السنغال: المشاريع الصغيرة في "كازامانس" تساعد على استعادة الشعور بالكرامة

07-03-2010 تحقيقات

أدى انتشار العنف وانعدام الأمن على مدى 20 عاماً في "كازامانس" إلى نزوح عدة آلاف من السكان. وتعمل اللجنة الدولية, من خلال المشاريع الصغيرة, على دعم بعض هؤلاء النازحين الذين يعيشون حالة من الفقر المدقع, ومن بينهم عدد كبير من النساء.

تبدو " كينتا ماني " جالسة أمام بيتها, وهي تعد وجبة طعام وعكازها مسند على ظهر الحائط. قبل ست سنوات, داست هذه الأم على لغم بالقرب من الحدود مع غينيا-بيساو فيما كانت تحتطب في الحقول وفقدت إحدى ساقيها نتيجة لذلك.

وبلغ عدد ضحايا الألغام التي أحصاها المركز الوطني لمكافحة الألغام في السنغال منذ عام 1988 أكثر من 750 ضحية, وقد انتشرت هذه الألغام بسبب العنف المسلح الذي تشهده هذه المنطقة في جنوب السنغال.

وتعيش " كينتا ماني " منذ عام 2006 في حي بضواحي " زيغينشور " مع ابنيها. أحدهما يبلغ من العمر 7 سنوات, ويتردد على المدرسة, والآخر عمره 11 عاماً, ترك المدرسة وكرس حياته للميكانيك. بيتهم الصغير المصنوع من الطين ومن سقف من الصفيح مشقق, ولن يصمد أمام موسم الأمطار المقبل.

وتعيش " كينتا ماني " (49 عاماً) حالياً من التسوّل. تذهب كل يوم إلى وسط " زيغينشور " لجمع بعض الدراهم. نصف المبلغ الذي تحصل عليه يومياً (2000 فرنك أفريقي أو 3 يورو) تنفقه على تكاليف النقل. لا أحد في الحي الذي تسكنه يقدر على مساعدتها, لأن الجميع, كما تقول, " يعاني من مصاعب الحياة والكل يبحث عن الطعام " .

وسعياً إلى إخراج " كينتا ماني " وغيرها من النازحين المتضررين بوجه خاص من هذه الحالة, أقامت اللجنة الدولية مشاريع صغيرة لتقديم المساعدة في " زيغينشور " وضواحيها. وأول المستفيدين في الوقت الراهن من هذه المشاريع هم ضحايا الألغام.

     
©ICRC/ A Fontaine 
   
كازامانس, السنغال. الحياة تصالح كينتا ماني.      
           
ويوضح السيد " كريستوف درييس " , المسؤول عن برنامج اللجنة الدولية في " زيغينشور " قائلا: " يجري اختيار الأشخاص بالنظر إلى درجة ضعفهم الناجم عن حالة الفقر المدقع والبؤس الاجتماعي التي يعانون منها, وتبعاً لدرجة تحمسهم. وهدفنا تمكينهم من زيادة دخلهم باستمرار لتحسين ظروفهم المعيشية واستعادة كرامتهم أيضاً " .

  الفقر المدقع والبؤس الاجتماعي  

تشكل النساء في غالب الأحيان أضعف الفئات الاجتماعية, لا سيما الأرامل. ويتعين على الغالبية منهن اعتماد استراتيجيات جديدة للبقاء على قيد الحياة. حيث يجبر العديد منهن على التخلي عن الزراعة لممارسة الحرف اليدوية الصغيرة أو مباشرة المشاريع التجارية الصغيرة. وقد يجبر البعض منهن على ممارسة البغاء.

لقد أرادت " كينتا ماني " طهي الفطائر وبيعها. وبعد التشاور, قررت الانتقال إلى وسط المدينة. " من شأن هذا المشروع أن يساعدني على استعادة الحياة, وتوفير طعامي, ولباسي, وتحسين سكني " . وقد وفرت لها اللجنة الدولية كشكاً خشبياً وأواني للطبخ وموقد غاز.

وفي " كازامانس " , يعد هذا النوع من المساعدة في بيئة حضرية أمراً جديداً بالنسبة إلى اللجنة الدولية التي كانت تركز جهودها حتى الآن على مشاريع مجتمعية لأغراض زراعية. وتعتبر الزراعة في هذه المنطقة الخصبة جداً المصدر الرئيسي للدخل. وقد أدى النزاع ونزوح السكان الناجم عنه إلى تغيير الوضع.

ويلاحظ " كريستوف درييس " قائلاً " لا يعيش النازحون في المناطق الحضرية, بسبب وضعهم, في شكل مجموعات محلية. لقد فقد الجميع أراضيهم, ولا يمكنهم بالتالي ممارسة الزراعة, نشاطهم الأصلي, من جديد " .

وتشير تقديرات اللجنة الدولية إلى وجود 000 40 نازح في " كازامانس " , يعيش حوالي 000 10 منهم في " زيغينشور " . وتعيش هذه العائلات في أغلب الأحيان مع الأقارب. ومن نتائج ذلك, اكتظاظ المنازل, وانقطاع الأطفال في كثير من الأحيان عن الدراسة, ومعاناتهم من سوء التغذية. ولم يرجع البعض منهم إلى بيوتهم لأكثر من عشر سنوات. وتشير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من جهة أخرى إلى بقاء أكثر من 000 13 لاجئ في غامبيا وغينيا-بيساو, وهما من البلدان المجاورة للسنغال, بسبب أعمال العنف في " كازامانس " .

  مشاريع تتناسب مع قدرات كل فرد  

يجري في " زيغينشور " تطوير مشاريع صغيرة أخرى. فهذه امرأة ترغب في الحصول على ثلاجة لبيع المثلجات وعصير الفاكهة وقطع الثلج, وأخرى تأمل في صنع معجون الفول السوداني.

ويشدد " كريستوفر درييس " قائلا: " ما نطمح إليه هو تنفيذ مشاريع تتناسب مع احتياجات كل فرد وقدراته " . والشائع لدى الرجال خصوصاً هو ورش الصيانة والميكانيكا واللحام. أما النساء, فيفضلن ورش الخياطة أو تجفيف الأسماك أو أكشاك البيع في الأسواق.

أما " كينتا ماني " , فهي تنتظر بفارغ الصبر وصول معداتها للكف أخيراً عن التسوّل. وسيسمح لها هذا النشاط الجديد بالاعتماد على نفسها واستعادة كرامتها.