ليليوز .. شاهدة على زمن الإبادة الجماعية في رواندا
16-03-2014 مقابلة
قصة ليليوز واحدة من 12 قصة شخصية أخرى لافتة ومثيرة للشجن والحزن، تم اختيارها لتكون ضمن معرض دائم بعنوان "شهود"، يتناول 3 مواضيع هي: الدفاع عن الكرامة الإنسانية، وإعادة بناء الروابط العائلية، والصمود أمام المآسي، وقد تم إطلاقه في إطار افتتاح متحف الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولي في أيار/مايو 2013 بعد نحو عامين من التجديد وأعمال البناء.
في زيارتها إلى جنيف ، أدلت ليليوز في حوار بشهادتها، وشرحت دور اللجنة الدولية في حياتها.© ICRC
عندما ذهبت الشابة ليليوز إيراغوها إلى جنيف، بصحبة إبراهيم دوكوز، مسؤول أنشطة البحث عن المفقودين باللجنة الدولية في رواندا، والذي قام أيضاً بدور المترجم، كانت تلك أول مرة تسافر فيها خارج أفريقيا. في تلك الزيارة أدلت ليليوز في حوار بشهادتها، وشرحت دور اللجنة الدولية في حياتها.
- "ليليوز"، كيف انفصلت عن عائلتك؟
كنت في التاسعة من عمري عندما تم قتل والديًّ في أثناء الإبادة الجماعية في رواندا (1994)، كان ترتيبي الثانية بين 4 شقيقات وشقيق واحد، ولم يجد الجيران الذين كنا نختبئ معهم حلاً سوى الفرار بنا باتجاه تنزانيا.
لم يكن الأمر سهلاً، واضطررنا لاستخدام حبل لربط الأطفال الأصغر سنًا معًا من أذرعهم؛ حتى لا نفقدهم أو يتخلفوا عنا في الزحام. كان الأمن منعدمًا، فقد يختفي بعض الناس فجأة، أو يؤخذون قسراً. قاسينا الجوع الشديد، ولم نتمكن من استخدام الطريق الرئيس بسبب نقاط التفتيش، ومن ثم سلكنا طرقًا صغيرة داخلية. وتعين علينا عبور "بوروندي"، حتى تمكننا في النهاية من الوصول إلى نقطة استطعنا منها الإنطلاق في سيارة إلى تنزانيا.
- وما الذي حدث لدى وصولكم؟
كان الوضع هناك سيئًا أيضًا، ولم يكن لدينا سوى القليل من الطعام، علاوة على الإجهاد والإعياء. ومكثنا في البداية داخل مخيم لبعض الوقت قبل انتقالنا إلى مخيم آخر، وبعد مرور 6 أشهر، تلقينا أولى الرسائل عبر الصليب الأحمر. وعلمنا أن عمتنا في رواندا تبحث عنا وطلبت منا العودة إلى المنزل. ومع ذلك لم تتم إعادتنا بسبب تواجد شقيقتنا الكبرى البالغة معنا، وبالتالي لم تنطبق علينا شروط نقل "الأطفال غير المصحوبين بذويهم". ومما زاد الأمر تعقيداً، رغبتنا في البقاء معًا، والعودة إلى الوطن سوياً، وهو ما تحقق ولكن –للأسف- بعد وفاة شقيقتنا لمرض أصابها، وإضطلاعي بمسؤولية الصغار.
ليليوز مع أفراد أسرتها. © ICRC
- إذن كنت طفلة صغيرة عندما أصبحت معيلة الأسرة؟
هذا صحيح، فقد كان شقيقي في السابعة من عمره، وأصغر شقيقاتي في سن الثالثة. وفي ظل صعوبات جمة، توليت لمدة 3 أشهر توفير الطعام وجلب المياه والخشب للطهي في أثناء إقامتنا بالمخيمات في تنزانيا، والتي استمرت لنحو عام. ولحسن الحظ علمت اللجنة الدولية بما حدث، وجاء مندوبوها لاصطحابنا وجمع شملنا مع عمتنا.
لقد وثقنا في اللجنة الدولية لأننا كنا نعلم أنها لن تتعامل معنا كسقط المتاع بجانب العديد من الأطفال أو الحقائب المكدسين في سيارة متهالكة للنقل. وشعرنا بالأمان في الذهاب معهم لإيماننا بأنهم سوف يأخذوننا فعلاً إلى عمتنا، التي انتابتنا سعادة بالغة لرؤيتها. لقد أستعدنا الإيمان والثقة بالبشر والإنسانية، بعد أن فقدنا تلك المشاعر أمام هول ما عايشناه، وهو ما جعلنا نشعر لفترة أننا لن نجد من يحبنا مرة أخرى. وقد تولت عمتي تربيتنا، وعندما كبرنا غادرنا منزلها حيث أعيش الآن مع شقيقاتي الأصغر، ولا أزال أشعر بأنني مسؤولة عنهن.
- لماذا تشعرين بأهمية مشاركة قصتك مع آخرين؟
أولاً، لأن بعض الأشخاص يتجاهلون أو ينكرون حدوث إبادة جماعية في رواندا حتى الآن، ولذا أريد أن أروي شهادتي على ما حدث.
وثانيًا، لأنني أعتقد أن اللجنة الدولية أنقذتنا من وضع أليم، وبفضلها عدنا إلى عمتنا، واستطعنا ممارسة حياة طبيعية.
كما أنني أحيي في الوقت نفسه ذكرى والدّي وشقيقتي، فضلاً عن شعوري بالامتنان للصليب الأحمر لتفقد أحوالنا بعد كل تلك السنوات.
الغريب، ربما لو طلبت مني أحدهم قبل 15 عامًا رواية قصتي لما شاركتكم سوى الدموع بدلاً عن الكلمات، ولكن الزمن ساعدني على تجاوز أحزاني لأروي بعضاً مما حدث، والذي سأظل أذكره للأبد.

تقول ليليوز: علينا أن نساعد بعضنا البعض في الحصول على القوة التي تمكننا من التقدم، وألا نسمح للماضي بأن يشدنا إلى مآسيه ثانية.
© ICRC
- ما المستقبل الذي تتمنيه لبلدك وعائلتك ولك أنت؟
أتمنى ألا تتعرض بلدي لإبادة جماعية مرة أخرى، وأتمنى إحراز المزيد من التقدم والتطور بها، وأشعر أن البلاد في أيد قيادة أمينة في الوقت الراهن. وقد ساعدت اللجنة الوطنية للوحدة والمصالحة -التي تشكلت في أعقاب الإبادة الجماعية- السكان على التسامح وتجاوز ما حدث.
أما عن الأشخاص الذين عاشوا فترة الإبادة الجماعية فأتمنى أن يظلوا أقوياء ويتغلبوا على أحزانهم. وعلينا أن نساعد بعضنا البعض في الحصول على القوة التي تمكننا من التقدم، وألا نسمح للماضي بأن يشدنا إلى مآسيه ثانية.
أما عني أنا وشقيقاتي، فأتمنى إتاحة قدراً مناسب من التعليم الجيد لنا، وخاصة بعد إلتحاقي بالمدرسة الثانوية، وتوقفي بسبب عدم توافر المال لتغطية تكاليف الذهاب إلى الجامعة. وإذا استطعت تحقيق ذلك، فأتمنى أن أعمل بمجال المحاماة يومًا ما. هذا هو حلمي.