. ومن المهم بالقدر نفسه طمأنة الناس أنه في حالة عودة النزاع فستتوفر الحماية لهؤلاء الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية.
حتى مع بداية عودة النظام والقانون، لا تزال تخيم على الرؤوس غيمة داكنة وشعور جماعي بأن الغد ربما لا يكون أفضل من اليوم، فالناس لا يعرفون إلى أين يتوجهون أو ما يتوجب عليهم فعله، إذ يؤخرهم المجهول عن استئناف حياتهم الطبيعية.
لهذا، يجب استعادة النظام في شمال راخين، وبالنظام أعني ذلك الذي يدوم طويلًا في المستقبل، ويجب تشجيع المجتمعات على التحلي بضبط النفس، إلى جانب ضمان سلامة المدنيين والممتلكات. وعلى القادة، على جميع المستويات، بما في ذلك المسؤولون الحكوميون والقوات الأمنية، الاضطلاع بدور رئيسي في هذا الشأن.
يعيش الكثير من الناس الذين تركوا منازلهم في أوضاعٍ بائسةٍ؛ إذ يحتمون بقطع من البلاستيك فوق رؤوسهم، ويطأون على أرضٍ موحلة أسفل منهم، وهذا هو حالهم سواء أكانوا نازحين في بنغلاديش المجاورة كما فعل الأغلبية، أم باقين داخل ولاية راخين. ويعود بعض السكان حاليًا إلى منازلهم لكن الكثيرين لا يزالون خائفين.
ومن الجدير بالثناء أن السلطات سمحت للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر (الحركة) بالدخول إلى منطقة شمال راخين لتقديم المساعدات الإنسانية، رغم تقييدها دخول غيرها من المنظمات الإنسانية منذ أن بدأت الأزمة. ونحن نشجع السلطات على تيسير مهام العاملين في المجال الإنساني، إذ لا يمكن لأسرة الصليب الأحمر وحدها أن تلبي هذا القدر الهائل من الاحتياجات.
يذكر أن الحركة توزع مواد غذائية مثل الحمص والأرز والأسماك المعلبة على 180 ألف شخص في شمال راخين. ولقد قدمنا مساعدات إلى المجتمعات المحلية في المناطق الجبلية المعزولة، ووزعنا مواد غذائية ومياهًا على ما يزيد على 5 آلاف شخص معوز محاصرين في ظروف قاسية على الشواطئ بالقرب من مونغداو. وتحافظ المراحيض التي حفرناها على صحة الناس وتحفظ لهم كرامتهم، كما تتيح الناموسيات التي وفرناها للآباء والأمهات توفير الحماية لأبنائهم.
لن يقتصر تقديم الحركة المساعدة على هذه المرحلة الطارئة التي نمر بها فحسب، إذ ستشارك أيضًا في مرحلة إعادة التأهيل حتى نساهم في الجهود الرامية إلى مساعدة الناس على استعادة حياتهم الطبيعية.
لن تجدي المساعدات نفعًا سوى على المدى القصير فحسب، أما الأمل الطويل المدى الذي يحدونا فهو إحلال القانون والنظام والتعايش السلمي بين المجتمعات، حتى لا يعيش الناس في خوفٍ بعد الآن.