صفحة من الأرشيف: قد تحتوي على معلومات قديمة

البوسنة والهرسك: عطلة صيفية "لأطفال المفقودين"

07-09-2004 تحقيقات

رغم مضي فترة من الزمن على انتهاء النزاع في منطقة البلقان فإن قضية الأشخاص المفقودين واحتياجات أسرهم تظل ضمن أهم الأولويات على جدول أعمال اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وقد دعمت اللجنة الدولية مؤخراً تنظيم معسكر صيفي لستين طفلاً ممن لا يزال لهم أقرباء مجهولي المصير.

 

أحد الأطفال يقدم الشكر لمنظمي المعسكر الصيفي. ©ICRC 
 

دعمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤخراً جمعية الصليب الأحمر للبوسنة والهرسك في تنظيم معسكر صيفي لستين طفلاً من أسر لا يزال لديها أقرباء مفقودين نتيجة للنزاع هناك. وقد كتبت " سانيلا بايرامبازيك " وهي موظفة وطنية تعمل في سراييفو هذا التقرير بعد الالتقاء بهم.

وتقول " هاشمة عليسكوفيتش " البالغ عمرها 14 عاماً، وهي إحدى الأطفال الستين الذين قضوا العطلة في المعسكر الصيفي خارج سراييفو: " أود على وجه الخصوص أن أن أشكر المنظّم وجميع من ساعدونا على الالتقاء ببعضنا البعض وقضاء وقت ممتع وتبادل الخبرات " .

وبالنسبة لبعضهم كانت هذه الزيارة الأولى للعاصمة. وبعد عطلتها سوف تعود هاشمة إلى منزلها في " برييدور " وهي مدينة صغيرة في غرب البلاد كانت قد فرت منها في عام 1992 لكي تنقذ حياتها. وكانت هذه أيضاً هي آخر مرة ترى فيها والدها الذي لم يتم اقتفاء أثره.

وبينما يعاني أصدقاء هاشمة الجدد في المعسكر الصيفي محنة مشتركة، فإنه لن يكون بوسعهم جميعاً العودة إلى المدن والبلدات والقرى التي ما كادوا يجدون الوقت لاكتشافها قبل أن يضطروا للهرب منها. إنهم بعض " أبناء المفقودين " ـ أطفال لا يزالون يجهلون مصير آبائهم و، في بعض الحالات، أخوتهم وأخواتهم.

ويأتي الأطفال من أكثر من 16 ألف أسرة في البوسنة والهرسك لا تزال تنتظر معلوم ات بشأن أقربائها المفقودين. وبعد مضي سنوات عدة على انتهاء الأعمال العدائية في البلاد تتواصل معاناة تلك الأسر.

وعلى مدى الشهور الأخيرة عكفت اللجنة الدولية وجمعية الصليب الأحمر للبوسنة والهرسك وروابط أسر المفقودين على الاتصال بآلاف الأسر لجمع معلومات إضافية حول الأقرباء المفقودين وظروف اختفائهم. وتسهم هذه المعلومات، المعروفة بالبيانات السابقة على الوفاة، في التعرّف على الرفات البشري الذي يتم العثور عليه في المقابر الجماعية عبر أنحاء البلاد. ويتيح هذا بدوره الكشف عن مصير بعض أولئك الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً.

ويأتي أغلب الأطفال في المعسكر من أسر فقيرة ـ ففي حالات كثيرة كان القريب المفقود هو أيضاً المعيل الوحيد للأسرة ـ وتعد إقامتهم في المعسكر الصيفي العطلة الحقيقية الوحيدة التي يحصلون عليها. ويتمثّل منزلهم خلال هذه الأيام العشرة في دار الجمعية الوطنية للصليب الأحمر في " فوغوسكا " الواقعة على بعد نحو عشرين كيلومتراً خارج العاصمة وسط محيط هادئ من الخضرة. وقد تبرّع الصليب الأحمر النرويجي بالمبنى لفرع سراييفو للصليب الأحمر بعد بضع سنوات من انتهاء الحرب، وتوفّر اللجنة الدولية بعض المال اللازم لتنظيم المعسكر الصيفي.

" الأمور ممتازة في المعسكر، ونحب على وجه الخصوص أمسيات الترفيه التي تبدأ بعد العشاء مباشرة " ، على حد قول " نجر فاروبا " ابن الثلاثة عشر ربيعاً بإنغليزية جيدة.

وخلال الأيام الأربعة الأولى في المعسكر زار " نجر " والأطفال الآخرون المتحف الوطني وحي " باسكاريييا " القديم في سراييفو.

وقال " أحمد غراهيك " رئيس اتحاد روابط المفقودين البوسنية والذي تطوع لمساعدة الأطفال بوصفه كبير مستشاري المعسكر: " كانت زيارة المتحف واحدة من المعالم. نحن حريصون على أن يقضي الأطفال وقتاً قيماً في المعسكر " .

وإلى جانب البرنامج الثقافي يقضي الأطفال أيضاً وقتاً كثيراً في ممارسة الرياضة والألعاب فضلاً عن أنشطة أكثر جدية مثل التدريب على الإسعافات الأولية أو تلقي المحاضرات حول ما تمثله الألغام الأرضية التي لا تزال مخبأة تحت الأرض من مخاطر.

ويعرف السيد " غراهيك " الفخور بأن ه جد لأربعة من الأحفاد ما يشعر به الأطفال من ألم. وكان على السيد " غراهيك " الذي فُقِد والده في عام 1992 في " زفورنِك " أن ينتظر حتى العام الماضي قبل أن يتم الكشف عن رفاته في واحدة من أكبر المقابر الجماعية التي تم العثور عليها حتى الآن، والواقعة في " سرني فره " على مقربة من بلدة " توزلا " في الشمال الشرقي.

إن السيد " غراهيك " الذي يعرف الأطفال وما يعيشونه من حياة عسيرة قد تأثر على وجه الخصوص بنداء هاشمة إلى العالم.

" نتوقع من سياسيي العالم الأقوياء أن يحلوا مشكلتنا بحيث لا نضطر في المستقبل أن نعتمد على رحمة أحد " .

الأرجح أن آراء هاشمة وأصدقائها في المعسكر لن تغيّر من تفكير أو ممارسات أولئك الذين يشنون الحرب في أماكن أخرى، لكن المؤكد أن تلك الآراء قد مست نياط قلوب من أنصتوا إليها ـ بما في ذلك كاتبة هذه السطور.